سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الحرب والنزوح ثنائية تفاقم عمالة الأطفال في سوريا

قامشلو/ دعاء يوسف –

تفاقمت ظاهرة عمالة الأطفال في سوريا خلال السنوات الماضية، بعد الأزمة السورية؛ بسبب الفقر وغياب المعيل وانخفاض مستوى الدخل عند أغلب العائلات، فلجأ العديد من الأطفال النازحين والمهجرين للعمل لإعالة عوائلهم، وفي اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال تتحطم طفولة أطفال سوريا بعد انخراطهم في مجال العمل. 
في كل عام بتاريخ 12 حزيران تقام الفعاليات لإلقاء الضوء على محنة الأطفال العاملين وكيفية مساعدتهم، تحت مسمى اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال، التي أصبحت ظاهرة منتشرة في العديد من البلدان التي طالتها يد الحروب، ومنها سوريا.
فبعد اندلاع الحرب في سوريا، ظهرت عمالة الأطفال بشكل واضح في الشوارع والأسواق وورش السيارات والخياطة والأبنية قيد الإنشاء، كما تعدُّ بسطات الشوارع من المهن المفضلة عند الأطفال، وداخل السوق الرئيسي في قامشلو يمكنك مشاهدة باعة “المناديل” و”الصنادل” و”الجرابات” و”العطور” موزعين بشكل دائم على الأرصفة. 
أطفال تعيل أسراً 
فيما ترك العديد منهم مقاعد المدارس فدخل سوق العمل بعمر صغير بعد غياب المعيل في الأسرة، وهذا حال الطفل الحلبي “حسين الإبراهيم” ذي 12 عاماً، حيث يعمل منذ سنتين في بيع المناديل في السوق ليعيل أفراد أسرته.
وقد عمل الإبراهيم في العديد من المهن الصعبة قبل أن يبدأ ببيع المناديل، لأن والده غير قادر على العمل؛ ما جعله مع شقيقه المعيلين لأسرة تتكون من تسعة أشخاص، ويشكل غياب المعيل إلى جانب انتشار الفقر، أهم الأسباب التي تدفع عدداً كبيراً من الأطفال للانخراط في مهن خطيرة لا تناسب أعمارهم الصغيرة.
ويؤكد حسين الإبراهيم أنه عمل في نقل البضائع، وهذا جهله يعاني من آلام في الظهر، ولكنه يصف عمله ببيع المناديل التي يحملها على راحة كفيه الصغيرتين بالمريح، فإن اشتد عليه الحر يلجأ إلى الظل حتى يفرغ من بيع علب المناديل ويكرر هذا العمل صباح مساء.
كما نوه الإبراهيم، أن والدته تشتري له المناديل هو وشقيقيه ليبيعوها في السوق، وعائد الربح تشتري منه العائلة لوازم المنزل.
وتعترف منظمة العمل الدولية بعدم وجود بيانات دقيقة لعدد الأطفال العاملين في سوريا، وسبق لإدارتها الإقليمية أن قدرت العدد بعشرات الآلاف، خلال الورشة، التي أقيمت مع وزارة الشؤون الاجتماعية بدمشق عام 2020.
أحلام الطفولة
ولا يختلف حال الطفل “حسن محمد العطية” ذي عشر سنوات عن حال حسين الإبراهيم؛ فهو يتجول في السوق حاملاً كرتون فيه قطع من “الليف والسيف” والقداحات، ويقول إنه يكسب نحو عشرة آلاف ليرة يومياً من بيع ما يحمل للعابرين: “ليس الكل يقوم بالشراء مني ولكني لا يأس مع المحاولة في جعلهم زبائني”.
ويضيف: “صحيح أن المرابح ضعيفة، لكن الحظ يحالفني أحياناً فأكسب خمسين ألف ليرة أعود فرحاً بها إلى المنزل، وأنا أحمد الله”.
يرى العطية أن عمله يصنع منه رجلاً قادراً على إعالة عائلته وشقيقاته الثلاثة، فيحلم بشراء ملابس العيد لهن، ويصف فرحة العيد: “لم نقم بشراء ملابس جديدة في العيد الماضي؛ لذلك عملت بجهد على ادخار المال من أجل ملابس عيد لشقيقاتي، وأمي تساعدني على ذلك، وأتطلع لقدوم هذا العيد”.
يتمنى العطية ملابس عيد كغيره من الأطفال إلا أن الحال لا تسمح له بذلك، فقد ولد بعد الأزمة السورية، وعانى النزوح من مدينته، وقد سحبت الحرب منه حقوقه كطفل، فدمرت أحلامه، وأنهت طفولته قبل أن تبدأ.
هذا وبالرغم من أن سوريا موقعة على اتفاقيتي منظمة العمل الدولية رقم 138 و182 المتعلقتين بمكافحة عمالة الأطفال، إلا أن الحد من هذه الظاهرة بدا صعباً بسبب الحرب وانتشار الفقر والغلاء وانخفاض قيمة الليرة.
شخص واحد لا يكفي لسد حاجه العائلة
لم يتخلَّ الطفل “فيصل شرف الدين” ذو الـ 13 عاماً من إدلب عن دراسته ولكنه يقول: “أنا مضطر للعمل كي أساعد والدي في تأمين متطلبات البيت، الحمد لله أننا بخير ونمتلك الصحة التي تساعدنا على العمل”.
يجر شرف الدين عربته المحملة بقطع الإكسسوارات والقطع المتنوعة في السوق، ليساعد والده في فصل الصيف بعد انقطاع المدارس، كما يعمل على العربة في فترة الظهيرة في الشتاء: “أنا أصغر أخواتي ووحيد عائلتي لكن والدي كبير في العمر، ومتطلبات الحياة أصبحت صعبه عليه فجميعنا طلاب مدارس وبحاجة لمستلزمات أخرى، لم يقبل والدي أن أترك مقاعد الدارسة، وأنا لم أترك والدي يجابه الحياة وحده”.
يرى شرف الدين أنهم عانوا أكثر من غيرهم فقد تركوا منازلهم مرغمين بسبب الحرب، وبدؤوا من جديد في منزل للإيجار، ولكنه يحمد الله أنهم جميعاً سالمون ومازالوا معاً.
يقول: “لقد كبرنا بسرعة ليس ذنبنا أننا أطفال ولدنا في سوريا، والعمل أفضل من التسول، كل الأطفال تحب اللعب وعيش طفولتها، ولكن علينا العمل من أجل عيش حياة أفضل”.
ويختتم الطفل فيصل شرف الدين حديثه: “نأمل أن تتحسن الظروف ونعود كي نعيش حياتنا بشكل طبيعي، إننا صابرون فلا حل بأيدينا”.
ورغم إقرار اتفاقية حقوق الطفل عالميا، العام 1989، إلا أن تطبيقها بشكل كامل في سوريا يبدو صعبا في ظل الحرب والوضع الاقتصادي السيء، حيث يرزح نحو 90% من الناس تحت خط الفقر تبعاً لأرقام الأمم المتحدة.
ويشير تقرير مشترك لمنظمة العمل الدولية واليونيسف، العام 2021، إلى وجود 160 مليون طفل عامل في العالم، بزيادة قدرها 8.4 مليون طفل عن السنوات الأربع السابقة.
هذا وقد دشنت منظمة العمل الدولية اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال في عام 2002 لتركيز الاهتمام على مدى انتشار ظاهرة عمل الأطفال في العالم، والعمل على بذل الجهود اللازمة للقضاء على هذه الظاهرة.