الحوار العربيّ – الكرديّ بين الثقافيّ والسّياسيّ ـ2ـ

رجائي فايد_

(السياسة خبز الكرد اليومي)، كتبتُ هذه الجملة فى تقديم كتابي (كردستان العراق بين الوطني العراقي، والقومي الكردي) الدكتورة (نيفين مسعد)، وكيلة معهد الدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية، والذى صدر عن هذا المعهد، وهو يشتمل على دراسة عن طلاب السنوات النهائية فى جامعتي (صلاح الدين ودهوك) بباشور كردستان، وتحليلها واستخلاص نتائجها، وقد صدقت الدكتورة” نيفين” في مقولتها إلى حدّ كبير، فالتجارب أثبتت، أنّ الحديث الكردي في السياسة، يتغلّب على أي حديث آخر، وهذا أمر طبيعي؛ لأنّ ما عاناه الكردّ نتيجة لممارسات السياسة  كثيرة، وأتذكّر ما جرى لي في إحدى تجاربي، التي تؤكّد تلك المقولة: كنت في زيارة لمدينة السليمانية لأيام عدّة، وخلال تلك الأيام كانت حواراتي مع الأصدقاء كافّة، تعجُّ بالحديث السياسي، وأهم ما في هذا الحديث: هو بكائيات على الماضي القريب، وماذا حدث لهم ولأقرانهم؟ وكيف تعاملت السلطات البعثية مع أهلهم؟ ومدى التنكيل والتعذيب الذى لحق بهم، بل والإعدامات العلنية، والاختفاء القسري، وهدم البيوت على رؤوس أصحابها، وكان تتويج تلك الأحاديث، بتنظيم زيارة لي (للقصر الأحمر)،وهو مبنى للأمن العراقي البعثي في مدينة السليمانية، وقد دارت معركة ضخمة حول هذا المبنى، إبّان الانتفاضة الكردية الشاملة،  بعد الانكسار البعثي في حرب تحرير الكويت، وقد حرصت السلطات الكردية الاحتفاظ  بهذا المبنى، كما هو بآثار تلك المعركة (طلقات رصاص على الجدران المهدّمة، ودبّابات ومعدّات محطّمة، أقبية التعذيب ومعدّاته، ومجسّمات لهذا التعذيب، أبدعها فنانون كرد، وذكّرني ذلك بمشهد مماثل عند منطقة (كورى) على طريق هولير (أربيل) – شقلاوة، حيث دارت معركة ضخمة فاصلة بين قوات الحرس الجمهوري والبيشمركه، وانتهت بهزيمة الحرس الجمهوري، وترك دباباتهم محطّمة، كشاهد تاريخي لتلك المعركة، بالعودة إلى القصر الأحمر، فقد علمت أنه يتم تنظيم زيارات لطلاب المدارس لهذا المبنى، حتى يذكروهم بمدى معاناة أهلهم، والثمن الباهظ الذى دفعوه من أجل ماينعمون به، وتنفست الصعداء بخروجي من هذا المبنى الكئيب، وما يرتبط به من ذكريات مؤلمة، وكما لو كان مرافقي اطّلع على خلجات نفسى، إذ قال لي: إنّ هناك موعداّ لك غدا مع الشاعر الكبير (شيركو بيكس)، وشعرت أن تلك مناسبة جميلة لالتقاط الأنفاس، بحديث ثقافي شيق بعد هذه التخمة من الأحاديث السياسية، وقد سبق أن حدثني عن (شيركو بيكس) الروائي المصري الكبير (جمال الغيطاني)، وعن قيمته الشعرية، التي جعلت من (الغيطانى)، وهو يرأس تحرير صحيفة (أخبار الأدب)، يخصص ملفا فى المجلة عن أعمال (بيكس)، ووجدت أنني لا بدّ أن أستفيد من هذه الفرصة، فأعددت نفسى جيداّ بأسئلة ثقافية عن كردستان، والموروثات الثقافية، وما حدث  بها من تغيّيرات وخصائص الشعر الكردي، ولماذا يدبك الكرد جماعياّ في رقصهم؟ في حين أنّ المصريين يرقصون بشكل فردي، ولماذا تختلف الدبكة بين أربيل والسليمانية ودهوك والغناء الكردي الشجي، والاختلافات في أدائه من منطقة لأخرى؟ وأذكر أنني حضرت حفلاّ كردياّ في منطقة (هورمان) لأجد أنّ المطرب يتغزّل في حبيبته بطريقة، كما لو كان فى معركة حربية، فلماذا؟ وما علاقة ذلك بالمنطقة الجبلية ل (هورمان)؟ هذه الأسئلة كلّها وغيرها، أعددتها استعداداً لحواري المرتقب، ولم أنس أنّ أجمع بعض ما تيسر لي من معلومات عنه، وذهبت إلى مؤسّسته ضخمة (سردم  أي المعاصر)، التي أسّسها له الزعيم جلال الطالباني اعترافاً منه بقيمة هذا الشاعر الكبير، والتقيت بهذا الشاعر الكبير، فحزنت كثيراً؛ لأنّ الحوار، الذى تولى قيادته، لم يتطرّق إلى الجوانب الثقافية، ولكنه كان حديثاّ سياسياّ بامتياز، ولملمت أوراقي التي تعبت في أعدادها، فتذكرت مقولة ما بدأت به هذه الكلمات: (السياسة خبز الكرد اليومي).