التصوير الفني في شعر طرفة بن العبد وصف النّاقة في المعلّقة

ريما آل كلزلي_

تشكّل الصورة الشّعريّة عنصرا بنائيّا في النصوص الشعرية، فاتّخذت مكانا بارزا في الدّراسات النّقديّة إلى الحد، الذي يلازمه قول النقاد:” إن الصّورة الشعرية أصبحت تحمل لكل إنسان معنىً مختلفًا كأنها تعني كلّ شيء”.

وقد كان لقول الجاحظ: ” فإنّما الشّعر صياغة، وضرب من النّسج، وجنس من التّصوير”، (الجاحظ: الحيوان -3/ 131.)

حتى قيل: إن الرّسم شعرٌ صامتٌ والشّعر صورة ناطقة. فشكّلت الصورة موقعًا بارزا في الدراسات النّقدية للكشف عن قيمه الفنّية، معرفة الدوافع التي دفعت الشعراء الجاهليين في اتّخاذ هذا المنهج الفني في التصوير طريقة وخاصية، وقد مثّل الشاعر طرفة بن العبد نموذجا فريدا في تصوير ناقته في معلقته الشهيرة، لم يسبق أي شاعر جاهلي طرفة بن العبد في رسم لوحة أعظم وأكثر حرفيّة منه، فقد تكاد تكون النّموذج الأوّل لوصف النّاقة، فشكّل لوحة إبداعيّة، حيث ركّبها جزءا جزءا بصورة عكسية، وذلك انعكاس حقيقي للحالة، التي يمر بها الشّاعر، ويعيشها، عدا عن كونها راحلة العرب المشهورة في الأسفار، يقطعون بها المشقّات ويسيرون في الهواجر اللافحات، فيجعل الناقة مركز اللوحة وكل ما حولها وكأنّه هالتها التي تشعّ، فبدأ:

الناقة مكتملة الخلق قوية البنية، سريعة في جريها، حذرة، يقظة، نشيطة بشكل دؤوب، تستعير من الجمل قوّة عضلاته، بجسم متين البناء، مكتنزة اللحم، ورأس ضخم، أطرافها قوية، عيناها حسناوان، حادة النظر، وأذناها مرهفتا السّمع، أنفها جميل، خدودها بيضاء، مشافرها طويلة، ومنح لوحته رونقًا بإضافة اللون حينما قال: ظبيٌ شفتاه ضاربتان إلى السُمرةِ، والأجفانِ سوداء، وضوء الشّمسِ.

جمَاليّة وَجْناء تَردي كأنّها      سَفَنجَةٌ تبري لأزعَر أرْبَدِ

عنقها ممشوق طويل، ظهرها صلب، مكتنزة فخذاها باللحم، وذنبها قوي تحركه لعبًا ولهوًا دفعًا للأذى، وهي أكول ترعى في الأماكن الخصبة، وهي طوع صاحبها في السرعة والبطء. تسير في الليل والنهار على حد سواء، لا تتعثر في الرمال، تثير الغبار، تفتت الحصى، إنها الناقة كما صوّرها طرفة بن العبد، وكما ورد ذكرها في القرآن الكريم: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلِقت).

حشد طرفة الصور السّمعيّة والبصريّة والحركيّة كسواقي تغذي المحور المركزي للصورة، فتزيد المعنى دقّة ووضوحا، فتكتمل بذلك اللوحة النّهائية للناقة.

وقد رفع الشاعر ناقته مصاف الحيوانات الأسطوريّة، فوصف ناقته بعشرات الصور، لشعوره أن كيان النّاقة ملتصقًا به، وكل صفة من صفاتها تلتق به تلقائيّا، فكما يرى نفسه عظيمًا، فلا يلتصق إلا بناقة عظيمة، فحملت تشبيهات مثل:

الألواح الأران، كأنّما تمرّ بسلمى كالماويتين، وكأنما وعي الملتقى كقرطاس الشآمي.

ذاع صيته في العوالم والأزمان حتى أن الرسول الكريم محمد صلوات الله عليه كان يردد بيت من أبياته:

ستُبدي لكَ الأيّام ماكُنتَ جاهلًا   ويأتيكَ بالأخبارِ من لم تزوّدِ

تراءى لنا من خلال شعر طرفة بن العبد أنّه صافي الذّهن، طيب القلب، نقي السريرة محبّ للعدل، يقدّر الشجاعة، مبدع بشكل فريد وكأنّه مهندس لغوي، متمرّس في صياغة الشّعر، وفق أدقّ التعابير وأبين الصّور، من خلال تخير الحروف والأصوات والتّراكيب للدلالة عما يجيش في باله من معانٍ.