سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

إلى من سيلوذ السراج عندما تُفرض عقوبات على حليفه التركي؟!

علي قاسم ـ صحيفة العرب

هناك دلائل قوية تشير إلى نوايا تركيّة لإرسال قوات عسكرية إلى الأراضي الليبية بتسهيل من ميليشيات مصراتة، ويؤكد المتحدث الرسمي للجيش الوطني الليبي، اللواء أحمد المسماري، الذي كشف عن النوايا التركية، أن الأتراك قد نقلوا فعليا عناصر من داعش والنصرة إلى داخل الأراضي الليبية. لن تدخل تركيا ليبيا بتكليف من الأمم المتحدة، ولم يتم انتدابها لتقوم بالمهمة من قبل المجتمع الدولي، ولم تعيّن وصياً على الليبيين من قبل الدول العظمى، تركيا هناك بطلب من السراج، الذي أبدى استعدادا للاستعانة بأية جهة للاحتفاظ بالحكم.
 ومن المفروض أن فايز السراج رئيس لما يسمى بحكومة الوفاق الوطني، التي ترأسها في تشرين الأول عام 2015، والمفروض أيضاً أنه مكلف بالدفاع عن مصالح ليبيا ومصالح الليبيين، ما حصل شيء آخر، سرعان ما اتضح أن السراج رهينة للميليشيات المتطرفة المرتبطة بالإخوان، ويأتمر بأوامر أطراف خارجية داعمة لهم. لذلك لم يتردد في طلب الحماية التركية، عندما أحس أنه لم يعد مرغوباً بوجوده في الحكم، وكان السراج قد بعث، الجمعة، رسائل إلى رؤساء الولايات المتحدة، وبريطانيا، وإيطاليا، والجزائر، وتركيا، طلب فيها تفعيل اتفاقيات التعاون الأمني لصدّ العدوان الذي تتعرض له العاصمة الليبية من أية مجموعات مسلحة تعمل خارج شرعية الدولة كما سماها.
وكشف مؤخراً عن طلب حكومة الوفاق تفعيل الاتفاقية الأمنية لحماية طرابلس، الموقعة مع إيطاليا، وهو ما رفضته الحكومة الإيطالية، معلنة تمسكها بالحل السياسي، مشددة على أن الأزمة الليبية يجب أن تحل سياسياً وليس عسكرياً، ويأتي هذا الطلب عقب إعلان حكومة الوفاق الوطني “الموافقة على تفعيل” مذكرة تعاون عسكري وقّعت مؤخراً مع تركيا. ولأن العالم يرفض اليوم أسلوب الحماية والوصاية والانتداب، وقّع السراج اتفاقيتين مع تركيا، تتيح الأولى لأنقرة توسيع حدودها البحرية في شرق المتوسط، وهي منطقة تختزن كميات كبيرة من النفط، ورأت دول متوسّطية عدة، منها مصر واليونان، أن هذه الخطوة غير قانونية كما رأتها بعض الدول الأخرى.

