رامان آزاد_
لا تنحصرُ أهميّةُ منطقةِ جبل ليلون على أهميتها الجغرافيّةِ وإطلالتها على مدينةِ عفرين والسهولِ المحيطةِ، بل تتجاوزُ ذلك إلى كونِها جسرَ التواصلِ بين عفرين والداخلِ السوريّ، فيما يُعتبر البعدُ التاريخيّ قيمةً مضافةً إلى أهميتها، فمن جهةٍ هي موطنٌ تاريخيّ لعشائر كرديّةٍ أصيلةٍ، ومن جهة ثانية هي استمرارٌ طبيعيّ لكتلة تُعرفُ بالمدنِ المنسيّةِ، لتكونَ جسرَ التواصلِ بين الحاضرِ والتاريخِ، ووفق هذا المعطى يمكنُ فهمُ خطورة استهدافها عبر مشاريعِ الاستيطانِ.
التغييرُ الديمغرافيّ أولوية الاحتلال التركيّ
لا يقتصر التغييرُ الديمغرافيّ على نقلِ كتلٍ سكانيّة كبيرةٍ من منطقةٍ لأخرى، وإحداث تغييرٍ في الهندسةِ السكانيّةِ في منطقتي المنطلقِ والمستقرِ، بل يشتملُ على سلسلةِ إجراءاتِ التضييقِ على الجماعةِ المستهدفةِ وانتزاعِ الملكياتِ ومصادرتها والاعتقالاتِ الجماعيّةِ والحملاتِ الأمنيّة، والحصارِ الممنهج والتجويع والتدمير، ومصادرةِ الأراضي وهدمِ الأبنية، والتلاعبِ بمستنداتِ ووثائق الملكيّة، وفرض ثقافةٍ مغايرةٍ والتخليّ عن الذاتِ، والعزل الجغرافيّ والديمغرافيّ.
الاحتلالُ يعني سيطرةَ قوة أجنبيّة عسكريّاً على أرضٍ ما، وفرض قوانين وقواعد محددةٍ على السكانِ المحليين، إلا أنّ ما جرى في عفرين منذ بداية سيطرة الجيش التركيّ في 18/3/2018، تجاوز الاحتلالَ بكثير، فالعدوانُ أدى إلى تهجيرِ أكثر من 75% من أهالي المنطقةِ الكرد وإحالتهم إلى منافي التهجيرِ القسريّ في منطقةِ الشهباء، وبادرت سلطات الاحتلال التركيّ ومرتزقة الفصائل التابعة لها لعرقلةِ عودتهم بعد احتلالِ المنطقةِ، فيما طوابيرُ المرحّلين من أهالي مدن وبلدات الغوطة تتدفقُ إلى عفرين، وكانت لافتاً تزامنُ تهجيرُ أهالي عفرين واستقدامُ أهالي الغوطة، وخروجُ آخر دفعةٍ من المرحّلين من دوما في 15/4/2018، يؤكّدُ أنّ التغييرَ الديمغرافيّ كان في مقدمةِ أولويات دولةِ الاحتلال التركيّ، كما تعرضتِ المدينةُ لحملةِ نهبٍ وسرقةٍ كبيرةٍ، واُستولي على معظمِ البيوتِ التي تركها أهلها، فيما لم يستطع كلّ العائدون استعادةَ بيوتهم.
تضمنتِ الخطةُ نقلَ كلِّ عواملِ الأزمةِ السوريّة إلى الشمال ومن بينها منطقة عفرين وجعلها مكبَّ نفاياتِ الأزمةِ، والمفارقة أنّ من كانوا يُمطرون مدينة دمشق بالقذائفِ ويُوصفون بالإرهابيين حتى آذار 2018، أصبحوا نازحين ومهجّرين مغلوبٌ على أمرهم، وكان ذلك تغييراً دراماتيكيّاً في مسارِ الأزمةِ.
جرى ذلك في ظلِّ غيابٍ الجهدِ الدوليّ لحلِّ الأزمة السوريّة، والتزمتِ المراجعُ الدوليّةُ مواقفَ باهتةً حيالَ إجراءاتِ التغييرِ الديمغرافيّ في عفرين وعموم سوريا.
الاستيلاءُ على المنازلِ وإسكانُ المستقدمين من باقي المناطقِ السوريّة كان أولى خطواتِ التغييرِ الديمغرافيّ، لكن المنطقةِ لم تستوعب كلّ المستقدمين بعد آذار 2018 والأفواج الإضافيّة التي قَدِمت من إدلب مع التصعيدِ العسكريّ فيها مطلع 2020. فانتشرت عشراتُ المخيمات العشوائيّة في قرى عفرين، وأضحى الكرد أقليّة في منطقتهم التاريخية، وبغية تثبيت واقع التغيير الحاصل بدأت مشاريعُ بناءِ البؤرِ الاستيطانيّة بشعاراتٍ إنسانيّةٍ وخيريّة بدعمٍ مباشر من السلطات التركيّة.