سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الحب والحرية عند المفكر عبد الله أوجلان

د. علي أبو الخير_

مازلنا نعيش مع أفكار ورؤى الفيلسوف عبد الله أوجلان، فهو كتب في السياسة والتاريخ والفلسفة، حيث أثار قضايا عديدة في فلسفة الشيوعية والرأسمالية والطبقية البرجوازية وعن تاريخ الكرد وعلاقتهم بشعوب المنطقة، وطرح رؤية الأمة الديمقراطية، وكل هذا مفهوم من قائد مثقف ثقافة شمولية.
في المقابل كتب القائد عبد الله أوجلان عن الحب، الحب بمعناه الشامل، حب الوطن والخير والدين والحب المتبادل بين الرجل والمرأة، ويرى أن المرأة هي عنوان الحرية والخصب والنماء، وإن الشعوب القديمة عبدت المرأة ولم تعبد الرجل، لأنها تمثل الخير المطلق والربيع الدائم، والنوروز المستمر، وعندما تثور الشعوب تستلم المرأة دفة القيادة من خلال مشاركتها الفعالة وتصديها للخوف، وهو ما يراه القائد عبد الله أوجلان، ويرمز للحب والمرأة بالوردة، والوردة على اختلاف ألوانها تُثير المشاعر الإنسانية ويلتقي من حولها من يحب الكون والبشر على اختلاف أديانهم وأعراقهم.
رمزيّة الوردة عند القائد أوجلان … هوية الحب والحرية
رمز القائد عبد الله أوجلان للمرأة والحب على إطلاقه بوردة – كما ذكرنا – ولم يمنعه السجن والقضبان والعزلة من أن يتواصل مع نساء الكرد برقتهن وصلابتهن معاً، فأرسل لهن الورود، ففي رسالة أرسلها القائد أوجلان إلى النساء من سجن إمرالي عام 2002، رسالة بعنوان “إلى الباحثات عن الحقيقة والعدالة والمحبة”، وذلك نقلاً عن وكالة أنباء هاوار؛ يقول في بعضها: “لقد تعاملت مع المرأة بقلبي وعقلي واتحدت معها، واتحادي مع المرأة نابع من عقلي وكياني، هذه هي هويتي وهذا كياني ونهجي، وهذه هي نظرتي للمرأة، وعلى هذا الأساس، أحيّي ربيع الحرية وازدهارها وأحيّي الجميع بمن فيهم الأطفال، أردت أن أكون واحداً منكن، فصحيح إنني بعمر الخمسين (عام 2002) ، لكن لا أزال أتمتع بروح الطفولة، وأرى وجودي إلى جانب شعبي والنساء والأطفال أمراً مُشرفاً”.
ثم استرسل فقال: “سمعت أن الوردة التي أرسلتها قد وصلت، واستُقبلت بحماس، لقد تجادلنا كثيراً مع الإدارة (إدارة السجن) هنا من أجل ذلك، فقد اعترضوا على إرسالي لها ، قالوا: “هذا ممنوع، وما إلى ذلك” وقطفوا بقيّة الورود، إن الورد رمز، لذا الأهم هو تحقيق ازدهار المرأة”.
ولقد تحدى إدارة السجن وأرسل الورود للنساء المناضلات، ويرى حرية الإنسان تبدأ من حرية المرأة، يقول “يقولون: “إن العمال المضطهدون سيحررون العالم” وأنا أقول: “إن المرأة ستُنقذ العالم”، وهي الرؤية التي نبحث عنها في فكر الفيلسوف القائد عبد الله أوجلان، رؤية القائد الميداني بفروسية المفكر، وهويته الحرية، حرية للجميع، ليس لشعب الكرد فقط، بل لكل شعوب العالم، خاصةً شعوب المنطقة الشرق أوسطية، ومن الضروري أن تبدأ الحرية بالمرأة، فيعم السلام البشر بحمائم السلام وورود الربيع، وكلها تتجلى في المرأة التي أحبها القائد عبد الله أوجلان بقلبه وعقله، وأنار لها طريق الخلاص الروحي برسائله من أعماق السجن ومثاليته الإنسانية..
الطغيان أزال الورود
شكّلت الوردة رمزاً للحب والخير عند القائد عبد الله أوجلان، ولكنها شكّلت تحدياً للظلم، ولا غرابة أن يزيل الطغاة الورود ويقتلعوا النباتات الجميلة، لان قلوبهم تحجرت فتخاف من الورد أكثر من خوفهم من السلاح، حيث قال للنساء: “كنت قد أرسلت إليكن وردة، وأخبرتكن بالمشاكل والمتاعب التي يسببها ذلك، وقد شهدت حادثة مماثلة في الماضي، كانت قد نمت نبتة في فناء السجن (باحة السجن) كانت نبتة شوكية، ولم تكن وردة، فأخذتها وأحضرتها إلى غرفتي، فقاموا بمداهمة غرفتي وفتشوها، ثم أزالوا واقتلعوا جميع النباتات التي كانت موجودة في فناء السجن، فقلت: “ما هو؟ ماذا هناك؟ ماذا يحدث؟ لماذا يبالغون إلى هذه الدرجة؟ لكن لم أرَ أن هناك حاجة لمصارحة كهذه، فهم لا يتقبلون أن أهديكن وردة”.
ولكنها – كما نرى – النفوس المستبدة والأخلاق الوضيعة لحكّام تركيا، جعلتها تخشى من الورود، لأنها في النهاية رمز للحرية والعدالة والمساواة، فطلب القائد عبد الله أوجلان من النساء أن يُهدين الورود للجميع باسمه، كما يمكن للجميع إهداء الورود لبعضهن البعض، وهو طلب رقيق من قائد شعبي فيلسوف، ولكنه رمز للعفوية الفطرية التي تملكته، فيُحيي النساء والأطفال وتكون الوردة لديه رمز الحرية والحب.
حرية المرأة أهم من الطبقيّة وأصعب من القومية
يقول القائد عبد الله أوجلان بعفوية المثقف الواعي “أنا مناضل في سبيل الحرية، وعلى الرغم من ذلك، كان من المستحيل ألا أرى هذا الأمر، كنت أرغب كابن لهذه الأرض الحرة التي خلقت ديانة الآلهة الأم، وأصبحت مواطن آلهة الحب الأوليات، أن أتناقش مع أجدادنا وجداتنا الأوائل ومراجع الحب لدينا، وأبحث واستفسر منهم وأرى شروطهم في الوجود، وعلى هذا الأساس، فإن هذا العمق الذي وصلت إليه مهم، لقد رأيت أن قضية حرية المرأة أصعب من القومية والطبقية”.
وهي حقيقة لأن المرأة عنوان الحياة ونبراس الوجود، وإذا أخذت حريتها الحقيقية تكون قد قضت على الطبقية وابتعدت عن القومية العنصرية.
رأينا إذن رجلاً مثل القائد عبد الله أوجلان يفكر بالكلمة ويقود بالسلاح بشرف، ويتحدى العزلة والاستبداد بالورود، هو رجل نأخذ عنه ونكتب حول فكره؛ لأنه فكر السلام الإنساني.