سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

إعلان “الخلافة” والصمتُ العالمي… خياراتُ قسد؟!

آلان معيش (إعلامي كردي سوري)_

لم تكن مجردُ عملية انتحارية ولا استهدافٌ لأمن واستقرار المنطقة ولا حتى محاولةً لتهريب بعضٍ من عناصرِ الصف الأول من داعش، بل كانت شبيهة بإعلان “دولة الخلافة” من جديد، وهذه المرة من مدينة الحسكة في شمال وشرق سوريا الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
داعش لم ينته! هذه الرسالة التي لطالما همشها المجتمع الدولي، رغم المناشدات والتقارير الأممية التي تُحذر من انبعاث داعش من جديد؛ انطلاقاً من تكاثف تحركات خلاياه النائمة وأيديولوجيته التي تعششت في جمجمة حاضنيه.
ففي آخر ظهور لزعيم داعش “المقتول” أبو بكر البغدادي، في أغسطس/ آب من عام 2018، بعث رسائل مفادها أن “التنظيم لا يزال موجوداً وعازم على تكثيف هجماته حول العالم”. ورغم تلك الرسائل لم يكنّ العالم لها أهمية كبيرة، بل اعتبر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أن مقتل البغدادي سيُشل حركة تنظيمه ويقلص من قوته. ولكن؛ يبدو أن العالم والولايات المتحدة كانوا مخطئين هذه المرة، فداعش يجدُ في عناصره المعتقلين داخل سجون قسد وعائلاته المتواجدين في مخيمي الهول وروج، نقاطَ انطلاق لمسيرة إرهابية جديدة، خاصةً أن أغلبهم من المتشددين والمتعصبين لفكر داعش.
هُزم داعش أربع مرات، أولها كانت في كوباني وآخرها في الباغوز، مروراً بالموصل والرقة. ولكن؛ لم يُقضى عليه بشكلٍ نهائي ولم تنته عملياته الإرهابية؛ نظراً لتحصنه في البادية السورية، وتنشيط خلاياه في باقي المناطق، وفي هذه الأيام يحتاج إلى عناصر مدربة على فكره ومتشبعة به، ليتمكن من إعادة تنظيم نفسه وفرض قوته على الكثير من دول العالم، أهمها سوريا والعراق نقطة انطلاقه، والهجوم العنيف على سجن الصناعة في الحسكة الذي يعد الأكبر من نوعه، بعد هزيمته في آخر جيوبه بمنطقة الباغوز في ريف دير الزور، لتحقيق تلك الأهداف.
الدعمُ الأمريكي غيرُ كافٍ
كان العالم يعتبر سجن غوانتانامو أخطر سجون العالم، لتواجد عناصر من “القاعدة” وعددهم لا يتجاوز المئات وعليه حراسة مشددة ومحكمة من قبل جنود الولايات المتحدة، ومراقبة بمختلف التقنيات المتطورة التي تمتلكها واشنطن وحلف الناتو، على عكس المعتقلات في شمال وشرق سوريا، وبالرغم من العدد الكبير وخطورة خلايا داعش، إلا أن التحالف الدولي لم يزود حلفائه بالأساليب والتقنيات المتطورة والتي بمقدورها كبح أي استعصاء لعناصر داعش بسهولة.
تقاعسُ الدول عن محاكمة مواطنيها
من جهة أخرى؛ تقاعس أكثر من 50 دولة وخاصة الأوروبيين منهم عن القيام بمسؤولياتهم في محاكمة مواطنيها من عناصر داعش، وهذا ما أدى إلى تعقيد ملف المعتقلين، وأثقل كاهل القوات المحلية في حماية السجون ذي البنية التحتية الهشة، والتي لا تصلح أصلاً بأن تحوي هكذا أعداد كبيرة من الجهاديين والمتطرفين؛ كون غالبيتها كانت مدارس أو مراكز حكومية. ولكن؛ بعد الهجوم الكبير على أحد السجون في شمال وشرق سوريا، أدركت تلك الدول التهديد النابع من أكبر تجمع للإرهابيين في العالم، والذي بدوره سيستهدف كافة بلدان العالم انتقاماً لهزائمه المتكررة.