أما الاتفاقية الثانية فهي اتفاقية عسكرية، تكتم الطرفان على تفاصيلها، إلا أن هذا لم يمنع تركيا من إعلان استعدادها لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا دعماً للسراج، وما اقترفه السراج، فعله من قبله حكام ضعفاء مستبدّون، باعوا أنفسهم وبلادهم بثمن بخس في سبيل استمرارهم بالحكم. الأمر مع ليبيا وتركيا مختلف، لأنه يطال أمن حوض البحر المتوسط، وقد يهدد بإشعال المنطقة ويعرضها للخطر، وعلى العالم أن يأخذ اليوم بجدّ التحذيرات الصادرة عن البرلمان الليبي والجيش الليبي، ويحجر على السراج ويقيّد تصرفاته قبل أن يشعل المنطقة برمتها، خاصة وأن الاتفاقية التي وقعها باطلة قانونياً، كونها تحتاج موافقة أعضاء كلٍ من المجلس الرئاسي والبرلمان، الأمر الذي لم يحدث لتوقيع تلك الاتفاقية.
واشنطن، التي التزمت الصمت طويلاً، عبرت أخيرا عن انزعاجها من التحركات التركية، وأعربت عن قلقها من الاتفاق الأمني، واعتبرته استفزازياً، ونقل عن مسؤول أمريكي قوله “الآن فيما يتعلق بالحدود البحرية، ـ موجهاً كلامه لأردوغان ـ أنت تقوم بترسيم الحدود في اليونان وقبرص، من وجهة نظر الولايات المتحدة، هذا مثار قلق، وليس هذا هو الوقت المناسب لإثارة المزيد من عدم الاستقرار في البحر المتوسط، هذه المذكرة استفزازية، ومثار قلق لدينا ولدى الكثير من الدول”.
لقد أثبت أردوغان استعداده لارتكاب أية حماقات واشعال حروب تبقيه في الحكم، شاهد العالم مثالاً على ذلك داخل تركيا وخارجها، في الداخل التركي، وفي أعقاب محاولة انقلابية عام 2016، أشرف أردوغان بنفسه على حملات تطهير في الخدمة المدنية والقضاء والجيش والجامعات، ومنح لنفسه صلاحيات بموجب تعديلات فرضها على البرلمان والحكومة ليصبح الحاكم بأمره. مغامرة أردوغان خارج تركيا هي ما يهمنا، وهي الأخطر، حيث نصّب نفسه مدافعاً عن الإخوان المسلمين، وسخّر إمكانيات بلاده، مغامراً بعلاقاته مع دول الاتحاد الأوروبي، ومع الولايات المتحدة وحلف الناتو، في دعم المجاميع المرتزقة المتطرفة. ورغم تحذيرات واشنطن وتهديدها أنقرة بعقوبات اقتصادية، اتجه أردوغان صوب روسيا لشراء صواريخ من نوع إس 400، وكانت العلاقات بين الدولتين، المنضويتين في حلف شمال الأطلسي، قد تدهورت في الأشهر الأخيرة على خلفية شن أنقرة هجوماً على شمال وشرق سوريا واحتلالها مدناً هناك.
وتبنت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي اقتراح قانون يدعمه الحزبان الجمهوري والديمقراطي، يوصي بفرض عقوبات قاسية على تركيا ومسؤوليها، على خلفية صفقة الصواريخ مع روسيا، والهجوم على شمال وشرق سوريا، كل ذلك لم يردع أردوغان الذي هدد بإغلاق قاعدتي إنجرليك وكوريجيك، على الساحل الجنوبي الغربي لتركيا، قرب الحدود مع سوريا. ويستخدم سلاح الجو الأمريكي قاعدة إنجرليك في إطار مكافحة مرتزقة داعش في سوريا، وتضم قاعدة كوريجيك محطة رادار كبرى لحلف شمال الأطلسي. رد الفعل الأمريكي على قرار أردوغان كان في حدود الدبلوماسية، حيث طالبت واشنطن من أنقرة تقديم تفسير بشأن التهديد بإغلاق القاعدتين.
جاء الطلب على لسان وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر الذي اعتبر أن تركيا دولة ذات سيادة، وأن لديها الحق في استقبال أو عدم استقبال قواعد لحلف شمال الأطلسي أو لقوات أجنبية، ولكن ذلك لم يمنعه من التعبير عن خيبة أمله إزاء الاتجاه الذي تسلكه أنقرة، في ابتعادها عن حلف شمال الأطلسي وتقربها من روسيا، وعلى الرغم من المسحة الدبلوماسية لتعليق مارك إسبر، يمكن تلمس حجم الانزعاج الأمريكي من سياسة أردوغان الداعمة للتشدد والتطرف والإرهاب، والمعادية للمصالح الأمريكية في المنطقة، ومما لا شك فيه عاجلاً أو آجلاً، ستضطر واشنطن إلى اتخاذ إجراء عقابي لمواجهة تحديات أردوغان، عندها لن يجد السراج الذي رفع شعار عليّ وعلى أعدائي، معبداً يلوذ إليه ليس فقط من بطش الأعداء، بل ومن بطش الأصدقاء أيضاً.