سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الاحتلال التركي عاجز عن إدارة عفرين

تحقيق / باهوز أحمد –

لم يكن التخوف من التوغل التركي في سوريا وفي مناطقها الشمالية والشرقية على وجه الخصوص نابعاً من فراغ، وكانت المقاومة البطولية لشهرين مثالاً في مقاومة الطغيان والاستبداد، وبخاصة أن لشعوب سوريا والكثير من شعوب المنطقة كانت لها تجربة مباشرة وطويلة امتدت لأربعة قرون ونيف مع الاحتلال التركي بكل تفاصيله الإجرامية، فما زالت المذابح والمجازر مائلة للعيان من ثورة الشيخ سعيد إلى انتفاضة ديرسم ومن مذابح السيفو إلى جزير وغيرها، وعندما تعجز آلة القتل والدم تبدأ آلة السلب والنهب والسرقة والتهجير بالإكراه، وما يجري في عفرين ليس إلا غيض من فيض في تاريخ سلطنة الدم والنهب، وقد باتت اليوم تتفنن في إيجاد أساليب جديدة لنهب لقمة الشعب واحتلال أرضهم وسلب أرزاقهم وتجويعهم.
تعاميم وفرمانات للنهب والسلب  
تعميم صدر عما يسمى المجلس المحلي لناحية بلبلة التابعة لمقاطعة عفرين المحتلة من قبل الجيش التركي ومرتزقته، والقاضي بضرورة تسجيل أصحاب العقارات الزراعية والمنشآت الزراعية لدى غرفة الزراعة التي أنشأها الاحتلال، وإلا سيتم حرمان غير المسجلين لدى الغرفة من الخدمات الزراعية وحقوق عصر الزيتون في معاصر المنطقة، هذا القرار الصادر عن السلطة غير الشرعية في عفرين يُبرِز مدى تأزم الوضع الإداري والخدمي الذي يعانيه الاحتلال في تثبيت سلطته المزورة، والتي تُشير هذه التعاميم وغيرها إلى عدم تقبل الأهالي لهذه المجالس الكرتونية التي تتحرك بقرارات من جهاز المخابرات التركي.
 قرارات مجالس الاحتلال تُشرّع سلب الكرد أراضيهم
وحاولت صحيفتنا الاتصال بعدد من أبناء عفرين المتواجدين في ناحية بلبلة للوقوف على الوضع العام للناحية من الناحية الاقتصادية والأمنية في ظل الاحتلال، لكن غالبية المقيمين تخوفوا من إعطاء معلومات صريحة، خوفاً من تعرضهم من الاختطاف والقتل ولاسيما ان ناحية بلبلة هي أكثر النواحي التي تعرضت للتغيير الديمغرافي وبالأخص توطين التركمان الموالين لسلطات الاحتلال هناك.
 ويقول أحد العجائز المقيم في إحدى قرى الناحية: “هنا تحول كل شيء إلى التركية والمجالس المتواجدة هنا تتصرف وفق أهواء المستوطنين، وليس لأهالي عفرين من الكرد أي سلطة فيها سوى الشكل لإيهام الرأي العام بأن الكرد من أهالي الناحية هم الذين يديرون أمور الناحية”، وأشار ذاك الكهل الذي لم يستطع التحدث بحرية خوفاً على حياة أفراد عائلته لأن المستوطنين يعلمون على الوشاية بأي شخص كردي لا يروق لهم.
 وكانت سلطات الاحتلال قامت بإنشاء غرف ومجالس متعددة لإدارة المنطقة وفق أهوائها وبأيدي أشخاص محددين، يتم الموافقة عليهم من جهاز الاستخبارات التركية “MIT” وتحولت هذه المجالس والغرف إلى أدوات لخداع الشعب أولاً وأفرع مخابراتية ثانياً، وعن هذا التعميم الأخير، يقول أحد المتعاملين في غرفة الزراعة المنشأة من قبل الاحتلال والذي أصرَّ على عدم ذكر أي معلومة عنه: “المجالس المحلية ليس لها أي قيمة لدى الفصائل المسلحة المتحكمة في المنطقة، وكذلك الغرف، وهنا تم إصدار هذا التعميم الذي يفرض على الأهالي تسجيل عقارتهم لدى الغرفة وبالتالي يصبحون أعضاء في الغرفة”، وفضل العامل عدم ذكر الأهداف الحقيقة من هذا التعميم، لكن وفق لما قاله تكمن أهدف استخباراتية وأخرى لتثبيت تغيير ديمغرافية وجغرافية المنطقة على المدى المنظور والبعيد.
 إحصاءات غير شرعيّة لفرض الوصاية الجبرية
 قامت غالبية الفصائل المسلحة خلال الأشهر القليلة الماضية بإجبار المجالس في القرى والبلدات على إجراء إحصاء للعقارات الزراعية والمنازل، وانتزاع الأراضي ممنْ لا يمتلكون صكوك ملكية لعقارتهم أو المُهجرين من عفرين، لتقوم هذه المجالس بتسجيل تلك العقارات بأسماء مستوطنين غرباء جلبهم الاحتلال التركي إلى عفرين بعد الاحتلال في شهر آذار عام 2018.
