سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

البرجوازية الشرقية والرأسمالية الغربية عند المفكر عبد الله أوجلان

د. علي أبو الخير_

تقديم… الأمة الديمقراطية
هذه محاولة فهم مفهوم الأمة والدولة القومية، على المستوى المحلي والمستوى العالمي، وكيف أن الدولة القومية تنشأ معها الصراعات والحروب، تماماً مثلما حدث ويحدث بسبب الحروب القائمة على المنطلق الديني، وليس على أسس قومية فقط، حيث تتداخل المفاهيم، ويتم استغلال الدين من أجل البعث القومي.
ومن خلال ذلك نجد أن الأمة، والأمة الديمقراطية على وجه الخصوص، هي السبيل الأوفر حظاً في منع القلاقل والحروب، وهو المفهوم الديمقراطي كما أشار إليه المفكر القائد عبد الله أوجلان في كتبه المتعددة، وهو واضع مصطلح الأمة الديمقراطية كبديل عن الدولة القومية.
الدولة القومية
يقول المفكر عبد الله أوجلان في كتابه عن الأمة الديمقراطية وكتاب المجتمع المدني، إنه ومنذ القرن الثامن عشر برز إلى الوجود مفهوم الدولة القومية في أوروبا، معتمدة على عاملي وحدة اللغة والأرض، والعرق في بعض الأحيان، بعد مراحل تاريخية سادت فيها المفاهيم الإمبراطورية والتي اعتمدت في صياغتها على تجمع شعوب متنوعة اللغات.
على أن صعود الطبقة البرجوازية في أوروبا، وسيطرة الرأسمالية كنمط إنتاج ساهم في هذه التغيرات سالفة الذكر بمفهوم الأمة وتحويله من الولاء للانتماءات الدينية إلى الولاء للانتماء القومي.
لقد ورثت البرجوازية الشرقية، التي نشأت كتابع لنظيرتها الغربية، هذه الرؤى القومية وبنفس الصيغة التي ظهرت بها متجاهلة حقيقة اختلاف العوامل الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية المؤثرة في التطور التاريخي لكل منطقة.
المشروعات الرأسمالية
يعتبر القائد والمفكر عبد الله أوجلان، بأن مشروعات البرجوازية جاءت على أنها مشوهة وخادمة، في الواقع، للمشروعات الاستعمارية الغربية، والتي نجحت في إسقاط الدولة العثمانية مستغلةً تلك النزعات التي فشلت في مساعيها لتحقيق استقلال حقيقي، بل تم تقسيم الولايات العثمانية إلى كيانات سياسية مصطنعة تفصل بينها حدود تم وضعها بناءً على مصالح الدول المستعمرة.
ونرى نحن من وجهة نظرنا أنه في السجال الذي دار بين الزعيم الشيوعي الروسي فلاديمير لينين، وبين روزا لوكسمبورج، لنحوّل المسألة القومية والأممية البروليتارية، أشار لينن إلى إن: “في العالم كله كان عهد انتصار الرأسمالية الحاسم على الإقطاع مقترناً بالحركات القومية، ذلك لأن الانتصار الكامل للإنتاج السلعي يتطلب استيلاء البرجوازية على السوق الداخلية وتوحيد الأراضي التي يتكلم سكانها لغة واحدة، وإزالة كل حاجز من شأنه أن يعيق تطور تلك اللغة ورسوخها في الأدب … ذلك هو الأساس الاقتصادي للحركات القومية “.
 ويشرح لينين مقولته: ” إن وحدة اللغة وحرية تطورها هما من أهم الشروط لقيام مبادلات تجارية حرة شاملة حقاً تتوافق والرأسمالية الحديثة، ولتكتل الناس تكتلاً حراً واسعاً داخل طبقاتها المتعددة، وأخيراً لإقامة علاقات وثيقة بين السوق وبين كل رب عمل كبير أو صغير وبين كل بائع ومشترِ”، ويُكمل لينين : “ولذلك، فالسعي إلى إقامة دولة قومية تستجيب على الوجه الأكمل لمتطلبات الرأسمالية الحديثة هو أمر مصاحب لكل حركة قومية، ويدفع إلى هذا الهدف أعمق العوامل الاقتصادية “
يشير فلاديمير لينين إلى أن من أساسيات تشكّل الأمة القومية في العصر الحديث هو:
 1- استيلاء البرجوازية على السوق الداخلية.
 2- توحيد الأراضي التي يتكلم سكانها لغة واحدة.
 3 – إزالة كل حاجز من شأنه إعاقة تطور اللغة ورسخوها في الأدب.
رؤية المفكر أوجلان للبرجوازية وللشرق أوسطية
والواقع أن هذه الشروط الثلاثة كما يرى المفكر عبد الله أوجلان، وما فهمنا من كتبه العديدة، لم تتوفر في العصر الحديث لأي من الشعوب الشرقية، كما أن مناطقها تم تقسيمها داخل حدود وكيانات منفصلة سياسياً مما يهدد حتى اللغات السائدة بها للانفصال والابتعاد، وبروز دعوات صريحة لتبني اللهجات العامية المحلية كلغات أساسية في إطار الانعزالية عن المحيط الجغرافي على أن الملاحظ أن القومية العربية – على سبيل المثال – تشكلت أصلاً مع نشوء الإسلام، وتمكن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، من تحقيق معجزة توحيد شبه الجزيرة العربية، وعبر الإسلام والقرآن الكريم، وبدعم من التجارة، تمكنت العربية من صياغة لغتها الفصحى التي وحّدت غيرها من اللهجات في إطارها، كما انتشر خط الجزم، المستخدم من قبل قبيلة قريش، وذلك على حساب غيره من الخطوط السائدة في شبه الجزيرة كالمسند والزابور.
ومن هنا نرى أن المفكر عبد الله أوجلان يؤكد أن التطور التاريخي في الشرق لم يكن بحاجة لنشأة البرجوازية كي تتشكل القوميات، بقدر ما احتاج إلى وحدة سياسية وعقائدية، سمحت كذلك للغات أخرى بالانتشار والسيطرة بجانب اللغة العربية مثل اللغة الكردية واللغة الفارسية والتركية، والملاحظ أن كل تلك اللغات لم تقد الدول الشرقية للاستقلال النهائي، بل أدت إلى زيادة النفوذ البرجوازي الأوربي في داخلها، وفي مفهوم الدولة القومية، لم تصل حتى اليوم للأمة الديمقراطية، ولذلك مازالت الدول الشرق أوسطية تعيش حالة توهان سياسي وحروب إقليمية، لا تخدم إلا دول الرأسمالية المتسلطة… وعود على بدء، أن مفتاح الحلول عند الأمة الديمقراطية في مواجهة البرجوازية الشرقية والرأسمالية الغربية…