سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الباغوز نهاية سواد وبداية فجرٍ جديد

رفيق إبراهيم –

الاحتفال بالنصر التاريخي حق طبيعي
بإمكاننا القول بأن قوات سوريا الديمقراطية كان لها الشرف بالإعلان عن نهاية مرتزقة داعش، والقضاء عليه في آخر جيب له في الباغوز بدير الزور، بعد معارك ضارية استغرقت عدة أسابيع. الآن يحق لقوات سوريا الديمقراطية وعمودها الفقري وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة أن تحتفل وتقول للعالم أجمع أن تضحياتنا لم تذهب سدىً، وأن على العالم والمجتمع الدولي أن يقر بهذا النصر العظيم، ويبارك لهؤلاء المقاتلين الذين حاربوا ودافعوا عن الإنسانية والقيم والمبادئ والأخلاق وعن شعوب المنطقة كافة. لقد بات لِزاماً على الجميع الاعتراف بأنه لولا هذه القوات؛ لتمدد داعش في الدول المجاورة لسوريا واحدةً تلوَ الأخرى، ولكان الأمن والأمان والسلام الدوليين في خطر كبير؛ نظراً لكثرة أعداد المرتزقة من تلك البلدان الذين انخرطوا في صفوف داعش الذي اتخذ سياسة الأرض المحروقة ومعاداة جميع القيم والمبادئ والأخلاق الإنسانية، واستخدم شتى أنواع الترهيب والممارسات اللاإنسانية بحق شعوب المنطقة.
ولعل ما تعرضت له شنكال وشعبنا الإيزيدي من مجازر وإرهاب لم يشهد لهما التاريخ من مثيل، وهي دلائل وبراهين دامغة على إجرامهم، وللعلم والتذكير؛ فأن أكثر من عانى من جرائم داعش هم الكُرد وبخاصة الإيزيديين في شنكال.
زرع الفكر الديمقراطي ومحاربة الفكر الإرهابي
نعم؛ ها هي قوات سوريا الديمقراطية، تعلن انتهاء العمليات العسكرية ضد مرتزقة داعش، هؤلاء المرتزقة الذين عُرِفوا بأنهم أخطر تنظيم على الأمن الدولي. واليوم حتى وإن فقد مساحات واسعة وقُضيَّ عليه عسكرياً بعد سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على آخر معاقله، في الحقيقة؛ لا يمكننا القول بأن هؤلاء المرتزقة باتوا في حكم المنتهي كلياً. ولكن؛ القضاء عليهم عسكرياً وجغرافياً ومقتل الكثير من قادته ومقاتليه شيء هام للغاية، وأثّر كثيراً على معنوياتهم بشكلٍ كبير، ومع ذلك زرع الفكر الإجرامي والعدائي بين شعوب المنطقة، وهذا يتطلب عملاً كبيراً وحذراً لما قد يصدر من أفراده وخلاياه المتواجدة في كل مكان، هذا بشهادة جميع المتابعين والمحللين. وللقضاء على فكره الإرهابي الذي زرعه في المنطقة بالحديد والنار علينا محاربته على المستويات كافة. وجميعنا شاهدنا تهديدات نسائهم الأسرى أمام مرأى ومسمع العالم بأن خلافتهم باقية، وأنهم سيربون أبناءهم على تلك المفاهيم التي تبنتها دولة الخلافة المزعومة.
ولذلك؛ بإمكاننا القول إن المعركة الحقيقية ضد الفكر الداعشي قد بدأت الآن، هذه الأفكار الذي يجب أن تنتهي من عقول الناس لتزرع بدلاً عنها الفكر الديمقراطي وقبول الآخر والتعايش السلمي، ونشر بذور المحبة والسلام في عموم المنطقة التي تأثرت بها. ومن الخطوات الهامة التي يجب اتخاذها هي العمل على تجفيف منابع الدعم المادي والمعنوي واللوجستي، وبخاصة أن هناك دول ساهمت مباشرةً في انتعاش وبقاء داعش لفترة قاربت الخمس سنوات؛ بسبب مصالحها التي كانت أهم من شعوب المنطقة ودمائها.
تركيا من أكبر داعمي داعش ومُموّليها
لعل ما قامت بها الدولة التركية الجارة التي أساءت لجوارها ولحقوق الآخرين، عندما ساهمت بشكل علني في بقاء داعش لهذه المدة الطويلة. ولهذا؛ يمكننا اعتبارها شريكة فعلية وفاعلة لتمددها بشكل كبير في العراق وسوريا، وما قام به داعش من أعمال إجرامية؛ نتيجة الدعم اللامحدود لها. إدخال الآلاف المؤلفة عبر الحدود التركية وتسهيل دخولهم إلى الأراضي السورية من قبل السلطات التركية، ولو أرادت تركيا المساعدة في إيجاد الحلول للأزمة السورية كما تدّعي في كل مناسبة، بالتأكيد؛ لكانت قادرة على المساهمة في ذلك؛ نظراً لسيطرتها على مصادر القرار على المعارضة السورية الموالية لها، وحتى على المجاميع المسلحة وما جرى عند احتلال عفرين يُثبت هذه المقولة.
