سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

احتلالٌ وتغيير ديمغرافيّ بكلفةٍ مجانية

رامان آزاد_

نفذت أنقرة في سوريا مشاريع ومخططات مجاناً، فقد احتلت مناطق فيها بواسطة مرتزقة سوريين، ثم جعلتِ المناطقَ المحتلة تابعة إداريّاً للولايات التركيّة المقابلة، واستفادت ماديّاً من المشاريع الاستثماريّة في مجال الخدمات (المياه والكهرباء والضرائب واعتماد العملة التركيّة)، واستفادت من اللاجئين السوريين اقتصاديّاً، وتسولت على حسابهم، وهي ماضية في تثبيتِ الاحتلالِ عبر التغييرِ الديمغرافيّ بعناوين “إنسانيّة”، لتصرفَ عوائد الخطة انتخابيّاً وفي مواجهةِ المعارضةِ!
مؤتمر المانحين
تلاعبت أنقرة بملف اللاجئين السوريين بكلّ التفاصيل، والصحيحُ أنّها لا تعتبر السوريين على أراضيها “لاجئين” وفقاً للقانونِ الدوليّ، بما يفرضه ذلك من التزاماتٍ قانونيّة، بل أدرجتِ اللاجئين السوريين تحت مُسمّى “الحماية المؤقتة”، ومنحتهم بطاقات حماية (كيملك)، وفي 18/3/2016 عقدت اتفاقاً مع الاتحاد الأوروبيّ تضمن حصول أنقرة على مساعدات ماليّة مقابل تعهدها بإغلاق طريق الهجرة إلى أوروبا أمام السوريين.
ولوّح أردوغان في كثيرٍ من المناسباتِ بملف اللاجئين السوريين، وإمكانية ضخّ اللاجئين إلى أوروبا، وبذلك ابتزت دول الاتحاد ماديّاً وسياسيّاً.
وآخر مناسبة للدعم الدوليّ للاجئين جاء عبر انعقاد مؤتمر المانحين في بروكسل الثلاثاء 10/5/2022، بمشاركة ممثلين عن 55 دولة و22 منظمة دوليّة، لكنه استبعد روسيا، وخاطب المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا، غير بيدرسن الحشد، قائلاً: “رسالتي تظل نفسها التي نقلتها لمجلس الأمن؛ لا تفقدوا التركيز على سوريا”،  وقال مفوض الاتحاد الأوروبي، أوليفر فاريلي، إن «التعهدات الإجمالية تصل إلى 6.4 مليار يورو، أو 6.7 مليار دولار، وجاءت على النحو التالي: المفوضية الأوروبية 3 مليارات يورو، ألمانيا 1.3 مليار يورو، الولايات المتحدة 800 مليون دولار، اليابان 90 مليون دولار، السويد 73 مليون دولار، قطر 50 مليون دولار، التشيك 4.7 مليون يورو، كرواتيا 1.5 مليون يورو.  والسؤال أين ستذهب هذه المبالغ وما هي آليات إنفاقها؟
وفي إشارةٍ إلى تصريحاتِ مسؤولين أتراك لإعادةِ ما يزيد على مليون لاجئ سوريّ في تركيا، قال رئيس بعثة الاتحاد الأوروبيّ إلى تركيا، نيكولاس لاندروت: “إنَّ ظروفَ في سوريا غير مواتية لعودةٍ واسعةٍ النطاقِ للاجئين السوريين في تركيا”.
 قالت “ليندا توماس غرينفيلد” سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة، إن عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم لا بد أن تتم على أساس العودة الآمنة والكريمة والطوعية، وهذه الظروف “غير متوفرة في الوقت الحالي”.
