سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

اختارت أن تواجه الحياة بكسر الصورة النمطية والدخول إلى سوق العمل

كركي لكي/ ليكرين خاني –

أمور كثيرة دفعت سميرة إبراهيم لهذا العمل، الذي لا يغيب التعب عن تفاصيله، فكانت رغبتها الداخلية في توفير احتياجات أبنائها، وتحمّل مسؤولية استمرار العيش في وضع قاسٍ؛ مكّنتها من تعليم أبنائها السبعة، وتأمين الحد الأدنى في العيش بحياة كريمة لهم بالرغم من التحديات، التي واجهتها في سوق العمل.
إن إحراز التوازن بين العمل، والحياة الشخصية لا يمكن أن يعدَّ من ثانويات الحياة، بل أصبح يشكل الهدف الأساسي فيما يتعلق بالمرأة العاملة، إذ تجد في كل يوم من حياتها قصة كفاحٍ، وتحديًا لتخطي العقبات كلها، التي تواجهها بكونها أماً وامرأة عاملة في الوقت نفسه، ومن أجل اثبات قدرتها في تحمل المسؤولية، وفي القيام بواجباتها على أكمل وجه، دون تأثير أو تقصير، فالمرأة تحلم دوماً بواقع أجمل، وحياة أفضل لها ولعائلتها، الأمر الذي يجعل من العمل خارج المنزل حتمية من حتميات العصر الجديد، وضرورة للحفاظ على مستوى معيشي جيد، فإن عمل النساء خارج نطاق القوالب، سمح لهن بكسر قيد كان من الممكن أن يعرض الأسر، التي تنتمي إليه لمشكلات، حيث أن عمل المرأة يوفّر حدًا أدنى من التعليم والعيش الكريم.
قبل قيام الحرب التي دارت رحاها  في  أغلب المناطق السورية، كانت تعيش سميرة إبراهيم “أم حمزة” وسط عائلتها حياة كريمة من غير حاجة ولا عوز، كحال معظم الشعب السوري، ولكن اجتاحت الحرب هدوء واستقرار عائلتها، لتثقل كاهلها المصاريف الدراسية لأبنائها، فزوجها يعمل بأجر شهري بسيط، ولا يستطيع سد احتياجات الأبناء، فاندفعت سميرة في أكثر من اتجاه، ورفضت أن تقبع تحت العوز والفقر، ورفضت أن يعيش أبناؤها وسط ظروف اقتصادية صعبة، ودخل شبه منعدم، فتمكنت بإصرارها وقوة إرادتها، أن تنهض بأسرتها، ليكمل أبناؤها تعليمهم الجامعي.
رحلة شاقة في البحث عن مورد رزق
تمضي سميرة؛ المرأة الخمسينية من سكان ناحية كركي لكي، معظم وقتها في بيع الألبسة المستعملة، عازمة على النهوض بأعباء جديدة، فرضت عليها، تقف تلك الأم كالسد المنيع بوجه صعوبات الحياة ومرارتها، إحساسها بالمسؤولية يدفعها لأن تكون جزءاً فاعلاً في التصدي، لكل ما يواجه أسرتها. ولكي نعرف تفاصيل قصتها، كان لصحيفتنا روناهي لقاء معها، حيث أخبرتنا: “أعمل في هذه المهنة منذ خمس سنوات، واختلفت الأوضاع بنا كثيراً، ولكن تبقى البالة دائماً هي طوق النجاة، من الغلاء الكبير للأسعار داخل المحلات والمولات التجارية، والأمر لم يعد مقتصراً على شريحة بعينها، فمختلف الطبقات يترددون على محلات “البالة” من أجل شراء الملابس المستعملة”.
وتضيف: “بات كل شخص في وقتنا الصعب، يعيش محتاراً في لقمة عيشه، لذا قرّرت الاعتماد على نفسي، وبدأت رحلة شقاء في البحث عن مورد رزق يجنبنا الحاجة، وعندما عجزت عن ذلك، ابتكرت عملاً لنفسي، وقمت باستئجار أحد المحلات، وملأته بالبضائع، التي كنت أشتريها، مستدينة ثمنها، والسداد عند المبيع، ومردود عملي هذا أصبح يؤمن نفقاتي أنا وأبنائي”.
وتشير سميرة إلى أنها تنقلت خلال خمس سنوات، إلى خمسة محلات، نظراً لجشع مالكي المحلات، وتضيف أنها لم تختر تلك المهنة، التي تعدّها صعبة، لكن القدر هو من وضعها أمامها؛ لتصبح مورد رزقها الوحيد.
وتؤكد سميرة: “المرأة العاملة في مجال بيع الملابس المستعملة، تعاني أوضاعاً كارثية، تتراوح بين الضياع والتهميش، بسبب الجشع من ناحية التجار”، مشيرةً إلى أن المرأة العاملة في هذا المجال بحاجة للدعم، حتى تضمن حياة كريمة ومستقلة.
عائلتي ملجئي للاستمرار في عملي
وتقول سميرة: “لقد شهدت تحديات ظهرت في طريقي، وأنا مؤمنة قوية، الأمر كله يتعلق بما يدور في عقولنا، إن التحدي هو أن تثبت نفسك، لكن لا تقبل كل النساء ذلك التحدي، فهن بحاجة إلى أن يتمتعن بروح القتال الصحيحة من أجل إثبات ذاتهن”.
وأضافت: “إنني دائما بحاجة إلى دعم ومساندة عائلتي، لكي أتمكن من المضي في مستقبل ناجح لي ولهم؛ وللعبور إلى بر الأمان في الوضع الاقتصادي الصعب الراهن، الذي تمر به المنطقة”.
وعن التحديات والمعوقات القائمة، تتحدث سميرة قائلةً: “الدخل لا يتناسب مع الحاجيات، ورغم ذلك أستمر في العمل، فتأمين حق البضاعة، ومصاريف الكهرباء، وتأمين أجرة المحل، كلها لا تزال عوائق أعاني منها، بالإضافة إلى معاملة التجار الصعبة، ولكن لا أفضل الجلوس في المنزل، وأريد أن أواجه هذه الحياة وصعابها، بعزيمتي، وأنا فخورة أنني استطعت أن أمد يد العون لزوجي، ومساعدته في تأمين المصاريف لأبنائنا، وأشجع النساء كلها على العمل، والخروج من القوقعة، ومواجهة الحياة، والذهنية الذكورية، وتحطيم المفاهيم النمطية، التي تحظر على المرأة الدخول إلى سوق العمل”. فمثال سميرة إبراهيم هن نساء كثر، يمثلْنَ الأمل، ويمنحن القوة والشجاعة لمن حولهن، مثابرات، صابرات، مكافحات، ملهمات، ينسجن حكايات فيها الكثير من الجمال، منهن أمهات بسيطات أفنين سنوات حياتهنّ من أجل أسرهنّ، ولتوفير تعليم جيد للأبناء مع متطلبات العيش الكريم.