الاحتلال التركي والعثمنة الجديدة

رشاد بيري

في ظل التطورات الأخيرة التي طرأت على الساحة السياسية والعسكرية في شمال وشرق سوريا، بات من الواضح بأن المعركة الدائرة بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وبين الدولة تركية الإرهابية، التي كانت السبب الرئيس بجلب هذه المعركة التي خرقت القوانين الدولية، أمراً لا مفر منه فيما أن الإدارة الذاتية في شمال سوريا وقوات سوريا الديمقراطية، كانتا مسالمتين إلى ما قبل ساعة الصفر. حيث أن الإدارة الذاتية بادرت قبل ذلك إلى المناشدة بإيجاد الحلول السلمية للقضايا العالقة بينها وبين تركيا الأردوغانية الإرهابية، كما وأنها سعت جاهدة على الصعيد السياسي فتواصلت مع أصحاب القرارات في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا، لإيجاد حل سياسي سلمي يتناسب مع الأوضاع القائمة في الشرق الأوسط، بدون أي تدخل عسكري من قبل المحتل التركي. وعدم جلب قذارته من المرتزقة الإرهابيين إلى شمال وشرق سوريا بشكل خاص وإلى سوريا بشكل عام، وبالأخص ما تروج لها من مسألة إقامة (المنطقة الآمنة) المزعومة.

 وهذه الحرب التي شنتها تركيا على مناطق شمال وشرق سوريا، تعد دليلاً واضحاً بأن المحتل التركي لا يستطيع أن يكون عامل استقرار وسلام في المنطقة، وبخاصة على طول حدودها مع مناطق الشمال السوري، لأنها ترعى الإرهاب وتربي في حقولها مزارع من المرتزقة، حيث أثبتت للرأي العام الإقليمي والدولي بأن عمليتها العسكرية على شمال وشرق سوريا ما هي إلا تدخل غير مشروع وغير مقبول بأي شكل من الأشكال. وأن القرارات التركية تتصف بالفردية والدكتاتورية، وهدفها تحقيق أهداف سياسية وعنصرية معادية للشعب الكردي، وتوسيع مشروعها الاحتلالي لإعادة أمجاد السلطنة العثمانية المقبورة. موقف الإدارة الذاتية كان واضحاً منذ البداية وهي الاستعداد في حال أي هجوم تركي والتصدي له، قوات سوريا الديمقراطية لم تقف مكتوفة الأيدي أمام العدوان التركي ومرتزقته في حربهم ضد شعوب المنطقة بكردها وعربها وسريانها وآشورها حيث كانت على أتم الاستعداد في مواجهة الطغاة والمحتلين والإرهابيين.

ودافعت عن أرضها ببسالة وكل قوة ولم تقف مكتوفة الأيدي بل سطرت ملاحم بطولية على أرض المعركة، لإبعاد الأذى عن أهالي روج آفا المسالمين ودرء المخاطر عنهم، وقدمت تضحيات وشهداء، وقبلت بالاتفاق الذي وقع في سوتشي من أجل وقف إطلاق النار والحد من المجازر التي ترتكب بحق الشعب في روج آفا بكافة مكوناته وبالأخص مدينتي “سري كانيه (رأس العين) وكري سبي (تل أبيض) المناطق الأكثر تضرراً. لقد رأينا موقف الكونغرس الأمريكي وتنديداته بهذا الصدد وموقف الاتحاد الأوربي حيال العملية العسكرية التركية، حيث وصفتها بأنها بداية للجينوسايد ضد الشعب الكردي في مناطق شمال وشرق سوريا، كما حاولت من قبل إبادة الشعب الأرمني في العام 1915 م، وكانت هناك مواقف من الدول العربية التي أعربت عن رفضها الكامل إزاء التدخل العسكري التركي في سوريا، وسعيها في إفشال مخططات أردوغان الإرهابية التي تهدف إلى تغيير ديمغرافية سوريا واحتلال أجزاء أخرى من أراضيها، وموقف السعودية ومصر الداعمتين لسياسة روج آفا ونهجها السليم وحقوقها الشرعية.

وفي الختام الإدارة الذاتية كانت وما تزال تريد السلام في المنطقة وتسعى إليه، ولهذا قدم الكرد وباقي شعوب المنطقة الكثير من المبادرات التي تهدف إلى جعل سوريا لا مركزية ديمقراطية تشاركية، يتمتع فيها جميع الشعوب والمكونات الدينية والعرقية، بحقوق المواطنة والمساواة والعدالة الاجتماعية، حسب المواثيق والأعراف الدولية، وسياسة تركيا وتصرفاتها اللاعقلانية والتي تعادي القوانين الدولية، ستجلب لها في النهاية المزيد من العزلة وستضعف موقفها على الساحة الدولية.