اختلاف الرؤى لا يُفسِد للود قضية

 نوري سعيد   

 أعلن وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم (إنه تقرر إيقاف الحوار مع الإدارة الذاتية) وفي الحقيقة كنا نأمل ألا تصل الأمور إلى درجة وقف الحوار، لأن اختلاف الرؤى لا يفسد للود قضية، وما نتمناه ألا يكون الإعلان عن وقف المحادثات بين الإدارة الذاتية والنظام السوري بضغط من تركيا عبر الوسيط الروسي. لأننا نُثمن إيجابياً ما تقوم به موسكو في شمال وشرق سوريا وبالأخص فيما يتعلق بالاجتياح التركي على مناطق الشمال والشرق السوري وحصره في كري سبي / تل أبيض، وسري كانيه / رأس العين، لأن أردوغان ودولة الاحتلال التركية كانت تنوي احتلال الشريط الحدودي مع سوريا من الفرات حتى دجلة، وبعمق 30 كم بعد أن تلقت الضوء الأخضر من ترامب، ومنذ ذلك التاريخ 9/10/2019 أصبحت الأنظار تتجه نحو الروس والشرطة العسكرية الروسية، والتوصل إلى تيسير الدوريات المشتركة مع الأتراك على طول الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا، ونأمل أن يكون الروس جديون وصادقون هذه المرة ولا يعيدوا سيناريو عفرين مرةً أخرى.

من هنا فإن إصرار الإدارة الذاتية على الحوار مع النظام هي قضية مبدأ كونها تؤمن بأن لا حل للأزمة السورية إلا من خلال مؤتمر وطني سوري شامل يكون القرار فيه سورياً، ولهذا لبت الإدارة كافة دعوات النظام للقاء به في دمشق، لأن الأمر يتعلق بمصلحة الوطن وشمال شرق سوريا يتعرض لهجمه شرسة من الطورانيين الجدد المتجذرين في تحقيق أحلام الوهم العثماني من جديد. وتركيا لديها ميول عدوانية توسعية تحاول تحقيقها عبر المجموعات المرتزقة من داعش والنصرة وما يسمى بالجيش الوطني السوري، الجناح العسكري للائتلاف السوري.

الدولة التركية المحتلة لا تريد الخير لسوريا وشعبها، وهي تستخدم الإخوان المسلمين حصان طروادة للتوسع في المنطقة، ليس هذا فحسب بل تحاول السيطرة على ليبيا والسودان، سيما بعدما وافقت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على دخول حرس الحدود السورية على طول الحدود، وقسد تعتبر نفسها جيشاً وطنياً لحماية جميع الأراضي السورية، وأثبتت ذلك عملياً وعلى أرض الواقع. وكذلك مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) المظلة السياسية لـ (قسد) والتي أعلنت مراراً بأن هدفها ليس استلام السلطة، بعكس الأطراف الأخرى، وكل ما تطالب به سوريا جديدة ديمقراطية لا مركزية تعددية تليق بكافة مكوناتها وشعوبها، تؤمن بأن السبيل إلى ذلك لن يكون إلا بالحوار، وحصل فعلياً أكثر من لقاء بين الإدارة الذاتية والنظام السوري، وهذا يعني أن الإدارة الذاتية لا تتلقى الإملاءات من أي طرف وقرارها مستقل ولا تتعدى العلاقة مع أمريكا الجانب العسكري والحرب ضد الإرهاب ضمن تحالف دولي يضم أكثر من 70 دولة، ومجلس سوريا الديمقراطية يدرك بأن من تدخل في الصراع السوري لا يهمه في الأمر سوى مصالحه.

لذا فإن التهم التي توجه إلى (قسد) عارية عن الصحة، ونحن نتأسف من تصريح وليد المعلم لأن ذلك لا يخدم الحل في سوريا، وكنا نأمل أن يكون العام الجديد فاتحة خير على السوريين وعلى وطننا وأن تسلك الأزمة طريق الحل السلمي لتعود البسمة التي فقدناها منذ أكثر من ثماني سنوات إلى شفاه السوريين، جراء الأطماع الدولية والإقليمية التي تصب جميعها في مصلحة الأعداء الذين يريدون تحويل سوريا إلى دولة ضعيفة لا حول لها ولا قوة. ولكن بهمة الأحرار والمقاومين ستتحطم مؤامرات الأعداء، وعلى صخرة تلاحم أبناء سوريا سوف تتحطم كل مخططاتهم الخبيثة، وسوف يتحقق الحوار السوري –السوري وسنتجاوز الأزمة رغماً عن الجميع، لأننا شعب يتصف بالاعتدال والتسامح والإصرار على التعايش الأخوي المشترك لأننا في النهاية سوريون ويجب تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية الضيقة، ولا بد أن تصفو القلوب وأن نبتعد عن الأحقاد والضغائن والتراشق بالتهم، لأن الوطن أسمى من كل شيء. وإذا كانت السياسة قد فرقتنا فإن الثقافة المشتركة تجمعنا وسوريا ستنهض من بين الركام وستبنى بأيادي الخيرين من أبناءها، سوريا ديمقراطية لا مركزية تعددية وستصبح نموذجاً يحتذى بها بين دول المنطقة، لأن الجذر التاريخي لشعوب ومكونات سوريا ينتمي لحضارات عريقة كالفينيقية والعربية والآشورية والآرامية والسوبارتية التي قدمت للبشرية المبادئ الإنسانية والقيم الأخلاقية، وكما انتصرت سوريا قديماً ستنتصر الآن ولن يحصد الغزاة الطورانيون والمتآمرون معهم سوى الخيبة والخزي والعار.