رامان آزاد_
شكّلت الباغوز البلدة الحدوديّة المنسية علامةً فارقةً في مسارِ معاركِ محاربةِ الإرهاب، باعتبارها المعقل الأخير له، وفيها خاض المرتزقة معركةَ الرمقِ الأخير، وتحصنّوا في أنفاق تحت الأرضِ، وانجلت المعركة عن نهاية الخلافة المكانيّة المزعومة، فاستسلم آلاف المرتزقة وتحوّل آخرون إلى خلايا نائمة، وبعد التحرير بدأت عملية إعادة الحياة إلى طبيعتها اعتباراً من إزالة ركام المعارك وتفعيل المؤسسات الخدميّة البلدية والتعليميّة والصحيّة.
البلدة المنسيّة تتصدر الأحداث
الباغوزُ البلدة الصغيرة المنسيةً بريف دير الزور الشرقيّ، في أقصى شرق سوريا، تبعد عم مدينة دير الزور 110 كم، وتقعُ على مسافة /1 كم/ من الساترِ الحدوديّ بين سوريا والعراق، ويفصلها نهر الفرات عن مدينة البو كمال الحدوديّة، حيث يسيطرُ الجيش السوري وحلفاؤه، والجسرُ الذي يربط بين الباغوز والبو كمال تم تدميره، وجرت اشتباكات عديدة للسيطرة عليه، وتمتدُّ بلدة الباغوز على طول 1.5كم على الضفةِ الشماليّة لنهر الفرات، وتحيط بها تلالٌ من الناحية الشماليّة الشرقيّة، أي أنّها تقع بين النهر والتلال، وهو ما منحها تحصيناً جغرافيّاً، استفاد منه المرتزقة، فعبر الباغوز كانت تتم عملياتُ الدعم والمساندة والتنقل فاكتسبت أهميّة استثنائيّة عسكريّاً ووفق بيانات المكتب المركزيّ للإحصاء بلغ عدد سكانها 10689 نسمة عام 2004، وتجاوز 40 ألف نسمة وفق إحصاءات حديثة، وأهالي الباغوز هم أبناء عشائر (المراسمة والعكيدات والرحبيين والجبور ومشاهدة وعبيد).
مع انطلاقِ المعاركِ فيها توجهت أنظار العالم إلى البلدة المنسية بعدما أصبحت مركز الحدث، فقد سقطتِ الأوهامُ وظهرت الحقيقة جليّةً واضحةً، ففي الباغوز دخل المرتزقة معركة الرمق الأخيرِ والزوالِ، وبمرور الوقت كانت المساحةُ الجغرافيّةُ التي يسيطرون عليها تتقلص، وتوقفتِ الاشتباكات أكثر من مرة لإفساح المجال لخروج المدنيين وحتى مرتزقة داعش المستسلمين من البلدة مقابل أسرى أو مختطفين لديهم.
ويبدو أنَّ المرتزقة قد استعدوا للمعركة الأخيرة بمنطقة شرق الفرات، فالانكساراتُ المتتابعة والخسائر الكبيرة كانت مؤشرات لمعركة من هذا النوع، فضلاً عن المعارك التي وقعت في الجانب العراقيّ وسيطرة الجيش العراقيّ على الحدود من طرفه، الأمر الذي تطلب تنسيقاً بين قوات سوريا الديمقراطيّة والجيش العراقيّ، ولكن؛ المعلومات تشير إلى أن المرتزقة قد حصّنوا المنطقة بحقول ألغام مكثفة، ما يصعّب اجتيازها، فضلاً عن وجود شبكة أنفاق يتحصّنون داخلها، ومن الواضح أنّهم عملوا عليها لفترة طويلة، وأنَّهم اختاروا الباغوز ميداناً لها؛ كونها تتمتع بتحصين جغرافيّ ووجود تلالٍ، وقد استماتوا بالدفاع عنها، فالاشتباكاتُ دارات في محيط الباغوز وتمّت محاصرتُها في أيار 2018.
مع الانكسارات المتتالية للإرهاب؛ أصبحت الباغوز ملاذ المرتزقة الهاربين من العراق ومناطق سوريّة، وكانت حلقة ربط بين طرفي الحدود؛ ذلك لأنّ المرتزقة اعتمدوا أسلوب حفر الأنفاق الكبيرة وجعلوها مقراتٍ وملاجئَ ومستودعاتِ ذخيرةٍ، وبالإمكان إدخال العربات فيها، ولا يُستبعد أنّ بعضَ الأنفاقِ الرئيسية كانت تربط بين طرفي الحدود ما يسهّل الانتقال بين البلدين، وما يدعم هذه الفرضية أنّ قيادة قسد اتخذت قرار استئناف الحملة واقتحام الباغوز بناءً على معلوماتٍ مستقاة من المراقبة أفادت بعدم وجود مدنيين في الداخل ومع اشتداد المعارك بدأ المدنيون بالخروج وكانوا بالآلاف رجالاً ونساءً وأطفالاً وشيوخاً، كما خرج من المئات من المرتزقة وسلموا أنفسهم بعدما تيقنوا بحتميّة الانكسار؛ الأمر الذي فرض إيقافاً مؤقتاً للعمليات ريثما يخرج كلُّ المدنيين.
