استراتيجيات المواجهة الجديدة مع الإرهاب

رياض درار –

بعد التخلص من داعش؛ ستكون ولادات جديدة للإرهاب من خاصِرة الحدث الذي انتهى شكليّاً في الباغوز. ورغم التضحيات الكبيرة التي قدمتها قوات سوريا الديمقراطية، فإن الحدث لن ينتهي، ولعله بدأ قبل أن ينتهي لعدد كبير من مقاتلي داعش وهم بالآلاف، ومنهم من يتخفى وراء المسكنة والذل. ولكنه؛ يُخفي مخططات بدأت في سراديب وأنفاق الباغوز.

كنا في صيدنايا أثناء الاستعصاء الشهير 2008 وكان عدد السجناء الإسلاميين من مختلف التنوعات يزيد على ألف من مجموع السجناء، الذين بلغَ عددهم 1300 سجين. وفي نهاية أيام الاستعصاء؛ قرر عدد من السجناء الاستسلام، وكانت الخطة أنهم خارج السجن سيكونون أفضل حالاً؛ لأنهم سيُكمِلون الجهاد بدل الموت العبثي. ولكن؛ ثلة قليلة آثرت البقاء. ولعلي أقول أن هؤلاء كانوا يعرفون مدى إجرامهم، وأنهم محكومون بالموت، فلا أمل لهم بالخروج، وهؤلاء انتهى أمرهم باقتحام القوات المحاصرة للسجن وقتلهم جميعاً. لكن؛ وكما نعرف؛ فإن المستسلمين خرجوا مع أحداث الثورة السورية، فكانوا ثورة مضادة، واستمروا في تشويه صورة الحِراك المدني، ولقوا من داعمين كُثر تأييداً وخدمة جعلتهم يكونون الفصائل المتناحرة، كما كانوا في السجن متناحرين لا يتفقون. فكانت منهم أحرار الشام، وصقور الشام، والقاعدة في جبهة النصرة، وفتح الإسلام وغيرها في داعش. وهكذا تقسموا وتقاسموا، ولكنهم خلقوا وارثين لهم ولأفكارهم من دراويش الثورة، الذين صاروا أعلاماً لهم، وترويجاً لشعاراتهم، وترسيخًا لمقولاتهم.

لذلك؛ داعش تتبدد شكلًا. ولكنها؛ في الأذهان تتشدد، وتبرز مزاياها الإرهابية عِبر خلايا نائمة، وعِبر ذئاب منفردة، ومن خلال أسلحة منوعة مدفونة، أو مدفوعة من أطراف تعمل على تخريب التجربة الإنسانية لسوريا الديمقراطية؛ لأن بعض القوى ترى هذه التجربة أخطر عليها من بقاء التطرف الغبي، الذي يُمكنّها من خلاله أن تتلاعب بالأجندات الإقليمية وبالصراعات الدولية.

أكثر من 280 عملية تخريب واغتيال لحقت بالمناطق التي تحررت من داعش في شمال وشرق سوريا، وداعش ما زالت على قيد الحياة، سِواءً ماتت أو دُفنت؛ فإن دواعش جدد سيظهرون، وهذا ما يتطلب استعداداً وتحضيراً وتوقعاً، ورسم الاستراتيجيات القادرة على المواجهة وتخفيف الارتدادات الداعشية المتوقعة بأشكال عدة، مدفوعة من نظام الأسد الذي يريد استسلاماً سهلاً لمشروعه دون تغيير أو يستمر في تهديد وتدمير البلد. وكذلك من إيران وبدأت بشراء العملاء وتحضيرهم وهؤلاء لهم تجربة مع داعش المتحولة ويمكنهم شراءها لمصلحتهم. وتركيا التي لها مع داعش تأسيس وتنسيق منذ اتفاق الموصل بعد حادثة القنصلية التركية وهي تعمل على تحريك خلاياهم النائمة، وهناك عدة عمليات موثّقة لهم بأوامر من المخابرات التركية حصلت في مناطق عدة. الشيء الذي يجب تداركه أولاً هو تفريق جموع الأسرى الدواعش؛ فهم يشكلون مصدر لأفكارهم حيثما حلوا، وهناك نساء هم أكثر تأثيراً بما حملوا من أوهام الخلافة والجهاد. وإن متابعة المفرج عنهم أمر لا تنازل عنه فهؤلاء سيجدون الفرصة للتحول والعودة بمجرد شعورهم بالأمان ولا أثق بهم مطلقاً.

ومن أساليب المواجهة أن تتلاحم الجهات السياسية والشعبية، ويُعاد تنظيمها؛ بهدف الاستعداد لكل احتمال. ولكن؛ لا بد من الهجوم المدني المعاكس والمنظم، لوقف أي نشاط تبشيري أو ادعائي لمنظمات الإرهاب المستترة. ولا بد من تشكيل جسم مدني أو أكثر يقود التحول الديمقراطي، وينشر الفكر الإنساني، ويقدّم الأعمال الخدمية التي تمنع المواطن من بيع نفسه؛ بسبب حاجاته اليومية المفقودة. فلا بد من دعم اقتصادي ومعاشي للأفراد والعوائل، ورفع عبء المعيشة عنهم. ومحاربة الفساد الذي يدفع الناس لتقييم سلبي لمؤسسات الإدارة ويجعلها موضع تهمة وانعدام ثقة.

المرحلة القادمة هي مرحلة الهجوم الإعلامي والأمني والمخابراتي من الخصوم ضد الإدارة في شمال وشرق سوريا، فلا بد من إدراك ذلك وممارسة أقصى الحيطة وإيجاد سُبل الرد عليه. فلا تأمنوا لهم إنهم متحولون.