قالت منظمة “أنقذوا الطفولة” إن نتائج مؤتمر بروكسل السادس حول سوريا كانت مخيبة للآمال، مشيرةً إلى أن احتياجات الأطفال في سوريا ودول الجوار “هائلة”، وأن 99٪ من الأسر السورية في لبنان ليس لديها ما يكفي من المال لشراء الطعام. 
السوريون منتجون
الواقع أنّ معظم السوريين في تركيا منتجون وليسوا عبئاً عليها، وحديث الحكومة عن نفقات على اللاجئين السوريين مبالغ فيه لدرجة الكذب الفاضح، وتقول الإحصائيات التركيّة إنّ مجموع السوريين في المخيمات هو فقط 56191، موزعين على سبعة مخيمات في أضنة وهاتاي ومرعش وكيليس وعثمانيّة، ففي إسطنبول وحدها 525 ألف، وفي عينتاب نحو 450 ألف، وفي هاتاي 435 ألف، وفي أورفا 424 ألف وفي كِلّس 105 آلاف.
ذكر وزير الداخلية التركي سليمان صويلو في 5/5/2022، إنَّ عدد السوريين الحاصلين على الجنسية التركيّة الاستثنائيّة، منذ عام 2011 وحتى اليوم، 200 ألف و950 لاجئ سوريّ، وعدد البالغين بينهم 113 ألف و654، وأشار إلى وجود 47 ألف سوريّ “تركمانيّ” ممن تجنّسوا، أي أنّ هؤلاء أضحوا مواطنين أتراكاً، ولا يجوزُ احتسابهم على السوريين، وبينهم كثير من حملة الشهادات الأكاديميّة والمستثمرين! كم أشار إلى أنَّ عدد اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا، لم يزداد منذ عام 2017، رغم ولادة 700 ألف طفل، وقال صويلو إنّ حجم الصادرات التركيّة زاد بفضل السوريين بنحو 3 مليارات دولارات.
بحسب تصريحات سابقة لوزيرة التجارة التركيّة، روهصار بك جان، وصل عدد الشركات التي يملكها سوريون في تركيا إلى 13 ألفاً و880 شركة، بنسبة 29% من مجموع الشركات المملوكة لأجانب في البلاد، ووفّر رجال الأعمال السوريين، منفردين أو بالتشارك مع الأتراك، نحو 450 ــ 500 ألف فرصة عمل في تركيا.
ونقلت صحيفة Turkiyegazetesi في كانون الثاني 2022، عن رئيس جمعية رجال الأعمال والصناعيين العرب، (أسياد)، عبد الغفور صالح عصفور، أنّ استثمارات رجال الأعمال السوريين في تركيا تجاوزت 10 مليارات دولار أمريكي، والواقع أنّ حجم الاستثمارات أكبر من ذلك!
في 9/5/25022، قال نائب وزير الداخلية التركي، إسماعيل جاتاكلي، في لقاء تلفزيونيّ: إنّ “هناك فهماً خاطئاً بين المواطنين الأتراك بأنَّ كلَّ أصحابِ البشرةِ الداكنة هم لاجئون، وما تتناقله بعض وسائل الإعلامِ المعارضةِ عن اللاجئين السوريين هو في مجمله كذبٌ، والأرقام يتم تضخيمها عمداً، ثم يتم تداولها كأنّها حقيقة”.
ونفى المسؤول التركيّ أنَّ السوريين يتقاضون راتباً، مؤكداً أنَّ بعضهم “يتلقَّون دعماً بقيمة 155 ليرة تركيّة على بطاقة الهلال الأحمر، وهي مساعداتٌ مموّلةٌ من الاتحادِ الأوروبيّ، كما يدفعُ السوريون فواتير المياه والكهرباء والغاز، وفي التعليمِ الجامعيَ، هم يعامَلون مثل بقية الأجانب، وليس هناك منحة أو تخفيض للسوريين كما تشيع المعارضة”.
