سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا… تحقيق لآمال وطموحات شعوبها

رفيق إبراهيم –

إن انتخاب المجلس العام للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وتشكيله تسع هيئات للقيام بما يقع على عاتقه من أعمال في هذه المراحل التاريخية التي يمرُّ بها الشمال السوري وشرقه، تُعتبر خطوة أساسية في الاتجاه السليم، وتأتي أهمية هذه الخطوة لتحقق متطلبات المرحلة الحالية بكل تفاصيلها، والتي تقتضي إدارة هذه المناطق والمساحات الشاسعة التي حررتها قوات سوريا الديمقراطية، بدعم ومساندة من قِبل قوات التحالف الدولي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. إن ما تم كان القرار فيه لجميع شعوب المنطقة من عرب وكرد وسريان وبقية الشعوب الأخرى، التي تقطن هذه المنطقة وبخاصة أن مرتزقة داعش باتوا على وشك النهاية، حيث حوصِروا في مناطق ريفية صغيرة في الريف الشرقي لدير الزور، وكان من الضروري وجود نظام إداري شامل لهذه المنطقة التي يقارب مساحتها الثلاثين بالمئة من المساحة الإجمالية لسوريا؛ ولذلك كان لا بد من توافق بين شعوب الشمال والشمال الشرقي في سوريا لإدارة واسعة تُدار من قِبلهم، تكون بمثابة القيادة التي تُدير دفة المرحلة المقبلة التي تحمل في طياتها الكثير من المصاعب والعمل الذي ينتظرهم، وكان لا بد من اتخاذ هذه الخطوة الهامة التي تجمع الجميع على قرار واحد ومن أجل خدمة جميع شعوب المنطقة وبدون استثناء، والوقوف على الأعمال الكبيرة التي تنتظر الحل؛ لأن ما ينتظر القادة والمسؤولين في الشمال السوري عمل شاق وكبير، يجب التحضير الجيد له والوقوف أمام المسؤوليات التاريخية في سبيل إنجاح ما هو مقرر وبخاصة أن الأعداء ينتظرون أية هفوة للانقضاض على ما تحقق من مكاسب كبيرة, والمرحلة الآنية تتطلب إحداث مثل هذه التغيرات الهامة في الإدارة الذاتية لشمال سوريا، لاكتمال صورة المشهد الكلي في هذه البقعة المحررة من مرتزقة داعش، والتي كانت ولا زالت المنطقة الأكثر أماناً وازدهاراً في سوريا بعد تحريرها. وإدارة هذه المناطق ليست بالسهولة التي يتخيلها البعض ودعونا ننظر لمدينة الرقة كمثال، تلك المدينة التي دُمِّرت بمعظمها وعندما نقول الرقة نأخذ بعين الاعتبار ما هو مرتبط بها جغرافياً من مناطق وقرى محيطة بها. هذه المدينة التي اتخذها داعش عاصمة لدولة الخلافة المزعومة في سوريا، وكانت من أهم مراكزه ومراكز تواجده وبتحريرها بدأ داعش بالانكسار، ولولا التصميم والإرادة والتضحية من قِبل قوات سوريا الديمقراطية في سبيل تحريرها لما تحررت حتى هذه اللحظة؛ لأن النظام والقوى الإقليمية كانوا يتمنون بقاء داعش فيها لغايةٍ في نفس يعقوب. ولكن؛ رياحهم جرت بما لا تشتهي سفنهم، وكان لقوات سوريا الديمقراطية الشرف الكبير في دحر أكبر قوة إرهابية في العالم، وحررت المدينة من دنسهم ما أدى إلى تشرذم المرتزقة وتراجعهم وخسارتهم يوماً بعد آخر. هذه المدينة التي دُمِّرت معظم أحيائها وبناها التحتية، كيف سيعود إليها ألقها ورونقها وجمالها ما لم يتم بناءها من جديد كي يعود إليها أهلها أمنين مطمئنين، هؤلاء الذين اضطروا لمغادرتها عنوةً تحت سوط الإرهاب وانتهاكاتهم اليومية. ومن أجل عملية البناء وعودة الأهالي الذين نزحوا منها، يجب أن تكون هناك إدارة تقوم بكل ما يقع على عاتقها لإعادة المياه إلى مجاريها، وهذه الإدارة الجديدة لشمال وشرق سوريا هي المظلة الجامعة للإدارات الذاتية المتواجدة على الأرض، وهي تعمل بأقصى طاقاتها في تأمين كل ما هو مطلوب لشعوب المنطقة وأبناءها، ومع ذلك كان لا بد من خيمة تجمع الجميع تحت مظلتها، حيث يصدر القرار منها ليصب في مصلحة شعوب المنطقة كافة. نعم فالمهام كبيرة والأوضاع المرحلية حساسة والأعداء كُثر، يخططون سراً وعلانية لإفشال هذه المشاريع الديمقراطية التي تُرسم في المنطقة، ومرحلة ما بعد داعش وتحرير عفرين وما تؤدي إليه الأمور في إدلب ستحسم الحلول فيها، وعلينا أن نضع جميع هذه الأمور في الحسبان. وتأسيس الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بهيئاتها التسع خطوة مباركة في الاتجاه الصحيح؛ لأنها تصب في خانة الوحدة الوطنية وخدمة جميع شعوب المنطقة، وتحقق الغايات والأهداف النبيلة من بناء وتعايش أخوي ومصير مشترك، ولنعلم جميعاً أن الأعداء يحاولون بشتى الوسائل ضرب تلك الوحدة وجميع المشاريع الديمقراطية التي تصب في مصلحة جميع شعوب شمال وشرق سوريا، بل تتعدى حدودها لتشمل الجغرافيا السورية بكل تفاصيلها.