من الذي تكفل بدعم هجوم داعش؟
اختار داعش سجنُ “غويران”، من بين باقي السجون المتواجدة في المنطقة، برغبة من النظام السوري، الذي يمتلك قواعد عسكرية ومربعاً أمنياً شمال حي غويران، وبحسب مصادر، أن النظام السوري أيد هجمات داعش عن طريق ضغطه على قوات سوريا الديمقراطية واتهامها بارتكاب “جرائم حرب”، وبالرغم من خطورة خروج عناصر داعش عن السيطرة، لم تتحرك قوات النظام ساكناً، بل كشفت القوات الأمنية التابعة للإدارة الذاتية عن خلية قريبة من “المربع الأمني” واشتبكت معها ونتج عنها مقتل إرهابيين اثنين.
ولم تتوانى تركيا يوماً عن تقديم الدعم المادي والعسكري لداعش منذ بداية تأسيسه بدءاً من الموصل وصولاً إلى الباغوز. فحاولت تركيا تخفيف ضغط القوات العسكرية عن داعش، من خلال تكثيف هجماتها على ناحية عين عيسى الواقعة على الطريق الدولي /M4/، والزج بعدد كبير من قواتها على الحدود مع تل تمر. في حين أعاقت الدعم العسكري القادم إلى الحسكة عن طريق استهدافاتها المستمرة للطريق الواصل إلى المدينة.
لم تقف روسيا مكتوفة الأيدي أمام الفرصة الذهبية التي حصلت عليها للضغط على الولايات المتحدة، محذرة إياها بعدم توظيف قواتها الجوية لاستهداف خلايا داعش المختبئة بين منازل المدنيين في الأحياء المجاورة للسجن. وتزامناً مع رفض الإدارة الذاتية لشروط النظام السوري، وجدت فيها موسكو سبيلاً لإخضاعها أمام مبتغاها، وإجبار جميع الأطراف السورية للقبول بحكم “الأسد”.
قوة وتخطيط الهجوم يظهران أن وضعها استغرق مدة تتجاوز الثلاثة أشهر، ويبدو أنه صُدق من قبل الدول الضامنة لآستانا، حيث المشاركين من أول المستفيدين من إضعاف قسد، التي لا تقبل سياسية كل من المعارضة والنظام في إدارة البلاد.
ما هي خياراتُ قسد والإدارة الذاتية؟
منذُ تدشين معتقلات داعش وإيواء عوائل داعش في المخيمات، تناشد كل من الإدارة المدنية والعسكرية لشمال وشرق سوريا؛ المجتمع الدولي بوضع حلول لأزمة “الدواعش” التي تتفاقم يوماً بعد آخر، مطالبة بإنشاء محكمة دولية من شأنها أن تُكسب المنطقة حركة دولية غير اعتيادية.
وبعد هجوم داعش، تستطيع القوات والإدارة المحلية اليوم، استغلال هذه النقطة لتحريك ملف داعش على المنصات الدولية والضغط عليه، وبخاصة أن العالم بات يعلم مخاطر وجود عناصر داعش وبأنه لا يُستهان بها.
هناك خيارٌ آخر أمام قسد، ألا وهو إجراء بحوث عميقة ودقيقة عن عناصر داعش، وتوثيق جرائمهم وتسجيل اعترافاتهم وتقديمها للدول والضغط عليهم وإجبارهم على وضعِ خطة لمحاكمتهم.
الهجوم الأخير كان قوياً وعنيفاً، وإذا لم تنته أزمة المعتقلات سيتكرر السيناريو مرة أخرى، وهذه المرة لا يعلم أحد، إذ كان الهجوم سيخرج عن السيطرة أم لا، حينها سينتهي كل شيء ويعود داعش وتعود الحروب الطاحنة وتعود المجازر ويعود الفكر المتشدد..