كما نفى جاتاكلي بالمطلق الشائعات حول مجانية خدمات السيارات للسوريين، وعدم دفعهم الضرائب السنويّة، وتسهيل الحصول على الجنسية التركيّة الادعاءات، وقال: “السوريون يدفعون الضرائب وتكلفة الخدمات مثل المواطنين الأتراك”.
وأضاف “قانوناً، يمكن الحصول على الجنسية التركيّة بعد خمس سنوات، لكن حاملَ (الحماية المؤقتة) لا يُعاملُ كذلك، حتى لو انتظر 30 عاماً تحت الحماية المؤقتة، وحول منح السوريين حق التصويت في الانتخابات البرلمانيّة والرئاسيّة القادمة ذكر أنّ العدد الإجمالي للسوريين الحاصلين على الجنسية التركية لا يتجاوز 200 ألف”.
خطة للتغيير الديمغرافيّ
الخطة التي أعلنها أردوغان في 3/5/2022، بعنوان العودة الطوعيّة لمليون سوريّ، والتي تتضمن مشروع بناء 250 ألف منزل في 13 منطقة في الشمالِ السوريّ، تهدفُ في حقيقتها إلى تثبيتِ التغيير الديمغرافيّ، والزعم أنّ اللاجئين سيعودون إلى مناطقهم، كذبةٌ مفضوحةٌ، لأنّ عودةَ المرءِ إلى بلدته ومنطقته لا تتطلبُ مشاريعَ سكنيّةً، وإنّما تتطلب فقط ضمانات العودة الآمنة.
من جهةٍ ثانيةٍ يحاول أردوغان استغلال ملف اللاجئين السوريين لغايةٍ انتخابيّةٍ، كما يعمل على استثمار العدوان على شمال سوريا واحتلال مناطق فيها والترويج على أنها تخدم الأمن القوميّ التركيّ… رغم أنّ تركيا لم تكن مستهدفةً على طول الحدود، ولم تواجه أيّ مخاطر، إلا أنها أرادت نقل مشكلتها الداخلية عبر الحدود إلى سوريا، وهل تدخّلت في ليبيا وأذربيجان بسبب المخاوف الأمنيّة؟
كلُّ الجعجعةِ التركيّةِ حولَ اللاجئين السوريين تتعلقُ بنحو 56 ألف سوريّ في المخيماتِ، والسؤالُ ما حجمُ الخيراتِ التي تمَّ نقلها من سوريا إلى تركيا اعتباراً من معاملِ حلب إلى زيتِ عفرين وتجارة الآثار وقمح الجزيرة؟
معروفٌ أنّ المعاملَ والمصانع التركيّة كانت ترغب بتشغيلِ السوريين وتفضّلهم على الأتراكِ بسببِ تدنّي الأجورِ، وبحسابِ فرق الأجر الذي يتقاضاه مئاتُ آلافِ السوريين كان بالإمكان تقديمُ خدماتٍ نوعيّةٍ للاجئين السوريين دون أيّ مساعدات حكوميّة أو خارجيّة.
في 21/1/2018، وهو ثاني يومٍ للعدوان على عفرين، حيث تنكّر أردوغان لحقيقةِ أنّ نسبة الكرد فيها تتجاوز 95%، وقال في تجمع أمام أنصاره ببورصة إنَّ 55% من سكان عفرين عرب، و35% هم من الكرد جاؤوا لاحقاً، والهدف الأساسيَ لعملية عفرين هو إعادتها لأصحابها الأصليين، وكان ذلك أولى إشاراتِ خطةِ التغييرِ الديمغرافيّ، وقبيل العدوان في 9/10/2019 على مناطق في شمال سوريا، صرّح عدة مراتٍ أنّ حكومته أنفقت نحو 40 مليار على اللاجئين السوريين، وكان ذلك لمجردِ الدعايةِ لتبرير العدوان، وحمل أردوغان خريطة أمام اجتماع العامة للأمم المتحدة في 24/9/2019، ليتحدثَ عن “المنطقة الآمنة”، لتكون الإطار المكانيّ لبناء 200 ألف منزل، لإعادةِ مليوني لاجئ سوريّ بكلفةٍ 27 مليار دولار!

