سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الخلافات التركية الروسية توسع الهوة وتنهي أشهر العسل

رفيق إبراهيم_

العلاقات الروسية التركية ومنذ بدء الأزمة السورية كانت بين شد وجذب، ولكن بعد دخولنا العام 2024 توسعت هوة الخلافات بين موسكو وأنقرة، ولكن بقيت في الخفاء ولم تظهر للعلن، ولم يتحدث عنها الجانبان الروسي والتركي، ولا بأي شكل من الأشكال، ولكن ما يحدث على الأرض في الحقيقية يؤكد عمق هذه الخلاقات، التي من شأنها تعقيد الأمور بشكل أكبر في المراحل المقبلة.
ملفات عديدة معلقة ومعقدة 
هناك ملفات عديدة إقليمية ودولية، تتداخل فيها مصالح الطرفين، ولعل أسخنها الملف السوري، ثم الملف الليبي، وأذربيجان وأرمينيا، ومن بعد ذلك الحرب الروسية الأوكرانية، وتتصدر قضية مهمة في هذه الحرب، وهي قضية معقدة للغاية بين الطرفين؛ لأن تركيا تزود أوكرانيا بطائرات بيرقدار المسيرة، في ظل الرفض الروسي، وخاصة أن تركيا أنشأت معملا لتلك الطائرات على الأراضي الأوكرانية.
وتركيا تتدخل في شبه جزيرة القرم، وفي قضايا المسلمين في روسيا، وتحاول بشتى الوسائل إقامة تحالفات استراتيجية مع الدول الإسلامية المحاذية لروسيا، التي تتحدث اللغة التركية، كما أن علينا إلا ننسى إسقاط الطائرة الحربية الروسية في سوريا، وروسيا لا يمكنها نسيان قتل سفيرها في تركيا، هذه المسائل كلها تخلق مشاكل لا حصر لها بين الطرفين الروسي والتركي.
رسائل الطمأنة التركية لا تجدي 
من جانبها تحاول تركيا امتصاص الفورة الروسية وغضبها، برسائل الاطمئنان التي ترسلها لروسيا بين الحين والآخر، وخاصة فيما يتعلق بصفقة الطائرات المسيرة بينها وبين أوكرانيا، وعلى ما يبدو أن قضية الخلاف أبعد من صفقة الطائرات المسيرة هذه، ولهذا الروس يتخوفون من مآرب تركيا وأطماعها في المنطقة وخاصة في سوريا، والعديد من دول المنطقة، والروس يحاولون القيام بإجراءات استباقية للحلول دون تحقيق الأهداف التركية في المنطقة.
وعلينا ألا ننسى أن بولندا حذت حذو أوكرانيا في الإعلان عن وجود صفقة لشراء طائرات مسيرة تركية، وهي تقف مع المعسكر الغربي، وهذه القضية أثارت غضب روسيا، وتحفظت عليها كثيراً، وقد أعلنت مرارا أن ما تقوم به تركيا مع الدول المجاورة لها أمر غير مقبول ويجب أن نتدخل في وقف هذه المهازل، وبالأساس العلاقات الروسية البولندية ليست على ما يرام، لتحالفها مع الغرب.
جزيرة القرم خلاف آخر 
وفي جزيرة القرم، تركيا ترفض ضم روسيا لها، وكانت وزارة الخارجية التركية قد بينت في هذا الشأن: “هناك أكثر من 250 ألف شخص من التتار قد هجروا من القرم في أيار من العام 1944، وهؤلاء لا زالوا يواجهون صعوبات في العودة إلى وطنهم، لأن روسيا قد ضمت الجزيرة إلى أراضيها”. وبعد تصريح وزارة الخارجية التركية، هددت روسيا تركيا بشكل مباشر عبر المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا: “إذا واصلت تركيا خطابها التصعيدي المغرض، سنرد عليها”، وتابعت: “تصريحات تركيا بشأن تتار القرم وشبه جزيرة القرم مثيرة للقلق الشديد لدينا، وإن لم تغير تركيا لهجتها هذه، سنضطر إلى التعامل معها بالمثل، في إثارة المشاكل الدينية والعرقية في تركيا”.
ما ينتظر تركيا من ردود فعل روسية 
ويبدو من كل ما أسلفنا الحديث عنه، أن الخلافات بين أنقرة وموسكو تزداد، وقد نرى في الأيام والشهور المقبلة، تصاعداً في توتر العلاقات، لأن القضايا الخلافية بين الجانبين تتزايد، فتركيا تريد مسك الحبل من المنتصف، فهي عضو في الناتو من جهة، ومن جهة أخرى، تسعى لإبقاء العلاقات مع موسكو حتى ولو في أدنى المراحل، وروسيا تحاول إمالة تركيا الكلي تجاهها وإبعادها عن الناتو والغرب، حيث أن حسن العلاقات مرتبط بدرجة كبيرة بعضوية تركيا في الناتو.
وبالنتيجة، إن ما يحدث في الخفاء، إن ظهر للعلن، ستكتمل الصورة كاملةً للمشهد الدرامي المعاش بين تركيا وروسيا، وستنتهي أشهر العسل على مدى السنين الماضية، وإن لم تتنازل تركيا للمطالب الروسية، وخاصة المتعلقة بسوريا، ومسألة صفقة الطائرات المسيرة لأوكرانيا وبولندا، فإن بوتين سيعيد الكثير من الحسابات مع أردوغان، وحكومة العدالة والتنمية، وعندها لن تقبل أية أعذار.