سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الحسكة “المنكوبة” وجنوبها… بين قطع المياه من المحتلين وجشع المحتكرين

روناهي/ محمد حمود ـ

حسام الدخيل ـ تستمر معاناة أهالي الحسكة وقرى جنوبها مع مواصلة دولة الاحتلال التركي قطع المياه عن المدينة وضواحيها؛ فيما ظهرت في المنطقة طبقة من المحتكرين الذين يحاولون استغلال الأزمة لصالحهم.
تتواصل معاناة أهالي مدينة الحسكة وقرى جنوبها في ظل موجات الحر المتتالية التي تضرب إقليم شمال وشرق سوريا وعموم منطقة الشرق الأوسط؛ حيث وصلت الحرارة إلى أرقام قياسية تجاوزت الخمسة وأربعين.
أيضاً مع دخول فصل الصيف تتفاقم معاناة أهالي مدينة الشدادي وريفها، في الحصول على مياه صالحة للشرب، وقد أدى هذا النقص إلى اعتماد السكان على مصادر مياه غير آمنة، مما فاقم من مشكلات الصحة العامة في المنطقة.
ويتزامن الارتفاع الحراري مع نقص حاد في مياه الشرب تعاني منه المدينة والبلدات التابعة لها؛ لاسيما أنها استقبلت خلال سنين الحرب العديد من النازحين من مناطق عديدة. ناهيك عن موجات التهجير التي طالت آلاف الأسر في المناطق المحتلة؛ ولا سيما سري كانيه وكري سبي في شتاء عام 2019؛ حيث لم تجد هذه الأسر لها ملجأ سوى الحسكة؛ الأمر الذي ضخّم الأعداد البشرية الموجودة فيها وأثقل كاهل المؤسسات الخدمية العاملة فيها.
وما زاد الطين بلة في الآونة الأخيرة ظهور طبقة من المنتفعين الذين استغلوا الأزمة فأخذوا يرفعون أسعار قوالب الجليد “البوز” إلى أضعاف؛ ففي الوقت الذي يشتري فيه هؤلاء القالب الواحد من معامل الإنتاج بـ 15 ألف ليرة سورية؛ يقومون ببيعه على الدوارات والتقاطعات الرئيسة للمواطنين بـ 40 ألف ليرة سوريّة.
كما يقوم أصحاب صهاريج استجرار مياه الشرب بدور مماثل؛ عبر رفع أسعار بيع المياه؛ حيث تجاوز بيع المتر المكعب من المياه (خمسة براميل) في بعض المناطق الـ 80 ألف ليرة سوريّة؛ وهو أمر أثقل كاهل أهالي المدينة؛ وجعلهم يحتاجون إلى أرقام مضاعفة من النقود في سعي منهم لتدبير شؤونهم.
الأعباء أثقلت كاهل المواطن
المواطن عبود محمد؛ أشار إلى أن مشكلة المياه ألقت بثقلها على عاتقيها لاسيما أنه رب أسرة ضخمة ويحتاج إلى “وقت ومال” ليستطيع شراء مياه الشرب؛ إضافةً إلى قالب جليد واحد (كحدٍ أدنى) في اليوم. ونوه إلى أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد؛ بل تعداه إلى انتشار ظاهرة احتكار المواد الاستهلاكية بعد ظهور طبقة من بائعيها على الطرقات كالخبز الذي يباع بأضعاف مضاعفة؛ حيث يستغل الباعة حاجة الأهالي إليه.
أما المواطن طلال الجوهر؛ فأكد على وجوب قيام ضابطة البلدية والتموين بدورهما بصورةٍ فعّالة أكثر؛ ليستطيعوا ضبط ظاهرة الاحتكار التي انتشرت داخل المدينة؛ لاسيما مع دخول فصل الصيف؛ والارتفاع الكبير في درجات الحرارة.
الجوهر شدد كذلك على وجوب وجود وازع أخلاقي في المجتمع وضمير يُنهى هؤلاء عن ارتكاب ما وصفه بـ “المتاجرة بقوت الأهالي”، كما نوه إلى ارتفاع تكاليف المعيشة داخل المدينة التي تعاني نقصاً حاداً بمياه الشرب وانقطاع متكرر للتيار الكهربائي.
الجدير بالذكر أن وحدات حماية المجتمع في الحسكة؛ وبعد نداءات شعبية عديدة؛ أطلقت خلال الساعات الأخيرة حملة لمكافحة الاحتكار؛ وقد استهدفت الحملة المتاجرين بالمياه وقوالب الجليد والخبز؛ وسط تفاؤل من قبل الأهالي بهذا التحرك وأمنياتهم بأن يحد من الظواهر السلبية المتمثلة بالمتاجرة بالمواد الاستهلاكية التي هي عماد الاستقرار الاقتصادي في عموم إقليم شمال وشرق سوريا.
أزمة المياه تُهدِّد القطاع الصحي
أيضاً تعاني مناطق جنوب الحسكة من شح المياه الصالحة للشرب، مما يُجبر الأهالي إلى اللجوء لتعبئة المياه من صهاريج خاصة مجهولة المصدر، وبأسعار باهظة الثمن، وتسببت هذه المياه بحالات مرضية كثيرة نتيجة شربهم مياه ملوثة غير صالحة للشرب، وخاصةً لدى الأطفال وكبار السن.
أزمة قديمة جديدة
المياه غير النظيفة هي بيئة خصبة لانتشار الأمراض المعدية في جنوب الحسكة، وفي مدينة الحسكة بشكلٍ عام، بعد توقف محطة مياه علوك التي يسيطر عليها الاحتلال التركي ومرتزقته، وتشير التقارير إلى ارتفاع في حالات الإسهال والتهاب الأمعاء، وهي أمراض تنتقل عادةً عبر المياه الملوثة.