 

 

 

 

 

 

 

الزمن الانتخابيّ
شددتِ المعارضةُ الخناقَ على أردوغان قبل عام من موعد الانتخابات الرئاسيّة التركية، وطالبته بترحيل السوريين إلى بلادهم، وقالوا إنّ وجودهم يزيد من أزمة البلاد الاقتصاديّة والسياسيّة، ولكن خطة أردوغان تحتاج أموالاً كثيرةً لحلِّ أزمة اللاجئين.
ويرى مراقبون أنّ دولاً خليجيّة ستساعد في تمويل العمليّة، وبخاصةٍ بعد التقارب الذي حصل أواخر الشهر الماضي، بين تركيا والسعودية، والزيارة التي قام بها أردوغان إلى السعودية في 28/4/2022، ولقائه بالعاهل السعوديّ وولي عهده، بعد سنواتٍ من القطيعةِ السياسيّة بين البلدين، على خلفيّة اختلاف المواقف حول سوريا ومقتل الصحفيّ السعوديّ جمال الخاشقجي وقبلها زيارته إلى الإمارات العربيّة المتحدة في 14/2/2022.
وفي هذا التوقيت جاء سعي أنقرة لفتح صفحة جديدة في علاقاتها مع خصومها الإقليميين، في إطار خطة تهدفُ إلى تصفير مشاكلها الخارجيّة والالتفات بعد ذلك لأزماتها الداخليّة التي تفاقمت في السنوات الأخيرة بفعلِ الأزمة الاقتصاديّة الخانقة، التي تجلت بتدهور قيمة العملة المحليّة، وارتفاع نسب الفقر والبطالة والتضخم الذي بلغ مستويات قياسيّة لم تشهد له البلاد مثيلاً منذ أكثر من عقدين.
وقد لا يسعف الوقت أردوغان في إنجاز خطته حتى موعد الانتخابات المقررة في حزيران 2023، إلا أنّها معركة لا بد منها، والانتخابات قد تحدد مصير العدالة والتنمية السياسيّ وليس أردوغان وحسب، والسؤال الأهم يتعلق بقناعة مئات آلاف السوريين الذين التمسوا أسباب الاستقرار في المدن التركيّة، كما أسسوا نشاطات اقتصاديّة.
والمفارقة أنّه في الوقت الذي تستمر فيه الأزمة الاقتصاديّة في البلاد وحالة الغلاء، أعلن أردوغان في 9/5/2022، في كلمة خلال فعالية بمناسبة الذكرى الـ 32 لتأسيس جمعية رجال الأعمال والصناعيين المستقلين الأتراك “موصياد”. أنّ بلاده تحقق أرقاماً قياسيّة في قطاعي الصادرات والإنتاج الصناعيّ، وأوضح أردوغان أن قيمة الصادرات التركية خلال العام المنصرم 2021، بلغت 225 مليار دولار، وأن هدف العام الجاري “يتجاوز هذا الرقم بكثير”. وأضاف أن تركيا تمضي بخطواتٍ ثابتةٍ نحو تحقيقِ هدفها المتمثل بالوصول إلى صادرات بقيمة 250 مليار دولار خلال عام 2022، وأكد أنَّ توظيفَ الأيدي العاملة في تركيا تجاوز عتبة 30 مليون شخص، وإنّ كانت هذه الأرقام يُراد بها طمأنة الأتراك والردُّ على المعارضةِ، إلا أنّها بالوقت نفسه، تطرح أسئلة حول استمرار الأزمةِ الاقتصاديّة، وأين تذهب إيراداتُ الدولة، إلا أنّ الإجابةَ تتعلقُ بالتوقيتِ الانتخابيّ.
من الحدود المفتوحة إلى الإغلاق بالنار
اتبعت أنقرة سياسة الحدود المفتوحة، واستبقت الأحداث وتحدثت عن لاجئين سوريين على أراضيها في بداية الأزمة، رغم أنّ أول مجموعات السوريين التي عبرت الحدود إلى تركيا عام 2011 ضمّت فقط نحو 400 شخص، بينما بلغ عدد السوريين عام 2012، في تركيا 14,237، وفي عام 2013 بلغوا 224,655.
الملاحظ أنّ عدد اللاجئين السوريين ازداد بالتوافق مع زيادة التدخل التركيّ المباشر في سوريا وفي عام 2014 بلغ عددهم مليون 519 ألفا و286، وفي 2015 أصبحوا 2 مليون و503 آلاف و49، وفي عام 2016 بلغوا 2 مليون 834 ألفاً و441.
وفي عام 2017 بلغوا 3 مليون و426 ألفاً و786 شخصاً وفي 2018 وصل عدد السوريين 3 ملايين و623 ألفاً و192 وفي 2018 أصبحوا 3 ملايين 576 ألفاً و370 شخصاً، وفي 2019 بلغوا 3 ملايين و641 ألفاً و370، وفي 2020 أصبحوا 3 ملايين و688 ألفاً و93 شخصاً. وبلغ 3 ملايين و744 ألف و139، بحسب آخر إحصائيات المديرية العامة للمديرية العامة لإدارة الهجرة التركية.
وتمت استضافة 256 ألفاً و971 لاجئ سوريّ في 26 مركز إيواء مؤقت أقيم في 10 مدن بسبب موجات الهجرة، إلا أنّ عدد المقيمين في مراكز الإيواء المؤقت انخفض تدريجيّاً وبلغ 185 ألفاً و156 في أيلول 2018، وانخفض إلى 55 ألفاً و518 شخصاً اعتباراً في حزيران 2021.
تركيا لا تخشى داعش ولا النصرة ولا الجهاديين من الجنسيات المتعددة الذين دخلوا سوريا عبر مطاراتها وحدودها، لا هدف لأنقرة إلا إنهاء وجود الكرد على الحدود في الحد الأدنى، ولو أمكنها إزالتهم من الوجود نهائياً لما ترددت، والمسلحون السوريون وحاضنتهم الشعبيّة يخدمون هذا الهدف تماماً…
المعادلة بسيطة جداً، فاعتباراً من خروجِ المسلحين من حلب في 22/12/2016 انتهى كلّ ما يتعلق بمسمى الثورة، وتحولت إلى مجرد شعارات وبيانات وبوصولِ الدفعةِ الأخيرةِ من مسلحي الغوطة في 15/4/2018 كان التحوّلُ النهائيّ إلى الجيوبِ التركيّةِ وإعلانِ الولاءِ لأنقرة، ولا تتجرأ كلّ المعارضة السياسيّة والمسلحة وحاضنتها أن تعودَ إلى مواطنها الأصليّةِ… وراحت تعوّض كلَّ انكساراتها في الشمال على حسابِ شعوبها وأهلها الأصليين، عبر ممارسة كلّ أنواع الانتهاكات، وكلُّ ذلك لا يخرجُ عن إطارِ التوافقِ الروسيّ ــ التركيّ.