سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

اكتئاب ما بعد المونديال .. عَرَض عابر أم اضطراب مُقلق؟

يتحوّل المونديال كل أربع سنوات لشغل الناس الشاغل حول العالم، بحيث تغدو متابعة منافساته ومجرياته الحدث الأبرز الذي يسيطر على يومياتهم، ومع امتداد البطولة الكروية الأكبر للعبة الرياضية الشعبية الأولى على مدى نحو شهر، يُحذّر خبراء ومختصون في الصحة النفسية من تعرض الكثيرين من متابعي المونديال، لصدمة إسدال الستار على فعالياته والمعاناة من اكتئاب وتكاسل.
الاختصاصيون والخبراء النفسيون والاجتماعيون يشيرون إلى أن ذلك يعود أساساً إلى تعوّد المشجعين والمناصرين للفرق المشاركة، على نمط حياة شبه يومي حماسي ومتجدد قوامه التشويق والتنافس وكسر الرتابة وتفريغ الشحنات العاطفية، في سياق صراع كروي يقوم على الإمتاع والإبداع.
وأشاروا إلى ضرورة التوازن وضبط الانفعالات وعدم الشطط والانجرار بعيداً في التحسر والتذمر لدى بعض عشّاق “الساحرة المستديرة” بسبب انتهاء المونديال، والتركيز على العودة لنمط حياتهم المعتاد مع البحث عن هوايات وأنشطة ممتعة ومفيدة، بما يبدد لديهم شعور الاغتراب والضجر ضمن ما يُعرف باكتئاب ما بعد انتهاء بطولة كأس العالم.
ماذا يقول الطب النفسي؟
يقول الاستشاري والخبير النفسي قاسم حسين صالح، في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية”: “اكتئاب ما بعد المونديال هو عرض نفسي شائع لدى كثيرين من عشاق كرة القدم، والذين يشكل المونديال ذروة تفاعلهم مع تلك اللعبة وتعبيرهم عن تعلقهم القوي بها، وهو ما تقف خلفه ثلاثة أسباب سيكولوجية أساسية:
ـ الأول: يرتبط بحاجة متأصلة بالطبيعة البشرية، وهي نزعة الإنسان للصراع مع الآخر الذي تطور لصراع بين الدول، وهكذا ثمة شبه كبير بين ساحة الحرب وساحة اللعب، ففي الحرب جيشان يتقاتلان من أجل انتصار أحدهما وهزيمة الآخر، وهذا ما يحصل بالضبط في مباراة كرة القدم، والتي تبدأ بعزف الأناشيد الوطنية ورفع الأعلام والرموز، وهكذا يعيش المنتصر نشوة الإنجاز ومتعة التفوّق على الآخر مصحوباً بأقصى انفعالات الفرح والرقص والتنفيس عن المكبوتات، فيما يعيش المهزوم مرارة الخسارة والأسى والشعور بجلد الذات.
ـ الثاني: حاجة الإنسان إلى التماهي مع المنتصر بمعنى تمثّل الشخص صفة من الآخر ليتحوّل كلياً أو جزئياً على غراره، أو أن يندمج به كلياً ويصير كلاهما (هو وفريقه) واحداً، وهذا ما حصل كثيراً بين جمهور المشجعين، فبينهم من تتملكه حالة هستيريا تشحن مركز الانفعالات بدماغه بتدفق هرمونات تدفعه إلى التعبير عن الشعور بالزهو وتفريغ للعنف وتنفيس للعدوان المكبوت بتصرفات بينها نزع الملابس والرقص فرحاً بالانتصار، فيما ينتاب المهزوم الشعور بالإحباط والتذمر والبكاء والانزواء.
ـ الثالث: في ظل رتابة الحياة اليومية وروتينها الممل غالباً، فإن الدماغ يحتاج لتنشيط وتحفيز، وهنا فلعبة كرة القدم بما فيها من ترقّب وإثارة وصراخ تزيح عن الدماغ انشغاله اليومي بالمشاغل والهموم الحياتية، وتنعشه بما تُحدِثه من انفعالات وإيعازات بإفراز هرمونات منشطة.