سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

التمييز القائم على النوع الاجتماعي.. المشكلة الاجتماعية الأهم على الإطل

 حنان عثمان_

إن النظر إلى المرأة بنظرة دونية، لا لشيء سوى بسبب اختلافها البيولوجي عن الرجل، يعد مشكلة اجتماعية كبيرة جداً. فمن المحال أن يكون الاختلاف الجنسي بمفرده معضلة أو ذريعة لوضع المرأة في تلك المنزلة الدونية اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً.
ذلك أن الاختلاف لا يعني إطلاقاً الخلاف، بمعنى أن الاختلاف، أكان بيولوجياً أو فكرياً أو ما شابه، غالباً ما يعد مصدر غنى وتنوع، وللتأكيد: كلنا نعلم أن كل ذرة في الكون مبنية على الثنائية، فالثنائية اقتران في الكينونة وتمايز في البنية.
من جهة أخرى، لا ينبغي التفضيل بين الثنائيات على اختلافها، ولا ينبغي فرض التطابق بين الثنائية؛ لأن التطابق ينفي الوجود القائم على الثنائيات. بل إن المقصود هنا هو تحقيق المساواة واعتماد مبدأ “الوحدة ضمن الاختلاف”.
انطلاقاً من هذه المقدمة، وبالنظر إلى راهننا، نجد أن التصدعات، التي تصيب البنى السياسية والمؤسسات القائمة على حماية النظام الأبوي البطرياركي، إنما سببها، أو لنقل أحد أهم أسبابها، هو عدم المساواة بين الجنسين كركيزة أساسية يقوم عليها هذا النظام، وكأهم مشكلة اجتماعية عرفتها البشرية مع تأسس النظام الأبوي.
وفي السياق يشرح المفكر عبد الله أوجلان الموضوعَ: “إنّ التساؤلَ عن كيفيةِ تعريفِ المشكلةِ الاجتماعيةِ أمرٌ يحثُّ على التفكير. ذلك أنّ بعضَ التياراتِ الفكريةِ ترى منبعَ المشكلةِ في البؤسِ الاجتماعي، وبعضَها الآخر في غيابِ الدولة. ومنها مَن يرى المشكلةَ في الضعفِ العسكريّ، ومنها في أخطاءِ النظامِ السياسيّ، وهناك مَن يَراها في الاقتصادِ أو في التَّرَدِّي الأخلاقي. وربما يستحيلُ العثورُ على حقلٍ اجتماعيٍّ ليس بمشكلة. وقد تتواجد الجوانبُ الصحيحةُ في جميعِ تلك الآراء، لكنها بعيدةٌ جميعاً عن عكسِ جوهرِ المشكلة. فما أراه أكثرَ معنىً هنا هو عرضُ المشكلةِ الاجتماعيةِ على أنها إخلالٌ بالديناميةِ الأساسيةِ للمجتمع، وخَرقٌ لها”.
بقولٍ آخر، لم يكن المجتمع البشري يعرف شيئاً اسمه “المشكلة الاجتماعية”، عندما كان على طبيعته ومتسماً بقيمه ومُثُله الاجتماعية، أي بأخلاقياته ومعاييره بريادة المرأة، أي في العصر الأمومي. لكن، وبعد تشكل النظام الأبوي القائم أساساً على هيمنة الرجل وعبودية المرأة (والذي بات يُعرَف في راهننا بمصطلح “التمييز القائم على النوع الاجتماعي”)، حينها بدأت القضايا الاجتماعية بالظهور بكل تداعياتها، التي تسببت بالإخلال بالديناميات الأساسية للمجتمع الطبيعي.
وقد حظيت مشكلة التمييز القائم على النوع الاجتماعي بأهمية كبيرة في السنوات الاخيرة خصوصاً، وبُذِلَت الكثير من الجهود لتبيان مخاطرها وحِدّتِها، خاصة في ظل الأزمات والحروب، التي تعصف بالعالم عموماً وبالمنطقة خصوصاً، مثلما نرى ما يحصل في أفغانستان وباكستان، وتركيا، والسودان، والكثير من البلدان الأخرى. إذ؛ بات جلياً أن الضحية الأولى للحروب والأزمات هي المرأة. بل ويتبدى خلال “الحرب العالمية الثالثة” الدائرة منذ عقود، أن أحد أهم أهدافها هو تشتيت المجتمعات، من خلال كسر إرادة النساء. ولا يتم ذلك إلا بتوسيع الفجوة الاجتماعية بين الجنسين.
وبما أن فكرة الجندرة نشأت أصلاً بهدف تصحيح علاقات القوة غير المتوازية، فإن هذا يضفي بعداً سياسياً واقتصادياً إلى جانب البعد الاجتماعي على قضية التمييز بين الجنسين.
ختاماً؛ ولتمهيد الأرضية على درب ردم الفجوة الموجودة؛ بهدف تحسين وتفعيل دور النساء في المجتمع، يجب علينا أولاً العمل بدأب وبكافة الأشكال والأصعدة والمستويات، لإلغاء التمييز القائم على النوع الاجتماعي. كما ينبغي تمكين المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات والمسؤوليات، مع مراعاة اعتماد مبدأ الوحدة ضمن الاختلاف ومراعاة خصوصيات الجنسين، وذلك من أجل أن يكونوا قادرين وقادرات على الإنتاج والعمل ضمن المجتمع بشكل أكثر فاعلية وتأثيراً.