سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الأزمة السورية تعقيدات جوهرية والحل في مشروع الإدارة الذاتية

دجوار أحمد آغا


منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً، والشعب السوري يعيش حالة من التشتت والضياع في الأزمة، التي بدأت منذ العام 2011، وكلما تأخر حلها السياسي، تعمّقت جراح السوريين، وتعقدت الأوضاع، في تلك الأثناء من العام 2011 خرج الشعب السوري بمظاهرات مطالباً بالحرية والحصول على حقه في العيش بكرامة على أرضه، رافضاً الاستمرار في الخنوع والخضوع لنظام الاستبداد الأمني القابع في دمشق.

وفي بداية الحراك الشعبي كانت الاحتجاجات سلمية، وكانت الآراء مجتمعة في تلك الآونة، بالمطالبة بالديمقراطية وإحقاق الحقوق، وقد شاركت فيها الشعوب والمكونات السورية، على أمل أن تستجيب حكومة دمشق لإرادة الشعب، وتحقق الإصلاحات المطلوبة في بنيتها الأمنية، والتقرب من الشعب السوري، لكنها لم تستجب لهذه المطاليب المحقّة، لا بل حولت هذه الاحتجاجات إلى أزمة بطرق خبيثة، والتدخل عسكرياً وأمنياً، واستخدم السلاح ضد المتظاهرين السلميين.

البداية السلمية والتحول نحو العسكرة 

كما ذكرنا سابقاً كانت بداية الاحتجاجات سلمية، ولم تكن هناك أية مظاهر مسلحة، ولكن مع بدء حكومة دمشق في استخدام القوة المفرطة والرصاص الحي ضد المتظاهرين، بدأت مسألة الانشقاقات ضمن صفوف الجيش، حيث ظهر العديد من الضباط يعلنون رفضهم تنفيذ الأوامر بقتل شعبهم، وبذلك تشكّلت نواة ما سُمي فيما بعد “الجيش السوري الحر”.

 مع مرور الوقت ازداد عدد الضباط والجنود الذين أعلنوا انشقاقهم، وبدأت الدوائر المختلفة في التواصل مع قيادات عسكرية وسياسية من أجل الانشقاق، والانضمام الى ما أسموها “المعارضة”، حيث تدخلت حكومات إقليمية، ودفعت مبالغ كبيرة لكل من يعلن انشقاقه، ليعلن حينها رئيس الوزراء السوري “رياض حجاب” والعقيد “مناف طلاس” وغيرهم العديد من الضباط انشقاقهم.

لم تدم هذه الأحداث طويلاً، وعندما حكومة دمشق بخطورة الوضع، قامت بإطلاق سراح السجناء الذين ارتكبوا جرائم كبيرة، وأيضاً المنتسبون إلى جماعة الإخوان المسلمين وغيرهم، وعملت على تسليحهم ودفعهم إلى فصيل الجيش الحر، لكن هذه القوى أيضا ارتكبت خطأ كبيراً عندما أرادت أن تستأثر بقيادة “الثورة”، فقامت بتشكيل مجموعات عسكرية خاصة بها، وبدأت بالتواصل مع الدول الإقليمية، مثل تركيا وقطر وغيرها، حيث تبنت هذه الدول تقديم الدعم اللازم، في الأسلحة والأموال ومحاربة حكومة دمشق، وحينها برز ارتباط هؤلاء بجماعات إرهابية كالقاعدة.

وأدى هذا التطور إلى تحول الاحتجاجات السلمية، إلى ما يشبه الحرب الأهلية، فتشكلت ما تُسمى بجبهة النُصرة، وكانت على علاقة مباشرة مع القاعدة، ومن ثم تحول الأمر إلى صراع وتصفية حسابات بين القوى المتصارعة، على الأرض السورية.

التدخلات الإقليمية والدولية في الصراع

جميعنا يعلم حجم النفوذ الإيراني داخل أروقة حكومة دمشق، منذ حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق، والتي وقف فيها نظام حافظ الأسد الأب حينها إلى جانب إيران ضد العراق، ومنذ بداية الحراك تدخلت إيران لصالح النظام السوري، وسوريا أصبحت حديقة خلفية لإيران، بالمقابل دخلت تركيا على الخط من خلالها دعمها اللامحدود لما أسمته بالمعارضة أو “قوى الائتلاف”، التي اتخذت تركيا مقراً رسمياً لها، وسلمتها زمام المبادرة، وهنا التحول الحقيقي للصراع، وبدأ نزيف الشعب السوري يزداد يوماً بعد آخر، وأصبحت القوى الإقليمية تبحث عن مصالحها، فوقّعت إيران العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية مع حكومة دمشق، وفي المقابل سلمت المعارضة المناطق التي سيطرت عليها في الشمال السوري، وفي حلب العاصمة الاقتصادية، إلى تركيا، التي قامت فيما يعد باحتلال العديد من المناطق السورية (جرابلس، إعزاز، عفرين، سري كانية، كري سبي).               

لم تقف القوى الكبرى (الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا الاتحادية)، موقف المتفرج على تزايد نفوذ القوى الإقليمية (إيران، تركيا)، فقامت القوتان بالتدخل المباشر، روسيا من خلال تفعيل اتفاقية التعاون الاستراتيجي الموقعة مع حكومة دمشق، والولايات المتحدة الأمريكية من خلال تشكيل تحالف دولي لمحاربة الإرهاب، وكان حليفها الرئيسي على الأرض، قوات سوريا الديمقراطية، التي أثبتت بما لا يترك مجالاً للشك، بأنها القوة الوحيدة المنضبطة والقادرة على إلحاق الهزيمة بداعش الإرهابي، في معركة الحسم بالباغوز.     

