سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الدروس المستقاة من أطلال غزة

شيار زاخو

نتابع منذ حوالي الشهر المأساة التي تحل على الشعب الفلسطيني، والتي لم تكن جديدة عليهم رغم أنها تكرار لما هو معروف بالنسبة لهم. هو الضجيج العربي الذي يملأ المكان صدىً ولكنه من دون أي جدوى.

بكل تأكيد همجية الطرفين المتصارعين أعمت بصيرتهم ولم يعد تفكيرهم منصب على غير الانتقام من الطرف اﻵخر بأي شكل من اﻷشكال. كل طرف يتوعد الطرف اﻵخر بإنهائه والقضاء عليه ورميه بالبحر أو دفنه في أنفاقه. من حيث الوعيد ﻻ جديد عند الطرفين سوى استمرار آلة القتل حتى حين. طبعاً لذلك أسبابه التاريخية والذهنية المجتمعية المتشكلة عبر قرون وعقود من الزمن المنفكئ على ذاته والبعيد كل البعد عن الإبداع. البحث في هذهاﻷسباب يعتبر بوابة الخروج من هذا المستنقع الذي يغوص فيه الكل، والتي لن تكون نتيجته سوى المزيد من تعبيد طريق جهنم بالجثث والجماجم من قبل كِلا الطرفين، وبنفس الذهنية الدينية المكررة منذ آلاف السنين.

أساس الصراع يكمن في داخلهما والبحث في جوانية الموضوع يحل معظم القضايا، بدلاً من البحث أو انتظار من في الخارج ليأتي ويضع حلاً لهذه المعضلة. “كنتم خير أمةٍ…” و”شعب الله المختار”، ما بين هذه الجملة وتلك تستمر آلة القتل في عملها وتغذيتها بحماسية وعود الرب والله لكل طرف بالنصر المؤزر والقريب. وما دام الحل لم يخرج من دائرة الكهنة المستفيدين من هذا الصراع، فلن تهدأ النفوس وستستمر الدموع بالانهمار من عيون المنتظرين الفرج من عند الله.

منذ سبعة عقود ولم تخرج النظم الإقليمية من دائرة الشجب والتنديد الإعلامي، وﻻ زالت مستمرة بعملها هذا والذي اتقنته بكل معنى الكلمة، وبكل تأكيد يعرف الفلسطينيون هذا اﻷمر وأنهم يدركون أﻻ شيء ينتظرونه من أشقائهم، ﻷنهم ﻻ حول لهم وﻻ قوة، لكن اﻻستغاثة هي فقط لغسل العار الذي يعيشونه وتذكيرهم على اﻷقل بواجباتهم الأخلاقية ﻻ غير.

حينما يكون العدوان وآلة القتل تقوم بعملها على أكمل وجه سواء إن كان في روج آفا أو فلسطين، الكل سيلعب دور (القرود الثلاثة)، صمٌ، بكمٌ وعميٌ ﻻ يفقهون شيئا. وما تفعله آلة القتل الصهيونية هي نفسها تحوم في سماء روج آفا من طرف الطورانية الحفيد الشرعي للذهنية الصهيونية. ﻻ فرق كثيراً بين الذهنيتين سوى أنهما تنعشان وتغذيان بعضهما البعض. فلا الصهيونية قادرة على العيش من دون الطورانية والعكس صحيح. الذهنيتان مكملتان لبعضهما البعض وتتشابه في سلوكهما الفريد من نوعه في جرائم القتل والتشريد والتهجير وقلب الحقائق والكذب واستخدام القوة المفرطة من دون أخلاق لترهيب الطرف اﻵخر.

ما تعيشونه اﻵن نعيشه نحن أيضاً من حيث الصمت العالمي والإقليمي. فلا أحد يفكر وﻻ حتى يحاول أن يغير من سلوكيات اللعبة. الكل صامت؛ ﻷن مصالحه ومنافعه تقتضي ذلك، وأن صوت بكاء الشعب تحت الأنقاض لن يصل ﻵذانهم المشغولة بالاستماع ﻷناشيد المصالح التلمودية.

أخي وعزيزي الفلسطيني، لا جديد بالنسبة لنا؛ ﻷننا نعيش ما تعيشه اﻵن منذ القرن تقريباً وبالتحديد منذ تشكل الجمهورية التركية التي تراها أنت صديقة لكم، لكنها عدوة لنا. فالذي يقتل شعبه لن يتوانى عن قتل اﻵخر وذرف الدموع عليه، فلا تصدقون دموع اﻷتراك كثيراً، فنحن نعرف رياءهم ونفاقهم جيداً وليس لهم أي علاقة بالدين. ولن يقدموا لكم أي شيء تنتصرون من خلاله، فهم أول من اعترف بعدوكم وأول وظيفة يقومون بها، هي حماية هذا الكيان وليس انهائه. لتعودوا للتاريخ قليلاً واعرفوا عدوكم من صديقكم.

الحل الوحيد يكمن في التنظيم المجتمعي والذي يعتبر أساس اﻻنتصار في أي معركة أو حرب يقوم بها اﻻنسان. وبدون التلاحم المجتمعي ما بين شعوب المنطقة من الصعب اﻻنتصار في هذه الحرب. فهي ليست معركة بين طرفين بقدر ما هي حرب بين ذهنيتين ونظام هيمنة يسعى لتوطيد أركانه في المنطقة ونظام يحاول الحفاظ على ما هو موجود بعقليته السلفية (إن كانت قومجية متزمتة أو دينية متطرفة)، وطرف ثالث يسعى لتغيير ما هو مألوف والتفكير خارج الصندوق عن حلول ناجعة تكون حلاً لمعظم القضايا التي تعاني منها المنطقة. الشعب الكردي اﻵن يحمل لواء فلسفة التعايش السلمي بين ثقافات وشعوب المنطقة على أساس أخوة الشعوب والتي أساسها نابع من فلسفة اﻷمة الديمقراطية. هذه الفلسفة المنبثقة من حقيقة المنطقة التاريخية والسوسيولوجية ستكون الدواء لكل الفواجع والبكائيات التي عاشتها المنطقة منذ مئات السنين وحتى اﻵن. التلاحم الشعبي بين الكرد والعرب واﻷرمن واﻻشوريون والترك والفرس، بعيداً عن الذهنية السلطوية، سيلعب دوره التاريخي في إعادة بناء المنطقة من جديد وفق فلسفة القائد أوجلان.