سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

التداعيات في الشرق الأوسط.. هل هي بداية لمرحلة جديدة..؟

 خبات عثمان_

إن قضية الشعب الفلسطيني يماثل قضية الشعب الكردي، من حيث الظلم والاحتلال الممارس عليهما من قبل الأنظمة الاستبدادية المهيمنة والتي تحاول تجزئة الشرق الأوسط وخلق الأزمات فيه؛ لفرض هيمنتها عليها، إلا أن هجمات حماس على إسرائيل لا تمثل قضية الشعب الفلسطيني وتحرير المناطق المحتلة من فلسطين، بل تماثل هجمات داعش وكذلك هجمات المحتل التركي على شمال وشرق سوريا.
فقد صرّح المستشار الألماني “أولاف شولتز” قبل عام من الحرب الروسيّة الأوكرانية إن العالم مُقبل على تغيرات كبرى تنتظر بلادنا والعالم على حدٍ سواء فهذه التصريحات لم تأتِ من فراغ بل هي نتيجة مخططات عالمية تُحاك بالخفاء للسيطرة على جميع القارات، وما نشهده الآن هو تطبيق لهذه التغييرات، وإن هذه التصريحات معقولة وقريبة إلى الحقيقة والواقع تصل إلى درجة التنبؤ بالتغيرات التي تحصل في العالم عموماً والشرق الأوسط خصوصاً فخارطة الشرق الأوسط الجديد التي بدأت مع أفكار البرفيسور البريطاني “برنار لويس” عرّاب الحرب الأمريكية على العراق بعد أحداث 11 أيلول من جهة، ومن جهة أخرى هو نفسه الذي تنبأ بالثورة الإسلامية في إيران عام 1979م. بقيادة “آية الله الخميني” وبصعود الحكومات الإسلامية في الشرق الأوسط  على حساب العلمانية فيها.
وللتأكيد على هذا المخطط فقد صرّحت عنه في عام “2005م” وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية “كونداليزا رايس “في أكثر من لقاء، ولكن حقيقة الأمر تعود إلى عام 1978م. حين حذّر مستشار الأمن القومي الأمريكي “بريجنسكي” عندما حذّر من انهيار الدول المتفككة أو الهشة في الشرق الأوسط  في فترة رئاسة الأمريكية  “لجيمي كارتر” فقد طرح البروفيسور “برنار لويس” بناءً على أفكاره في عام” 1992م ” حول إعادة تقسيم الشرق الأوسط على أسس عرقية وطائفية وذلك من خلال إشعال فتيل النزاعات والصراعات في كل من العراق وتركيا ولبنان وسوريا واليمن وأفغانستان بالإضافة إلى إسرائيل، وكانت الدعوة آنذاك بتفكيك العراق وسوريا أولاً إلى كيانات عرقية وأثنية، ولكن بقيت المخططات على رفوف أقبية البيت الأبيض لأكثر من 20 عاماً  إلى أن ظهرت من جديد مع نهايات حرب العراق .
تفجير الكليّة الحربيّة بحمص السوريّة
تعتبر الكلية الحربيّة السوريّة من أكثر المناطق تحصيناً في سوريا نتيجة تزويدها بكافة أنظمة الحماية من دفاع جوي وأرضي وراجمات الصواريخ، وما الهجمات الأخيرة عليها وقتل أكثر من مئة شخص ما بين عسكري ومدني وأكثر من مئتي جريح أثناء حفل لتخريج دفعة جديدة لطلاب الكلية الحربيّة، مما فتح باب التساؤل عن الجهة المسؤولة التي قامت بالهجوم، وبعد الهجوم مباشرةً قام النظام بالهجوم على المناطق في الشمال السوري وقصفها بكثافة بمشاركة الطيران الروسي، وهنا يمكننا القول أن هناك مستفيد واحد من هذه الهجمة على أكثر مكان تحصيناً وأمناً في سوريا كلها ألا وهو النظام الإيراني وتابعه السوري الذي لا حول له ولا قوة سوى تنفيذ أوامر سيده في طهران، فلو حللنا المسألة بشكلٍ معمّق نرى بأن أقرب مسافة للمعارضة، والتي هي قريبة من مناطق نفوذ النظام هي في الشمال الغربي وتبعد أكثر من 70 كيلومتراً، وهذا يعني بأن هذه الجماعات لا تملك مسيّرات تستطيع السيطرة عليها لهذه المسافة والقدرة على ضرب الأعماق في مناطق حكومة دمشق في حمص، ولذلك يُخمّن إن هذه الهجمات جاءت من غرف عمليات مغلقة تديرها إيران والنظام السوري، لتحقيق بعض المكاسب وتعويم النظام مجدداً، وكسب تعاطف عالمي لهذه الهجمات بعد انسداد جميع السبل أمام دمشق في اجتماعاتها مع اللجان الوزارية العربية، ولم تفضِ إلى أي نتائج تُذكر بل زاد ذلك الطين بلة، من خلال مزيد من المخدرات التي تُهرّب إلى دول الخليج وغيرها من البلدان الأخرى، فالهجمات على الكليّة الحربيّة وشمال وشرق سوريا هي نتاج تنسيق بين النظامين التركي والإيراني، وإحدى مُخرجات الاجتماعات الرباعية بعد فشلهم في دير الزور، لضرب الشراكة الكردية العربية وضرب مشروع وقدرات الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، من خلال استهداف البنية التحتية والخدمية التي تخدم خمسة ملايين سوري.