المواطن بسام الأسعد المنحدر من قرية البجدلي ثلاثة كم شرقي مدينة الشدادي، والأب لأربعة أطفال، يقول لصحيفتنا: “أزمة المياه في مدينة الشدادي وريفها هي أزمة قديمة ويعاني السكان في منطقة جنوب الحسكة بشكلٍ عام في نقص حاد بالمياه الصالحة للشرب، ويعتمد الأهالي فيها على الصهاريج المُتنقلة في حصولهم على مياه نظيفة”.
يقوم أصحاب الصهاريج بتعبئة المياه من آبار في ريف الحسكة الغربي، ولا تخضع المياه المعبئة من هذه الآبار لأدنى مقومات السلامة، وبعضها لم يخضع لتحليلات، إذا ما كانت هذه المياه صالحة للشرب أم لا.
ويضيف الأسعد: “أصحاب الصهاريج يضطرون لنقل المياه من مسافات قد تصل إلى المئة كيلو متر؛ لأن المياه الجوفية في منطقة جنوب الحسكة، مياه مالحة لا تصلح لا للشرب ولا لغيرها من الأعمال”.
ويضطر الأهالي لشراء المياه بأسعار مرتفعة قد تصل إلى 70 ألف ليرة للمتر المكعب الواحد، بغض النظر عن جودتها وعن صلاحيتها للشرب.
ومع دخول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة التي وصلت إلى أعتاب الـ 50 درجة مئوية، زاد استهلاك الأهالي للماء، بنسبة تصل إلى 150 بالمئة، مما تسبب بأزمة كبيرة في الحصول على المياه.
أمراض بالجملة والمراكز الصحيّة ممتلئة
تسبب شرب الأهالي لمياه ملوثة، إلى حدوث العديد من الحالات المرضية، ومنها التهاب الأمعاء والإسهال وغيرها من الحالات التي يسببها شرب مياه من مصادر غير آمنة.
فيما يبين علاء الدنهو، وهو أب لطفلين: “منذ دخول فصل الصيف، اضطررت أنا وعائلتي بشكلٍ كامل لمراجعة الأطباء والمراكز الصحية أكثر من خمس مرات، والسبب واحد هو التهاب الأمعاء الحاصل نتيجة شرب مياه غير صالحة”.
ويضيف: “لست أنا وعائلتي الوحيدون الذين واجهوا هذه المشكلة، فنسبة 90% من السكان تعرّض لهذه الآفة، فالأمر خطير جداً ويجب على الجهات المعنية تداركه، على الأقل مراقبة الصهاريج والتأكد من تعبئتهم من آبار آمنة، فالأمر فاق حده، ويجب على المنظمات الدولية التحرك سريعاً لإيجاد حل لموضوع المياه”.
وتعج المراكز الصحية والمشافي في مناطق جنوب الحسكة بعشرات الحالات يومياً من الذين يعانون من مشاكل معوية. فيما لم نستطِع الحصول على إحصائيات دقيقة لأعداد الحالات التي زات المركز الصحي الوحيد في الشدادي الذي يديره الهلال الأحمر الكردي، بعد رفضهم إعطاء تصريح بخصوص هذا الأمر.
محطة مياه علوك هي السبب الأول
أوضح عزيز الشيخ علي مسؤول قسم المياه في بلدية الشعب في الشدادي إن إغلاق دولة الاحتلال التركي لمحطة مياه علوك التي تغذي مدينة الحسكة أحد المتسببين بأزمة المياه بالإضافة إلى عدم الحصول على مياه آمنة.
في السابق كانت الصهاريج التي تخصصها بلدية الشعب في الشدادي لنقل مياه الشرب، كانت تملأ حمولتها من محطة مياه العزيزية في الحسكة، ولكن بعد توقف محطة مياه علوك اضطر أصحاب الصهاريج للبحث عن مصادر أخرى للمياه ليتم نقلها إلى الشدادي وريفها.
ويتابع الشيخ علي: “تعمل حالياً مديرية المياه على صيانة محطة تحلية الجبسة لتكون بذلك المحطة الثانية الداخلة في الخدمة بعد محطة تحلية مياه الشدادي”.
وتنتج محطة مياه الشدادي قرابة الـ70 متر مكعب يومياً من المياه الصالحة للشرب، بينما تصل إنتاجية محطة تحلية الجبسة إلى قرابة الـ300 متر مكعب يومياً من المياه. وتعتبر هذه الكميات غير كافية لتغطية احتياجات المدينة وريفها من المياه الصالحة للشرب.
هذا الوضع يضع السكان، وخاصةً الأطفال وكبار السن، في خطر متزايد للإصابة بأمراض معوية وغيرها من الالتهابات.
وكانت الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا قد أنجزت مشروع استجرار مياه الفرات قبل أكثر من عامين. ولكن؛ إلى هذه اللحظة لم يستفِد أي مواطن من المشروع الذي تجاوزت تكلفته الـ 6 مليون دولار أمريكي، حيث كان من المفترض أن يغطي حاجة مدينة الشدادي وريفها من المياه، بالإضافة إلى تغطية 20 بالمئة من احتياجات مدينة الحسكة. أيضاً قد تعمل الإدارة الذاتية الديمقراطية على حفر عشرين بئراً في قرية سنجق سعدون، وكندور؛ بهدف نقل المياه إلى خزانات الحمة، ومن ثم توزيعها على أحياء الحسكة، حيث قد قُدرت التكلفة الإجمالية للمشروع ما يقرب من أربعين مليون دولار أمريكي، وكان الهدف منه إنهاء معاناة أهل الحسكة، وأن يكون المشروع بديلاً لمشروع مياه محطة علوك.