معارك تحرير البلدة
1/5/2018 مجلس دير الزور العسكريّ المنضوي ضمن تحت قيادة قسد يعلن ببيانٍ رسميّ استئنافَ حملة عاصفة الجزيرة لتحرير ريف دير الزور الشرقيّ بمحاذاة الحدود العراقيّة، بعد توقفٍ بسببِ عدوان جيش الاحتلالِ التركيّ ومرتزقته على مقاطعة عفرين، وأكّد البيان التصميمَ على إكمالِ حملةِ الجزيرة للقضاء على مرتزقة داعش نيابةً عن الشعب السوريّ والعالم، ورحّب البيان بالتعاون مع القواتِ العراقيّة عبر الحدود من خلال غرفة عمليات مشتركة والشركاء في التحالف الدوليّ، فيما أعلن مرتزقة داعش الاستنفار بريف دير الزور الشرقي وطالب قادتهم العناصر ببيعةِ موت، وشوهد المرتزقة مرتدين الأحزمة الناسفة وبكامل سلاحهم الميدانيّ، وبعد أسبوعين من إطلاق الحملة أُعلن في 17/6/2018 تحرير بلدة الدشيشة آخر معاقل الإرهاب بريف الحسكة، وفي 27/6/2018 كان إعلان ريف الحسكة محرراً بالكامل من الإرهابِ بتحرير مساحة 600 كم2.
في 24/7/2018 أُعلنت حملة تحرير صحراء دير الزور الشرقيّة لربط الصحراء بالمدن والقرى والبلدات الجديدة المحررة، وأجبرتِ الاشتباكاتُ العنيفةُ المرتزقة على الفرار من منطقة وادي الروضة الذي تحيط به التلال، وخلال يوم واحد تقدم مقاتلو قسد مسافة 35كم في الصحراء، وخاضوا معارك شرسة ضد المرتزقة بآخر جيوب الصحراء على ثلاثة محاور، فيما استمر التنسيق بين قسد والقوات العراقيّة لتأمين الحدود بين الطرفين، و27/7/2018 اُعتقل أمير داعشي حاول الفرار من بلدة هجين المحاصرة وبحوزته مبالغ طائلة، وفي 4/8/2018 قسد تعلن تحرير كامل صحراء ريف دير الزور وتأمين الشريط الحدوديّ مع العراق في 11/9/2018 أصدرت قسد بياناً تُعلن فيه عن “معركة دحر الإرهاب”، وهي المرحلة الأخيرة من حملة عاصفة الجزيرة، وفي 15/1/2019 تم تحرير بلدة السوسة.
في 9/10/2019 بدأت قوات الاحتلال التركيّ العدوان على كري سبي/ تل أبيض وسري كانيه/ رأس العين، وأعلنت قسد إيقاف الحملة مؤقتاً في 31/10/2018، واعتبرت في بيان رسميّ العدوان التركيّ دعماً مباشراً للإرهاب وبتنسيقٍ مباشرٍ معه إذ تزامنت مع الهجماتِ العكسيّة التي ينفذها المرتزقة ببلدة هجين، واستهدفت القرى الآمنة والآهلة بالسكان على طول الحدود وألحقت أضراراً بممتلكات المدنيين وأجبرتهم على ترك منازلهم.
بتاريخ 18/ 11/2018؛ أعلنت قسد في بيانٍ رسميّ استئناف “معركة دحرِ الإرهاب”، وجاء في البيان: “إنّ قواتنا مستمرةٌ وملتزمةٌ باستكمالِ حملة عاصفة الجزيرة وملاحقة داعش في حوض الفرات الأوسط وإنهاءِ (معركة دحر الإرهاب) بالقضاءِ على داعش، وملاحقة فلوله وخلاياه النائمة أينما وُجدوا.
ونتيجة المعارك الضارية أعلن مرتزقة “داعش” المحاصرين في الباغوز فوقاني قبول الاستسلام مقابل فتح ممرٍ آمن لهم إلى تركيا ومنها إلى إدلب، إلا أنّ قسد رفضت العرض في 29/1/2019، وتخلل المعارك توقف لإفساح المجال للمدنيين بالخروج وكذلك لاستسلام المرتزقة، ومع قرار استئناف العمليات العسكريّة احتدمت الاشتباكات العنيفة في أزقة الباغوز بتاريخ 2/3/2019، وزُجَّ المرتزقة بالانتحاريين واستخدموا السياراتِ المفخخة، وكان لافتاً الغيابُ الكاملُ لقياديي الصف الأول في داعش، وشهد يوم 19/3/2019 المعركة النهائيّة الفاصلة، وفي 23 آذار 2019، كان الإعلان النهائيّ عن تحرير الباغوز، بعد أشهر من المعارك العنيفة.