الهجمات على شمال وشرق سوريا
جاءت هجمات الاحتلال التركي الهمجية والهستيرية على كامل شمال وشرق سوريا مستهدفة البنية التحتية الأساسية من محطات الكهرباء والغاز الطبيعي في السويدية وآبار النفط ومصافيها في المنطقة بالإضافة إلى استهداف محطات المياه بدءاً من ديرك ووصولاً إلى عفرين المحتلة مُخلّفاً عشرات الشهداء والجرحى من المدنيين وقوى الأمن الداخلي “الأسايش” ومن أجل حث الأهالي على الهرب وبث الخوف والرعب في نفوسهم، مما يدفعهم إلى ترك مناطقهم والهروب منها بعد افتقاد المنطقة إلى أبسط مقومات الحياة من مياه وكهرباء وغيرها من الحاجات الأساسية -بعد تدميرها- التي كانت تخدم قرابة خمسة ملايين شخص في مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية، وهذه الهجمات لم تأتِ من فراغ بل هي نتاج تنسيق بين الدول الأربعة في المنطقة “تركيا ـ روسيا ـ إيران – والنظام السوري” الذي يسعى جاهداً لفرض سيطرته مجدداً على مناطق الإدارة الذاتية بكل الوسائل المتاحة، وسط صمت دولي تام من هذه الهجمات، والتي تدل على الترحيب بها بغية إبادة الأهالي في شمال وشرق سوريا.
هجمات حماس على إسرائيل “طوفان الأقصى”
يبدأ “عيد العرش” آخر أعياد اليهود الثلاثة (عيد الفصح ـ عيد الأسابيع ـ عيد العرش) في 29 “أيلول ” إلى السادس من “تشرين الأول”، حيث من خلاله تعيش إسرائيل حالة إغلاق تامة من خلال إغلاق كافة المعابر مع قطاع غزة، والضفة الغربية، مع إجراءات أمنيّة مشدّدة تحسباً لأي طارئ ومع ذلك فقد باغتت حركة حماس الفلسطينية ذات الطابع الإخواني تل أبيب من خلال عمليتها التي سمتها “طوفان الأقصى” وهاجمت براً وبحراً وجواً المستوطنات القريبة من غزة، في المنطقة التي تُعرف بـ “غلاف غزة” مُخلّفة عشرات القتلى والجرحى في صفوف المستوطنين الإسرائيليين، في حالة من الذهول والصدمة التامة في تل أبيب.
من يتابع المشهد يرى بأن هناك خلل في الأنظمة الدفاعية لدى إسرائيل، التي تعتبر أنظمتها الدفاعية والهجومية من أحدث الأنظمة في العالم، ومن المستحيل أن لا تكتشف ذلك، أو تحاول صد تلك الهجمات بإمكانياتها الهائلة، بل هي نتيجة لتتمة مخطط الشرق الأوسط الكبير، والذي لتل أبيب دور كبير فيه، ولتنفيذه في هذه المرحلة المهمة من تاريخ المنطقة، فقد كانت هذه العملية لحماس بمثابة هبة من السماء لتنظيف أذرع إيران والإخوان أو “الإسلام السياسي” بزعامة السلطان أردوغان من المنطقة، من خلال إعطاء الذريعة لإسرائيل بتصفية حماس من مناطق نفوذها في قطاع غزة، وسط إدانة دوليّة لهذه الهجمات على تل أبيب، وضرب المصالح الإيرانية في كل من الجنوب اللبناني والجنوب السوري، والقضاء على أجندتها في المنطقة، والتي تعتبر حجر عثرة أمام المخططات الغربية في تنفيذ مشروعها الشرق الأوسط الكبير وتقسيم المنطقة حسب الطوائف والأعراق والأقليات.
الخلاصة
إن تقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات صغيرة حسب الأعراق والشعوب، تؤثر سلباً على طهران وأنقرة، من خلال تقسيم أراضيها ومناطق نفوذها، ولعدم إمكانهم الوقوف في وجه المشروع الجديد “الشرق الأوسط الجديد” لذلك يقومون بافتعال المشاكل وخلق الصراعات في المنطقة، من أجل تفريغ المنطقة وضرب مكتسباتها كما حدث في شمال وشرق سوريا مؤخراً في مناطق الإدارة الذاتية وضرب المواقع الحيوية وخلط الأوراق من جديد بهدف تأخير مشروع الدول الغربية متجاهلين بأنهم  بهذه الأعمال يقومون بتقديم أفضل الخدمات للدول للهيمنة العالمية للتسريع في تنفيذ مخططاتهم  في المنطقة على طبقٍ من ذهب.