سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الأسد يهرب إلى الصين

كيفارا شيخ نور _

تشكّل زيارة بشار الأسد إلى الصين، حسب تقارير أجنبية، فرصة لإحداث نقلة جديدة في العلاقات الثنائية، خاصة وأن بكين تبدو مهتمة على نحو بعيد بتعزيز حضورها في منطقة الشرق الأوسط؛ في سياق التنافس القائم بينها وبين الولايات المتحدة، فيما ركّزت وسائل الإعلام المقربة من حكومة دمشق أن هدف الزيارة اقتصادي مرتبط بإعادة إعمار البلاد.
وعن خلفيات الزيارة، فإن توجّه بشار الأسد برفقة أسماء الأخرس إلى الصين، يهدف إلى إعطاء الطابع الرسمي لزيارته كما كانت عادته قبل الأزمة السورية، في رسالة مفادها أن الأوضاع في سوريا باتت كما كانت قبل 2011، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، تحمل زيارة الأسد إلى الصين التي لم يزرها منذ 2004، للتهرب من الضغطين الروسي والإيراني الساعيين إلى تطبيع العلاقات بين حكومة دمشق ودولة الاحتلال التركي، حيث يصرّ الأسد على انسحاب القوات التركية المحتلة من سوريا كشرطٍ رئيسٍ لتطبيع العلاقات مع صديق الأمس (أردوغان)، فيما يرفض الأخير هذا الشرط واصفاً إياه بالـ “غير المنطقي”، وهو ما يعكس فشل روسيا في هذا المسار، حيث يفسر الإصرار الروسي في هذا المضمار بأنها راغبة في جرّ تركيا إلى جانبها والتفرد بالأمريكي في شمال وشرق سوريا، ثم أن هناك رغبة روسية إيرانية تركية في إخراج الأميركي من سوريا، كلّ حسب مصالحه.
ومن الأسباب الأخرى للمساعي الروسية أن موسكو باتت مشغولة بلملمة آثار الحرب في أوكرانيا، في ظل العقوبات الغربية المشددة عليها من جهة، والإرهاق الذي وصل إليه الاقتصاد الروسي نتيجة التركيز الروسي على الجهد الحربي من جهة أخرى، فهي في حال استمرار الحرب ستكون بحاجة إلى مساعدة مالية في المستقبل القريب كسوريا، ولعل رفض الأسد التصالح مع أردوغان، وكذلك الوضع الاقتصادي في روسيا، هو ما حدا بالروس عن الامتناع عن مساعدة حلفائها في حكومة دمشق، التي وصلت إلى وضع اقتصادي كارثي، دون وجود أي حل للأزمة السورية، حيث تحدثت العديد من التقارير عن رفض الروس ولأكثر من مرة مساعدة حكومة دمشق مادياً في الآونة الأخيرة.
الوضع الاقتصادي الروسي السيئ ينطبق على حليف حكومة دمشق الثاني؛ فإيران ليست في وارد تقديم أي دعم مادي، لأن أوضاعها الاقتصادية لا تسمح لها بذلك، هذه من جهة، ومن جهة أخرى، طهران باتت تدعم الأسد عسكرياً فقط، ليس من أجل عيون الأخير، بل بغية امتلاك أوراق ضغط ضد منافسيها الإقليميين (السعودية وتركيا) والدوليين (الولايات المتحدة الأميركية).
وقبل توجُّه الأسد إلى الصين وبعد رفض كل من طهران وموسكو مساعدة حكومة دمشق بالمال، كانت حكومة دمشق قد توجهت صوب الدول العربية (السعودية والإمارات ومصر الأردن) التي كانت على خلاف طويل مع الأخيرة بعد اندلاع الأزمة السورية 2011، والتي اشترطت (الدول العربية الرئيسة) مبادرة “خطوة مقابل خطوة” المرتكزة على عدة نقاط، أهمها وقف تصنيع المخدّرات وتهريبها عبر سوريا إلى دول الجوار، وتخفيف وجود المسلحين “الأجانب” على الأراضي السورية، والإفراج عن المعتقلين، وتأمين البيئة الآمنة لعودة اللاجئين السوريين، مقابل دعم مادي عربي لدمشق.
الأسد كان يظن بأن هروبه من ضغوط الحلفاء (روسيا وإيران) نحو الدول العربية (مصر والسعودية والأردن والإمارات) سيجلب له المال وراحة البال، إلا أن هذا الأمر لم يأتِ بأي شيء جديد للسوريين، بل زاد من الطين بلّة، فتراكمت المطالب العربية فوق المطالب الروسية الإيرانية، ولعل هروبه نحو الصين، يُعدّ أحد أهم الأسباب للتهرب من الضغوط، فالصين لم تتدخل عسكرياً في سوريا، وربما توجّه الأسد إليها للمساعدة المالية، هو لإعطاء الصين دور في إعادة إعمار سوريا، حيث إن روسيا وإيران غير قادرتين على ذلك، للعقوبات المفروضة عليهما، وقلة إمكاناتهما بالمقارنة مع الصين، فضلاً عن وجود سوريا ضمن مباردة الحزام والطريق.