سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الإبداع والإيقاع

مهند الشريف_

كلامنا مع بعضنا يحتوي مستويات، منها المرئي، ومنها ما هو مخفي عن العقل الظاهر، لكنه في العقل الباطن يرسخ لصورة تخيلية تعكس الانطباع، فكيف بالأدب، الذي يحمل الكثير من الصور المكثفة، والمعاني الكثيرة والمبادئ التي نريد إيصالها، وتلك الأفكار التي يصعب علينا الحديث عنها بصراحة بحامل هو اللغة التي هي في منزلة سحر يوصّل بدوره المحمول إلى القارئ، أو المتلقي أو المتابع، لكن هذه اللغة أيضًا محمولة على تراكيب وسلاسل ذات صلات منطقية، وجدانية تنقل المشاعر والأحاسيس والأفكار إلى العقل البشري، الذي يفكك بدوره هذه المنظومات، ليعيد تركيبها حسب رؤاه الشخصية، فليس هذا الإنسان كذاك في تلقي الصورة الأدبية في عقله.
إن حياتنا الشخصية كفيلة بلعب الطرف الثالث في عملية الأدب، حتى ولو كنا غير معنيين بالكتابة أو الفن، فالفن عملية إبداعية تتعلق بالحواس، التي تنقلها للعقل تمامًا كعملية الأدب، ولكن بحواس أخرى وطريقة أخرى تركيبية كالأدب تمامًا، فقد تغير الحامل، ولكن المحمول يتطابق أو يختلف في عمليات أخرى من الفن أو الأدب أو يتفق، ويتلاقى مع بعضها في بعض الجوانب.
لا ننسى المعرفة والثقافة والتاريخية والأيدولوجية الشخصية للإنسان المتلقي، الذي ينحو به منحى مغايرًا للكاتب أو الفنان، والشعر الذي كان منذ القديم الحامل الأساسي في المعرفة الإنسانية من فلسفة ومسرح، ولا ننسى أنه ديوان العرب والمحمول على الموسيقا القديمة قِدَم الإنسان.
عندما أبدع الإنسان أبدع بصوته إيقاعات وترانيم وتراتيل حملت المعنى الديني أو التعبيري والوجداني، وكان الشعر تعبيراً عن رؤاه، وما يشاهده بصورة تخيلية عما يحب ويخاف، ويشعر بأدوات من الطبيعة من حوله بتراكيب إيقاعية لها موسيقا الطبيعة والحواس والإيقاعات الداخلية لعقله وارتدادها عليه، ودقات قلبه، التي تلعب دور الإيقاع بذلك مقاطع أو جملًا أو تراكيب أو حتى الكلمة، أو الحرف الصوتي، الذي عبر عن إيقاع تنفسه ودقات قلبه، أي حياته تلك المنحة الإلهية من السماء ومن ثم إيقاع مشيته، وحركات عينيه وحواسه وطريقة عيشه، وتناغم الطبيعة وإيقاعاتها بدورها أيضًا. هذه الحياة عبارة عن حركة وسكون، أي بترتيب إيقاعي معين وشعري بحد ذاته، وانطباع الإنسان حين يقرأ أو يشاهد حتى ولو لم يكن الفاعل، سيكون وفق هذا الإيقاع وإيقاع حياته ورؤاه وتخيلاته وهو  ـأقصد الانطباع أيضًا ـ عملية شعرية فنية، فالإنسان جُبِلَ على التنوع والاختلاف، وهذا الاختلاف بحد ذاته إيقاعات نراها في إبداعات المبدعين صورًا متداعية تركت في العقل البشري وتراكمه، وتزاحم التاريخ وشخصياته وحركاتهم.
إن للتاريخ إيقاعًا كذلك كدقات الساعة بين الفينة والأخرى. إن هناك ما أعتقد أنه لحظة صفر أو سكون يتوقف معه كل شيء، والذي يدل عليه هو، رمشة العين والنفس ودقات القلب عند كل إنسان، وعند النوم أحيانًا لا تعتقد بأنك حلمت بشيء كأنه الفراغ أو السكون.
 هذا هو الإيقاع الداخلي بين السكون والحركة، وهذا هو الشعر وتلك هي الموسيقا. إن حياتنا هي قصائد شعرية ومنا من هو قادر على أن يترجمها للشعر أو الأدب أو الفن. إن الخوارزميات تعتمد لغة المنطق والخطأ.
إن الخطأ هو السكون والمنطق الحركة، وهذا بحد ذاته منطقي أي حركي أي عملية إيقاعات إبداعية ترجمها الإنسان منذ القديم للشعر والموسيقا. لقد تخيل الإنسان عندما جرب وأبدع علمًا ومعرفة وثقافة وفنًا.