روناهي/ عين عيسى ـ
لم تستكن الأم حليمة لظروف التهجير في المخيمات القاسية، ولم ترد أن تحيا حياة ملؤها الشقاء والبؤس، بل عمدت إلى تغيير واقع المخيمات الأليم، إلى مهن بارعة، وأنشطة لتأمين الرزق، وإعالة الأسر؛ فغدت المرأة بذلك باسمة للحياة في وجه مشرق للمستقبل، وهذا ما فعلته الأم جيهان لذي خمسة أبناء حين أصرّت على تعلم مهنة الخياطة، فأصبحت مثالا يحتذى به.
تتلمذت الأم المهجرة حليمة محمد (العقد الخامس من عمرها) على يد خياطة المخيم جيهان محمد علي، التي كانت تمتهن هذه المهنة قبل اضطرارها للجوء (مخيم مهجري كري سبي)، واستطاعت في فترة وجيزة أن تصقل مهارتها بشكل كبير ضمن المخيم، وأن تتعلم المزيد من الخبرات في مجال الخياطة النسائية الواسع؛ بسبب حبها لهذه المهنة، والظروف القاسية، التي عايشتها خلال السنوات المنصرمة؛ لتتمكن من إعالة اسرتها الكبيرة المؤلفة من ثمانية أفراد.
جيهان أصبحت ملهمة، وقدوة لغيرها من نساء المخيم، وبسبب شعبيتها الكبيرة؛ استطاعت جذب الكثير منهنَّ لتعلم هذه المهنة على يدها بالمجان، وفي خيمتها، وهذا ما حقق آمال الأم حليمة، التي بادرت إلى زيارة (خياطة المخيم)، وتعلم أساسيات المهنة، ومن ثم التدرج في التعلم إلى أن استطاعت الاعتماد على ذاتها لتصبح خياطة بدورها.
الإرادة تقهر المستحيل
تقول الأم حليمة: “الظروف التي عشناها خلال السنوات المنصرمة صعبة للغاية، وخاصة مع فقدان المعيل، ومسؤولية العائلة الكبيرة التي تحملت مسؤوليتها منذ توفي زوجي قبل خمس سنوات، وبالرغم من وجود أحد أبنائي (يزن) وهو من ذوي الهمم، ويحتاج إلى رعاية خاصة إلا أني لم اذعن للاستسلام، واستمريت برعايتهم، وإعالتهم”.
وأضافت: “منذ تهجيرنا من بيوتنا عقب دخول المحتل التركي لمناطقنا بدأت الأفكار تجول في عقلي في كيفية البحث عن فرص معينة لتأمين متطلبات العائلة، وبعد توجهنا إلى مخيم مهجري كري سبي بعد افتتاحه، استطعت التعرف على الخياطة جيهان، وإلى قصتها التي بدت مشابه لما عايشته، واعجبني اصرارها، ومعنوياتها العالية، وحثها النساء على تعلم المهن ليس الخياطة فحسب بل كل مجال”.
إطلاق العنان لطاقاتها الكامنة
تعلمت الأم حليمة مهنة الخياطة النسائية بعد أكثر من ستة أشهر من الصبر، والاجتهاد؛ لتفتح آفاقاً جديدة لذاتها، ولتتمكن من إعالة أسرتها الكبيرة… وتقول بهذا الصدد: “أنا أؤمن بأن أي شخص يمتلك طاقات كبيرة، وامكانيات عظيمة لمواجهة الصعوبات التي تواجهه، لذلك يجب ألّا يرضخ للاستسلام والهوان، هنالك الكثير من النساء يعتقدنَّ بأنهنَّ يعانين من الكسل والهزيمة ثم يبررن بعدم القدرة، أو بعدم المعرفة… الخ من الحجج، لذلك أعتقد بأن هذا الأمر يؤثر على غيرهن، ويسبب حالة من الإحباط لغيرهنَّ”.
واختتمت بأملها أن “تتحلى النساء في مناطقنا، وخاصة المهجرات بالقوة اللازمة للبدء من جديد، حيث لا مكان للضعف وحيث هنالك دائماً بداية جديدة تفتح مجالات للحياة على مصرعيها، وتعبر عن حالة المقاومة والتصدي، التي يزخر بها مخيم مهجري كري سبي تمهيداً للعودة الحتمية إلى بيوتهم، التي هُجروا منها على يد المحتل التركي، ولازال يعيث فيها فساداً وخراباً”.
