“لطالما تخطرني مجموعات النمل كلما دار الحديث عن المشاكل الاقتصادية. فحتى حيوان صغير بحجم النمل لا يعاني من أية مشكلة اقتصادية (الاقتصاد بالنسبة لكل كائن حي هو مشكلة التغذية), فكيف يعاني كائن راق وعاقل وخبير كالإنسان من القضايا الاقتصادية المجحفة؟ بل كيف يمكن له أن يعيش حالات يحمر لها الوجه خجلاً, كالبطالة مثلاً؟ ما الذي يعجز ذكاء الإنسان عن التعمق فيه وتحويله إلى عمل في الطبيعة؟ لا تنبع القضية بالتأكيد من الوظيفة الطبيعية, وهي ليست معنية أيضاً بالمحيط, فذئب الإنسان موجود في داخل الإنسان. أي أن كل قضية اقتصادية متعلقة برسملة المجتمع, وعلى رأسها البطالة”. “مانيفستو الحضارة الديمقراطية المجلد الثالث سوسيولوجيا الحرية صفحة 128 الطبعة الثانية 2014”.
نصل إلى نتيجة مهمة جداً وهي كما يقول أوجلان: “يجب الاستيعاب جيداً أنه لا يمكن للمجتمع أن يتخلص من البطالة والبؤس, دون القضاء على سياسات ونظام الربح الأعظمي المتأسس على فائض القيمة”. “عبد الله أوجلان سوسيولوجيا الحرية صفحة 131 “.
الأساس الاقتصادي للحضارة الديمقراطية على تناقض دائم مع احتكارات رأس المال المبنية على فائض القيمة الاجتماعية, فهو منفتح على ممارسة شتى أشكال النشاطات بحرية, بشرط أخذ الاحتياجات الاجتماعية الأساسية والعناصر الأيكولوجية بعين الحسبان في تطور الزراعة والتجارة والصناعة. وهو يعتبر المكاسب شرعية ما دامت خارج إطار الربح الاحتكاري. كما أنه ليس مضاداً للسوق, بل على العكس, هو اقتصاد سوق حرة حقيقية, نظراً للوسط الحر الذي يوفره. ولا ينكر دور المنافسة الخلاقة في السوق، بل إن ما يناهضه هو أساليب الكسب بالمضارة, أما المعيار في إشكالية الملك والأملاك, فهو العطاء. في حين دور الاحتكار كملكية يتناقض مع العطاء في كل الأوقات. وعليه, فلا الملكية الفردية المفرطة, ولا ملكية الدولة تندرجان في إطار الحضارة الديمقراطية. فالاقتصاد في الطبيعة الاجتماعية قد مورس دوماً على شكل مجموعات. إذ؛ لا توجد علاقة للفرد بمفرده أو للدولة بمفردها مع الاقتصاد, فيما خلا نزعة الاحتكار. أما أشكال الاقتصاد التي يكون فبها الفرد أو الدولة موضوع الحديث, فتتجه صوب الربح أو صوب الافلاس بالضرورة. بينما الاقتصاد هو عمل خاص بالمجموعات على الدوام, وهو الميدان الديمقراطي الحقيقي للمجتمع الأخلاقي والسياسي. الاقتصاد يعني الديمقراطية, والديمقراطية ضرورية للاقتصاد أكثر من غيره, وبهذا المعنى, لا يمكن تفسير الاقتصاد كبنية تحتية أو فوقية, بل من الواقعية أكثر تقيمه كممارسة ديمقراطية أساسية أكثر بالنسبة للمجتمع.
السابق بوست