وأكدت مصادر من قرى شيراوا  عدم أصحية عمليات الإحصاء هذه، والتي يتم تجديدها كل ثلاثة أو أربعة أشهر، والهدف تغيير ملكية العقارات والضغط على أهالي عفرين لبيع عقاراتهم للمستوطنين بأسعار زهيدة، لا تراعي الواقع المعاش، وهو ما يهدد الوجود الكردي في عفرين الذي بات اليوم نسبته أقل من 25% بعدما كان يتجاوز 85% قبيل الغزو التركي.
حتى الحجر يشكو انتهاكات الاحتلال
ويقول العجوز السبعيني في بلبلة: “إذا استطاع الحجر أن ينطق لن يتمكن من سرد ما نعانيه من ويلات هنا على أرضنا”، هذه العبارة التي رددها العجوز عدة مرات لدى تواصلنا معه، يدل على حجم الانتهاكات التي يعانيها أهالي عفرين في شتى مجالات الحياة اليومية.
وكانت مقاطعة عفرين تشكل نقطة جذب أساسية لرؤوس الأموال في القطاعات الزراعية والصناعية، في ظل الإدارة الذاتية الديمقراطية، لكن مع مضي أكثر من سنة على احتلال تركيا لها ومحاولاتها المتكررة لإبراز قدرة سلطات الاحتلال على إدارة المنطقة إلى جانب جرابلس وإعزاز، إلا أن ذلك لم يتحقق نتيجة السرقات وحالة عدم الأمان الموجودة، وعمليات الاختطاف اليومية لميسوري الحال ولا سيما الكرد منهم، وهنا يقول أحد التجار:
“خلال العام المنصرم لم نتجرأ على شراء كميات كبيرة من الزيت نتيجة هيمنة الفصائل والجيش التركي على هذا القطاع وسرقته إلى تركيا، وكذلك هذا العام نتخوف من الوضع ذاته، في ظل وجود قوانين تفرضها غرفة التجارة المنشأة من قبل الاحتلال، ومن بين تلك القوانين ضرورة تسجيل التجارة في الغرفة وإصدار ترخيص خاص، إضافة لموافقة أمنية لتمكن التاجر من نقل بضائعه”، وأكد ان غالبية التجار تعرضوا للسطو المسلح في العام المنصرم وهو ما دفع العديد منهم للهجرة من عفرين إلى منبج ومناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.
 فلتان أمني واقتصادي مُتردي من أبرز إنجازات الاحتلال
الوضع الاقتصادي والزراعي في عفرين شبه منهار، وهذا ينعكس سلباً على الكرد من أهالي عفرين، وإيجاباً على عدم قدرة تركيا في بسط سيطرتها الإداريّة على المنطقة التي تقول إنها تمثل نقطة مهمة في مشروع المنطقة الآمنة التي يطرحها حزب أردوغان ويروجها نموذجاً تركيّاً للعالم.
 الفلتان الأمني والتردي الاقتصادي، من أبرز مقومات المناطق المحتلة من قِبل الجيش التركي، حتى المتعاونون مع سلطات الاحتلال لا يَسلمون من الاختطاف والاعتقال، وآخر حالات الاعتقال كانت للمهندس “خوشناف حمو” رئيس ما يسمى غرفة المهندسين في عفرين التابعة لمجلس الاحتلال من قبل الشرطة العسكرية التي يهيمن عليها شخصيات تركمانية مرتبطة بالمخابرات التركية مباشرة، وخوشناف حمو هو ابن رشيد حمو أحد مؤسسي حزب الديمقراطي الكردستاني في سوريا وينحدر من قرية هوبكا التابعة لراجو.
 الوجع مشترك رغم تغيّر الظروف
لن يكون حال الكرد في عفرين على ما يرام اليوم ولا غداً، في ظل وجود قوات  الاحتلال التركي التي تطلق يد فصائلها الإسلامية المتشددة وأفرعها الأمنية المختلفة في عرض وطول عفرين لاختطاف وقتل أي شخص كردي يرتبط بأرضه حتى لو كان مِمنْ خدموا الاحتلال في لحظة من اللحظات، وبالتوازي مع ما يعانيه العفرينون في الداخل تحت حكم الاحتلال، يستمر أقاربهم المُهجرين في الشهباء بالنضال وتحمل أعباء النزوح وتنظيم أنفسهم في شتى المجالات على أمل تحرير مدينتهم التي كانت وما تزال مقدسة لديهم ويدفعون بدماء أبنائهم في سبيل الهدف المشترك وتحرير عفرين.
هذه بعض الجوانب القليلة التي استطعنا رغم التعتيم الإعلامي والحصار الحصول عليه، وما يجري في الداخل وخلف تلك الأسوار التي تحجب أهالي عفرين عن العالم أفظع بكثير، فتركيا المعروفة بدمويتها تستعين بمجرمين وقتلة وسفاحين، جلبتهم من شتى بقاع العالم وعبر جماعات مرتزقة من بينها مرتزقة ما عُرِف بالمعارضة السوريّة، وجماعات و أشخاص آخرين باعوا مبادئهم ووطنهم بحفنة من المال.