الإخوان.. أيّ قطار يركبون؟!

رياض درار –

عندما تحدثنا عن خطر الأسلمة على الثورة، فنحن لا ننسى الخطر الداهم على قيام الدولة وخطر الإسلاميين في سعيهم لاستلابها.

ليس للإسلاميين برنامج يتكئون عليه سوى ما يحفظون من كتب التراث، من بنود فقهية أو أحكام سلطانية أو وقائع الدول المتتابعة. ورأس مالهم هو اختيار خليفة يولون إليه المهام الرئاسية والإدارية، وهو يمتثل الشورى طريقاً للاختيار في الحادثات أو يجتهد فيقرر، ويأمر فيستجاب له.. ولكن؛ الإخوان المسلمين حاولوا مرات عديدة تطوير برنامج يخرج من هذه الرؤى وقدموا أفكاراً حاولت الاندماج بالمصالح العامة، ومجاراة الأحزاب المتمرسة، وطرحوا نقاطاً ايجابية لجذب الجمهور السياسي ليقبل التحالف معهم. ولكن؛ الأحداث لم تثبت صدق دعواهم، فقد كانوا يدفعون لانحراف الثورة على هواهم عبر وكلاء من دول أو أفراد يعتقدون أنهم في المقدمة، لكنهم كانوا ممسوكين من تلابيبهم لا يتحركون إلا وفق خط رسم لهم. وكانت التقية تغلب حركة الإخوان، والباطنية تغطي عملهم، وقد كانوا الأقدر على الالتفاف والانحناء أمام العواصف. وعلى حد قول بعض السياسيين السوريين (الإخوان المسلمين لا ننتظر منهم الكثير، إن أفكارهم السياسية ليست أقل خطراً من الجماعات التي تريد الهيمنة على القرار السياسي وعلى المصير المجتمعي وفق وجهة نظرهم، بل الإخوان أكثر خطراً بمحاولتهم السيطرة على التقاليد والمؤسسات في البلاد) حتى وهم يختارون برهان غليون فقد اختاروه سياسةً لاستغلال وجوده، والعمل من خلفه، ودفعه وتسييره وفق سياساتهم، على حد قول البيانوني في لقاء له،  وهذا ما حصل. ومنذ البدايات استولوا على أغلب المراكز في الهيئة التنفيذية بالمجلس الوطني ودخلوا بأسماء تنظيمات مدنية وتنسيقيات، وهيمنوا على القرار السياسي بتوجيه أسماء الجمعات عبر منابرهم الإعلامية، والانفراد بصندوق الإغاثة. وساهموا في تأخير انتصار الثورة واستثمار ضعف المعارضة وانقساماتها، وشراء الولاءات للهيمنة والبروز كأقوى تيار معارض ومنظم في سباق محموم للوصول إلى السلطة وبأي ثمن. وإعلان دمشق وهو يعد لمؤتمره الأخير في الخارج، تحدث عن ممارسات وانتهاكات والتفافات الإخوان على الثورة وعلى الحلفاء، حتى صار إعلان دمشق الحليف الوحيد للإخوان يعيد النظر في هذا التحالف.

إن تغير النظرة للإخوان بدأ مع تصنيف الإخوان المسلمين بأنهم تنظيم إرهابي من بعض دول التعاون الخليجي، إلا أن إخوان سوريا أبدوا استثنائهم عن هذا القرار؛ لكونهم كجماعة وسلوك بعيدين عن الإرهاب تعريفاً ومفاهيم، وأنهم مع دول الخليج في حال تفاهم منذ الثمانينات. ولكن؛ هل بقي الأمر كذلك؟ ربما؛ لكن ذلك يتطلب كثيراً من الوضوح، وليس الالتفاف ومجرد الانحناء، أو إصدار بعض البيانات. فالإخوان أعلنوا وقوفهم إلى جانب الثورة وكانت مطالبهم عادلة, ولم يكن فيها دعوة لجهاد ولا لتسليح. ولكن؛ في حواراتهم مع القوى الأخرى كان واضحاً إصرارهم على ضرورة التدخل الخارجي، والحديث عن مناطق عازلة وحظر جوي، وكان واضحاً التنسيق مع السياسة القطرية التي لأمر ما أفشلت الثورة بعد أن بعثرتها.

وكانت البراغماتية الإخوانية التي تقول شيئاً وتفعل أشياء مخالفة، متنقلة حسب الدور والمصلحة، فهي لم تمنعهم من أن يكونوا جزءاً من الموافقين على جنيف والمشاركين فيه، وجزءاً مع الرافضين. وهي لم تمنعهم من تكرار أنهم مع وحدة سوريا أرضاً وشعباً ومع ذلك يخرج أحد ممثليهم (ملهم الدروبي)على قناة سوريا الغد ليعلن بأن التقسيم هو الحل الوحيد في ظل عدم قدرة أي من الطرفين على حسم المعركة سياسياً. ويطالبون أردوغان بالسيطرة على الشمال السوري تكريساً لتقسيمه.

إن الأفق السياسي كان معدوماً للإخوان منذ البداية. ولذلك؛ تتراوح مواقفهم بين التشدد والتراخي، والامتداد في كل الاتجاهات بحثاً عن استمرار لدورهم؛ وهذا ما منع الثوار من الثقة بهم، ومنع أطياف سياسية من استمرار التحالف معهم بعد أن تم تعويمهم طويلاً. فهل يمكن أن يكون لهم دور في مستقبل البلاد وهم على هذه الحال؟!.

إشارات كثيرة تقول أنهم يخسرون رصيدهم وليس لهم مستقبل في سوريا، وحتى عبر سياسات القوة؛ فقد سحب البساط من تحت أقدامهم لصالح قوى سلفية سيطرت على الأرض وأعلنت العداء لهم، كما أن القوى المدنية والوطنية التي لا ترفع شعار تسييس الدين ترفضهم. فأي قطار سيركبون ليصلوا إلى برّ الأمان؟! ذلك في علم الغيب وعلم المشغلين.