سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

التاج الذي يبحث عن ملك

تأليف: جاسم محمد صالح_

ملَّت السلحفاة من صمت الغابة وفكرت مع نفسها في أن تشغل الحيوانات بأمر مهم… ترى أي أمر يشغلها؟ وبعد تفكير طويل اهتدت إلى فكرة البحث عمن يكون ملكا على الغابة، فذهبت إلى حداد الغابة وكان خنزيرا قويا، فاستغرب الخنزير من مجيء السلحفاة إليه، فهي منذ فترة طويلة لم تأت إليه، قالت السلحفاة له: أريدك أن تصنع لي تاجا جميلا وتضع عليه هذه اللآلئ والأحجار الثمينة.
فرح الخنزير حينما سمع ذلك لأنه أخيرا وجد عملا، وقبل أن يبدأ في عمله فتحت السلحفاة الكيس، الذي كانت تحمله وقدمت له الجواهر واللآلئ.
وبعد عدة أيام من العمل المتواصل استلمت السلحفاة التاج، وكان جميلا جدا، فحملته وذهبت به إلى وسط الغابة، وهناك قالت للحيوانات، التي تجمعت حولها وهي تتابعها بكل اهتمام:
-هذا التاج الجميل سأضعه على رأس ملك الغابة، من منكم ملك الغابة؟ فليأت إلي لأضعه على رأسه، على شرط أن يقنعني أنه ملك الغابة؟
كان كل حيوان يحلم أن يضع التاج الجميل فوق رأسه، هنا تقدم القرد قبل الجميع، وهو يرقص ويؤدي حركات بهلوانية أضحكت الجميع، وقال للسلحفاة بكل فخر واعتزاز:
-أنا أستحق التاج، وأريد أن أكون ملكا للغابة، الغابة كلها تعرفني كيف أمارس أصعب الحركات، وأتسلق الأشجار العالية جدا.
ضحكت السلحفاة منه، وقالت له باستهزاء:
-التاج لا يستحقه إلا من يعرف قيمته، أنت لا تستحقه، لأن ملك الغابة ليس بهلوانا تضحك الحيوانات عليه. خجل القرد من نفسه ولم يقل شيئا وصعد بسرعة جذع أعلى الأشجار لكيلا يراه أحد.
بعده تقدم الدب نحو السلحفاة وهو يحمل بيديه جرة مملوءة من العسل الذي تساقط بعضه على الأرض والنحل يتابعه، ويلسعه من كل مكان في جسمه، وقال للسلحفاة بسرعة:
– أنا أستحق هذا التاج، يليق بي أن أكون ملكا على الغابة، أنا الدب القوي ومعروف بحبي العسل.
ضحكت السلحفاة منه ومن شدة الضحك قالت له:
– أنت أيها الدب لا تستحق التاج، لأنك تأكل الطعام من تعب غيرك، انظر إلى النحل، الذي سرقت منه العسل وهو يطاردك كاللص، ويلسعك من كل مكان وأنت ساكت، ولا تستطيع الكلام، الملوك لا يسرقون الطعام أبدا، التاج لمن يعرف قيمته ويستحقه أيها الدب.
خجل الدب من نفسه وركض مسرعا إلى النهر ليرمي نفسه فيه ويتخلص من لسعات النحل المؤلمة، والتي ما عاد يتحملها أبدا.
هنا تقدم الأرنب بشكل مضحك، وهو يقفز من مكان إلى مكان حاملا باقة الجزر بيديه، ويأكل منها بشراهة وقال للسلحفاة بكل قناعة وإصرار:
– أنا أستحقه… ياااااه كم هو جميل أن يكون هذا التاج فوق رأسي.
قال ذلك وأخذ يقفز بكل قوة وهو يكشر عن أسنانه ويأكل الجزر، وبعضه يتساقط من فمه بشكل غير جميل، ضحكت الحيوانات عليه، فقالت له السلحفاة ساخرة:
– أنت لا تصلح أن تكون ملكا على الغابة، تعلم كيف تأكل الجزر ولا تجعله يتساقط من فمك في المرة القادمة، فالملوك بارعون في تناول الطعام، فهم حينما يتناولون الطعام لا يسقطون منه شيئا على الأرض.
خجل الأرنب من نفسه، وولى هاربا ليختفي في حقل الجزر القريب من المكان لكيلا يراه أحد؟
بعد ذلك تقدم الفيل الكبير الى السلحفاة، وقال لها، وهو يحرك خرطومه في الفضاء، ليخيف السلحفاة:
-أنا أستحق التاج، يليق بي أن أكون ملكا على الغابة، فحجمي كبير وقوتي لا تقاوم، ولي خرطوم قوي بإمكاني أن أقتلع به أقوى العوائق، فكري جيدا أيتها السلحفاة، أنا الوحيد الذي يصلح لأن يكون ملكا على الغابة.
ضحك السلحفاة منه بصوت عال وقال له:
-أنت لا تصلح أن تكون ملكا على الغابة… أنت لا تستطيع أن تقفز حفرة صغيرة… إن كنت قادرا على القفز… هيا اقفز من فوق تلك الحفرة، التي أمام الجميع… لكن لا تنس إن سقطت فيها لا أحد يستطيع أن ينقذك منها.