ولادة وتفريخ المجموعات المرتزقة وداعش 

بعد دعم تركيا والعديد من دول الخليج وفي مقدمتها قطر، الدعم اللامحدود للإخوان المسلمين الذين سرقوا ثورة السوريين، فشكّلوا مجموعات متنوعة ومختلفة، وأصبحت المناطق التي سيطروا عليها حاضنة لانطلاقة مرتزقة داعش منها، فسيطرت مرتزقة داعش على مناطق واسعة في العراق وسوريا، في فترة زمنية قصيرة، واختارت مدينة “الرقة” السورية عاصمة لخلافتها المزعومة.

 وخلال سيطرتها على تلك المناطق، قامت مرتزقة داعش بقتل الآلاف من الأبرياء، وفرض رؤيتها وفكرها الخاص على النساء، وهاجمت شنكال، حيث استباحت الأرض والعرض، وأصبح بيع النساء الإيزيديات في أسواق النخاسة في الموصل والرقة وغيرها، لكن قوات سوريا الديمقراطية، استطاعت أن تقضي على تلك المرتزقة وتقويض داعش في آخر معاقله في بلدة الباغوز بدير الزور السورية، ولكن على الرغم من ذلك، لم ينته فكرياً، فما زالت هناك خلايا نائمة تعمل على إعادة إحياء داعش، مرة أخرى وبدعم واضح وصريح من دولة الاحتلال التركي.

ملتقى العشائر السورية والحلول المنطقية 

وللوقوف في وجه الأخطار المحدقة بإقليم شمال وشرق سوريا، وعلى رأسها التخلص من الإرهاب، جاء انعقاد ملتقى العشائر والمكونات السورية، الثاني في 25 أيار الفائت بالحسكة، الذي نظمته الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، ومجلس سوريا الديمقراطية، وبمشاركة قوات سوريا الديمقراطية، وتحت شعار “حوار، أمان، بناء، من أجل سوريا موحّدة لا مركزية”، فأكّد المشاركون على مدى أهمية مشاركة شعوب ومكونات سوريا في القضاء على الإرهاب، والبحث عن الحل السياسي لهذه الأزمة، التي ألحقت ضرراً كبيراً بعموم الشعب السوري، وقد شاركت في الملتقى أكثر من 5000 شخصية وطنية عشائرية، وسياسية، ودينية وثقافية، والجميع أكدوا على أن الاحتلال يبقى العقبة الأساسية في الوصول إلى حل سلمي وسياسي للأزمة السورية.

والكلمات جميعها، التي ألقيت في الملتقى، أكّدت على ضرورة بذل المزيد من الجهود لتعزيز التماسك والتكاتف بين شعوب المنطقة، بعد التضحيات الكبيرة التي قدموها من أجل استمرار الأمن والاستقرار في المنطقة، والدفاع عنها ضد قوى الظلام والإرهاب والتطرف، وخاصة المرتبطون بدولة الاحتلال التركي ومرتزقته، الذين يعيثون فساداً في المناطق والمدن السورية المحتلة.

ومخرجات وتوصيات الملتقى، جاءت في صالح الشعب السوري عموماً، حيث رأى المجتمعون ضرورة تفعيل آليات الحوار السوري ـ السوري، والحل السياسي للأزمة، وفق القرار الأممي 2254، وأنه واجب على جامعة الدول العربية، والاتحاد الأوربي، والأمم المتحدة، والمجتمع الدولي، لعب دور بناء في إنهاء هذا الصراع الدامي، وأن أيديهم ممدودة للسلام، ومنفتحون على الحوار مع الجميع بمن فيهم تركيا.

كما طالب المجتمعون ضرورة تطوير وتوفير الخدمات الحياتية اليومية، وإيلاء الأهمية بالقطاعِ الزراعي والثروة الحيوانية، والقطاعات الأخرى، ومكافحة المخدرات بالسبل كافة، وضرورة نبذ العنف والتطرف، والنزاعات الداخلية، بين أبناء الوطن الواحد، حفاظاً على اللحمة الوطنية، على أن يكون مجلس سوريا الديمقراطية، المظلة الوطنية السورية الجامعة، لشعوب المنطقة ومكوناتها.

تبقى الإدارة الذاتية الديمقراطية، بعد مرور أكثر من عقد من الزمن على تأسيسها، هي الحل الأمثل والأنسب للأزمة السورية، لقد أثبتت الإدارة الذاتية، لشعوبها، وللعالم أجمع، أنه بفضل التضحيات الجسام، التي قدمتها هذه الشعوب مجتمعة، استطاعت أن تحافظ على وحدة الأراضي السورية، وأن تجسد شعار “واحد واحد واحد الشعب السوري واحد”، الذي صدحت به حناجر أبناء الشعب السوري، في مختلف المناطق في بداية الاحتجاجات السلمية، وهذه الإدارة التي أصبحت نموذجاً يُحتذى به لدى الكثير من شعوب العالم، من حيث العيش المشترك وأخوة الشعوب، والتعاون والألفة والتسامح بين شعوب إقليم شمال وشرق سوريا.