إلى بيريتان.. آخر روايات الحرب والحبّ على الأرض

جل آغا/ أمل محمد –

تشرين الأول يومٌ مشمس ليس كسَابقه، نظرت إلى السماء الملبّدة بالغيوم، سمعت أصوات أصدقائها الذين يتدرّبون، همسات وضحكات، لربما قد تسمعها في يومها الأخير، بندقيّتها بجوارها، هي ليست مجرد أداة للحرب، هي التي عاشت معها على مدار أيام وأيام، تركت الكثير من الذكريات في جعبتها.. ألقت بناظريها إلى تلك الواحة الخضراء، التي قضت فيها أياماً لا تنسى، أيّامًا من السعادة، والكثير من الإصرار والنضال.

ألقت تحية الصباح على رفاق الدرب، رفاق النضال والحرية… ابتسامتها اليوم خافتة على غير العادة، ولكن لا يزال الكبرياء يشعّ من عينيها البرّاقتين… قطع صفوة هذه اللحظة صوتٌ قادم من بعيد، إنه صوت الخيانة من بندقية أخ يُحارب على الطرف الآخر.. أخذ الكلّ موقعه المعتاد، كانت” بيريتان” في مقدمة الفيلق كالمعتاد، لا يُخيفها شيء، حتى ذاك الموت، الذي كان يقترب منها رويداً رويداً.

على سفح ذاك الجبل، وبعد عراك طويل، وجدت نفسها على أعلى القمة.. العدو من أمامها، يمدّ يد الغدر والخيانة، ويُقنعها بالرضوخ لطلبه، ولكن روحها تأبى الاستسلام، تُفضل الموت على أن تقع أسيرة. تراجعت إلى الوراء، وشريط ذكرياتها مرَّ من أمامها، يومها الأول في المعسكر، كلمتها الأولى، وعهدها التي وعدت أن تمضي إليه، وجوه رفاقها، كلّ ذلك مرَّ أمامها كلمح البصر. وجاءت لحظة الحق، تلك اللحظة التي أيقنت أن الموت أرحم بكثير من البقاء على قيد الحياة تحت وطأة العدو.

ناداها أديم الأرض: تعالي إلى حضني يا صغيرتي، بدأت رحلتها من الأرض إلى السماء، هذه الثواني الأخيرة هي: الأصعب، ليس لأنّها فارقت الوجود، بل لأنّها كانت الثواني الأخيرة، لامرأة ناضلت بفكرها وجسدها في سبيل محاربة الرجعية والظلم، فتبللت جذور الأرض بدمائها العفيفة، ونبتت منها وردة الحرية.

 ثلاثون عاماً مرّت، لكننا إن أمعنَّ النظر، سنجد” بيريتان” في كلّ صرخة أنثى في، كل مولود جديد في الوجع وفي الأمل وفي الكفاح.. امرأة نظرت في عيني الشمس اللاهبة متسلحةً بتلك الروح، رسمت لوحة مكتوب عليها “لا للخيانة”.