وأشارت السلحفاة بيدها إلى الحفرة القريبة، نظر الفيل إلى الحفرة القريبة، ولما كان غير قادر على القفز من فوقها خجل من نفسه ومن ضخامة جسمه، وأنزل خرطومه المرفوع والذي كان يتباهى به وولى هاربا، ومن شدة ثقل جسمه وسرعته في الهرب جعلت الأرض تهتز تحت أقدام الجميع.
فرغ المكان فتقدمت الزرافة بكل خيلاء واستعلاء وفي فمها غصن مليء بالأوراق قالت للسلحفاة:
– أنا كبيرة وسريعة في الجري ورقبتي طويلة جدا، وبإمكاني أن أقطف الأوراق من أعلى الأشجار، لا أحد غيري يستطيع فعل ذلك، ألا أستحق لأن أكون ملك الغابة؟
ضحكت السلحفاة ملء فيها، وقالت للزرافة:
-أنت لا تستحقين أن تكوني ملكة على الغابة، لو سقط التاج من رأسك لا تستطيعين أن تضعيه على رأسك من جديد، أنت عاجزة عن فعل ذلك، ملوك الغابة ليسوا عاجزين، وليست لهم رقاب طويلة مثل رقبتك.
هربت الزرافة من المكان بسرعة بعد أن سمعت رد السلحفاة، ومن شدة سرعتها اصطدمت رقبتها بغصن شجرة قوية، وبدأت تتأوه من الألم.
وفجأة سمعت السلحفاة صوتا عاليا وضجيجا قويا، حيث جاء الثعلب العجوز محمولا على الأغصان يحيط به جمع كبير من الثعالب، يتكلمون نيابة عنه، فهو غير قادر عن الكلام وحتى عاجز عن تحريك نفسه، وقالت الثعالب للسلحفاة:
-نريد أن يكون الثعلب العجوز ملكا على الغابة للأبد.
البومة من مكانها أيدت الثعالب، وكذلك الغراب والحرباء، وابن آوى والجرذ الكبير، والأفعى الرقطاء، والعقرب السام، لكن السلحفاة ضحكت بصوت عال، وقالت للثعلب العجوز:
– أنت عاجز عن الحركة ولا تصلح أن تكون ملكا على الغابة، ملك الغابة يدافع عن غابته، وأنت لا تستطيع أن تقوم من مكانك، لا يهمني هؤلاء الذين معك فهم مستفيدون منك ويشجعونك على الباطل… ابتعد عني لا أحد يريدك أبدااااااا.
حملت الثعالب الثعلب العجوز بسرعة، وغادرت المكان، وهي تصرخ بصوت عال، لكن السلحفاة لم تهتم بأصواتهم وتوسلاتهم، وبعد الثعلب العجوز تقدمت كثير من الحيوانات لكنها لا تكون ملكا على الغابة، كلها كانت تفشل لسبب من الأسباب، فالسلحفاة الذكية لم تقتنع بأي واحد منها، لأنها عاهدت نفسها على أن تضع التاج على رأس من يستحقه بجدارة.
بدأت السلحفاة تفتش في الوجوه بكل هدوء وتمعن وأخيرا وجدت أسدا كله وقار، وهيبة ينظر إليها بشجاعة ولم يتكلم أو يتحرك من مكانه، ولم يقترب من السلحفاة أبدا، وإنما اكتفى بالاستماع والنظر إلى كل ما كان يجري أمامه، وفجأة حلقت الطيور فزعة والعصافير من أعلى الأشجار مذعورة وهي تصرخ بصوت عال:
أ الأعداء… الأعداء… الأعداء يقتربون من المكان، هيا ابتعدوا                                                                                                                                        …
هرب الجميع من المكان، واختفوا بشكل سريع خوفا من الأعداء، ولم يبق في المكان غير الأسد والسلحفاة التي تحمل التاج بيديها، وهي تفكر هل ترميه على الأرض، وتهرب مثلما هربت بقية الحيوانات، أم ماذا؟ لكنها في اللحظة الأخيرة انتبهت إلى أن الأسد الذي أمامها يستحق أن يكون ملكا على الغابة، لا سيما وأنه بدأ يزأر بصوت عال ومخيف جداااا جعل الأعداء يهربون من سماع صوته، فهو الوحيد الذي بقي صامدا في مكانه مدافعا عن الغابة ضد الأعداء، ومضحيا بحياته من أجل الجميع، هنا فكرت السلحفاة، وهي ممسكة بالتاج بقوة وتقدمت من الأسد ووضعته على رأسه، وقالت له بكل قناعة وإرادة:
-أنت وحدك من يستحق هذا التاج، أنت الوحيد الذي لم يهرب، ولم تفكر بنفسك أبدا، أنت الشجاع الوحيد، الذي أخاف الأعداء بصوته، حقا أنك ملك الغابة.
وبعد أن هرب الأعداء، الذين خافوا من زئير الأسد، رجعت الحيوانات إلى أماكنها ومن بعيد كانت تنظر إلى التاج، الذي وضع على رأس الأسد بكل احترام وتقدير، فقد عرفت أن الأسد هو ملك الغابة حقا؛ لأنه شجاع وصبور.