وبات الجميع يعلم أسباب التدخل والدعم التركي. إذ؛ كان تدخلها دائماً يصب من أجل تنفيذ أجنداتها، ما أثّرَّ سلبياً على مجريات الأحداث على الساحة السورية، وكانت نتائجها سيئة للغاية، ولاحظنا جميعاً أن مع كل انتكاسة لربيبتها داعش كانت هناك تهديدات جديدة لمناطق شمال وشرق سوريا. وما نستنتج من ذلك أن داعش كان اليد التي تضرب بها تركيا المشاريع الديمقراطية والحلول السياسية في سوريا. ونهاية مرتزقة داعش والقضاء عليه بالنسبة لتركيا هو خسارة كبيرة في طريق تحقيق طموحاتها التوسعية، وتكون بذلك قد قطعت يدها اليمنى وهي تعلم جيداً أنه بعد القضاء على داعش عسكرياً؛ يكون هناك مخططاً جديداً وبرامج لمكافحة الفكر الذي تركه، والذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالبرامج التي وضعتها تركيا ليتم سيطرتها على الشمال السوري. وكانت تأمل في سيطرة داعش على تلك المناطق، ليكون مركز القرار فيها من أنقرة ويكون الخليفة الحقيقي لمرتزقة داعش هو أردوغان، وهذا ما ثَبُتَ للجميع.
انتهاء داعش خسارة لتركيا والنظام السوري
داعش انتهى وقُطِعت اليد التركية اليمنى، وانتهت معها أحلام الكثيرين الذين كانوا يتوقعون غير السيناريو الذي حدث، وبالطبع من بين هؤلاء بالإضافة إلى تركيا هو النظام السوري الذي لا يريد هو أيضاً القضاء على داعش، ليتخذه ذريعة وشماعة في حربه على الشعب السوري، وهو يدرك تماماً بأن أهالي الشمال والشرق من سوريا هم الذين يستحقون التقدير والتبجيل، ورفع القبعات لما بذلوه من تضحيات جِسام في سبيل تحرير مناطقهم، وهو يعلم علم اليقين أن الأوضاع لن تعود في هذه المناطق إلى ما قبل بداية الأحداث في سوريا. وتهديداته لتلك المناطق لن تجدي نفعاً والأوّلى به أن يفكر بعقلية 2019، عام الانتصار على القبول بالإدارة الذاتية الديمقراطية، ومشاركة شعوب شمال وشرق سوريا في إدارة الدولة السورية بكل مفاصلها وهم من ضحوا بأكثر من عشرة آلاف شهيد في سبيل القضاء على الإرهاب، بينما انشغل النظام والآخرون بالحرب فيما بينهم والتي نتجت عنها كل هذه المآسي، ولم يكن فيها لا غالب ولا مغلوب. ولذلك؛ على النظام السوري أن يقر بحقوق الآخرين وضرورة بدء الحوار الجدي والصادق الذي قد يكون طوق نجاة للحلول دون استمرار الأزمة إلى ما لا نهاية، والأجدر بالنظام السوري أن يفكر بتوجيه بنادقه باتجاه المدن السورية المحتلة من قبل الدولة التركية ومرتزقتها، بدلاً من تهديدها لشعوب شمال وشرق سوريا التي كانت قبلةً لجميع أحرار العالم.
وإذا اعترف النظام السوري بما هو الحال عليه الآن بوجود الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا،هذا سيجنبه الدخول في مهاترات وأخطاء وبخاصة أنّ ما تسمى المعارضة خسرت جميع أوراقها الضاغطة، وسلمت أمرها لأسيادها في أنقرة والدوحة.
شعوب ومكونات شمال وشرق سوريا؛ حققت الكثير من الانتصارات عسكرياً وسياسياً واجتماعياً وخدمياً واقتصادياً، والأهم من كل ذلك هو أن شعوب المنطقة أدركت ما يحاك ضدها من مؤامرات، وهي  تستهدف النيل من مكتسباتها. ولهذا؛ أصبحت هذه الشعوب كالجسد الواحد إذا ما اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وبإمكانها تحقيق المزيد من الانتصارات على جميع الأصعدة.