الثقافة الكردية… والثقافات المجاورة ـ2ـ

رجائي فايد_

يقول الشاعر:

 إذا تم شيء بدا نقصه       ترقب زوالاّ إذا قيل تم

أستخدم هذا البيت الشعري، في مقدمة قراءتي النقدية لكل عمل بشري يستحق، فبسبب هذا المفهوم تحققت للبشرية إنجازاتها، ولو كانت قد وقفت عند (ليس في الإمكان أبدع مما كان) لما تحقق لها أي تقدم، لأن كل شيء عندما يتحقق، نكتشف فيه بعد إنجازه، شيئاّ ناقصاً، يجب أن يستكمل لاحقاً، لأنه منتوج بشري، والكمال لله وحده، ولذلك، كان التقدم الذي وصلنا إليه، ومازال ينبئ لنا للمستقبل بالكثير، والمنتج البشري الهام للأخ (حيدر عمر)، يستحق تلك القراءة النقدية.

أهم ملاحظاتي على كتابه، هو أن الثقافة من وجهة نظري، كائن حي يعيش، ويموت، ولابد من مده بمقومات الحياة، وهذه المقومات تتلخص في تفاعلها مع الآخر(الثقافات المجاورة)، تعطي لتلك الثقافات وتأخذ منها، لكن المؤلف مع جهده الكبير، اهتم بالدرجة الأولى، بما قدمته الثقافة الكردية للثقافات المجاورة، باستثناء لمحة سريعة عما قدمته الثقافات المجاورة للثقافة الكردية، وكنت أتمنى أن يكون هناك توازناّ في ذلك، وأعتقد أن ذلك ربما، يرجع إلى محاولة المؤلف الدؤوبة؛ لترسيخ مفهوم الوجود الفعلي لتلك الثقافة، بالرغم من محاولات طمسها كافة، وهذه المسألة انتهى زمانها، فالثقافة الكردية، طرقت بقوة، وتفاعلت مع الثقافات كافة، وليس مع الثقافات المجاورة فقط.

ونأتي إلى ما يهمني شخصياّ، وهو علاقة الثقافة الكردية، بالثقافة المصرية، ومما لاشك فيه، أن هناك رموزاّ كردية، أسهمت في نهضة الثقافة المصرية الحديثة، وعددها يتجاوز بكثير ما ذكره الكاتب، وربما يفوق بعضها في إنجازاته بعض ممن ذكرهم الكاتب، فعلى سبيل المثال أغفل الكاتب رب السيف والقلم (محمود سامي البارودي)، وهو ذلك الشاعر الجهبذ، والذى كان رجلاً عسكرياً له دور مهم في تأسيس الجيش المصري على أسس حديثة، أما ذكر الإمام محمد عبده فإن مسألة كردية أصله تحتاج إلى مراجعة، فكل ما ورد بشأنه مصرياّ من كتابات عن سيرته وأصله، تذكر أنه تركماني الأصل، ودار العائلة كان يطلق عليها (دار التركمان)، وقد كان هناك كتاب عن الإمام من مطبوعات وزارة الثقافة المصرية تؤكد ذلك، وليست تلك هي المرة الأولى التي تتحدث على غير الحقيقة عن أصوله الكردية، وملاحظتي في هذا الشأن، أنه يجب الابتعاد عن الأمثلة التي يشك في سلامتها؛ لأنها ربما تؤدي إلى فقدان المصداقية، وفى نفس السياق نفسه، نذكر أمير الشعراء أحمد شوقي، والذى قال عنه أحد المدققين، وأستاذ الأجيال (الدكتور شوقي ضيف) حيث قال عنه (أنه نتاج عناصر تركية، وشركسية، ويونانية، وعربية، وكردية)، والملاحظات الهامشية التي ذكرها الكاتب المتناقضة مع ما قاله الدكتور (ضيف) هي ملاحظات مرسلة بلا سند، ولذلك فلم يكن نقصاّ في قيمة ما قدمه الكرد للثقافة المصرية، أن تحذف بعض الأسماء التي يشوبها شك، من أجل التأكيد على المصداقية، وبقيت تلك الإشكالية التي ذكرتها حول هامشية، ما قدمت الثقافة المصرية للثقافة الكردية (الأزهر، بعثات الدارسين الكرد، السينما والمسرح، الأغاني…الخ).

في أي زمان نعن نعيش؟ توقف الزمان ترقباً للحدث الجلل، وهو حدث تتابعه، الفضائيات كلها، إنه طفل سقط في بئر، والدنيا تعيش لحظة إنقاذه، وكأنه يوسف الصديق الذي ينقذ العالم من الجوع، وفي الوقت نفسه، آلاف الأطفال في مخيمات شمال سوريا، تجمدت الدموع موتاّ في حدقاتهم، وأكوام الثلج تهدم الخيام على رؤوسهم، بلا ذنب اقترفوه، ولم يجدوا إلا مصمصة شفاه بائسه، من عالم تجرد، مما كان يسمى بالإنسانية، وبالفعل في أي زمان نحن نعيش؟!.