سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

أينما وُجِد نزاع فالمرأة يجب أن تكون جزءاً من الحل

هيفيدار خالد_

تشهد منطقة الشرق الأوسط حروباً طاحنة وصراعاتٍ دامية منذ عقود من الزمن، وما زالت هذه الحروب والصراعات مستمرة مُخلّفة كوراث كبيرة وأزمات سياسية واقتصادية وإنسانية، ربما لم يشهد لها مثيل في جميع الحقب التاريخية التي عاشتها البشرية حتى الآن.
هذه الحروب والنزاعات التي يتمحور غالبها حول الصراع على السلطة التي بُنيت على فائضِ الإنتاج، بدأت في الفترة الأخيرة تأخذ منحىً جديداً ترك وراءه آثاراً مدمّرة وتداعيات على شعب المنطقة، جعلتها في مستنقع يصعب الخروج منه. حيث تتسارع الأحداث وتتفاقم الأزمات وتشتد المنافسة على تحقيق المكاسب بين الأطراف الإقليمية والدولية على رأسها أمريكا وروسيا والصين والمحور الأوروبي والكثير من اللاعبين الإقليميين الذين يحاولون من خلال المتاجرة بقضية الشعوب، خلق موطئ قدم لهم في المنطقة، مستغلين الأوضاع الحالية التي تمر بها، لتحقيق أهدافهم والحفاظ على مصالحهم أولاً ومن ثم عقد اتفاقات وصفقات لا تخدم سوى تطلعاتهم الفردية الخاصة والأهم هو الإدلاء بوعود كاذبة حول ما يتعلّق بإيجاد حلول جذرية للمشاكل وتحقيق الأمن والأمان، وبالتالي جلب السلام للمنطقة، وجميع الوعود والمعاهدات حول تحقيق المسارات والمبادرات المتعلقة بعمليات السلام والحلول المستندة إلى الأسس والمبادئ الديمقراطية التي تُرضي جميع الأطراف أصبحت في خبر كان.
ومن أبرز تلك القضايا المُلحة التي ما تزال عصيّة على أي حل، القضيتان الكردية والفلسطينية اللتان تتشابهان إلى حدٍ كبير، واللتان يعود الحديث عنهما مجدداً مع الأحداث الأخيرة التي شهدتها غزة، والتي أصبحت حديث الساعة على مجمل وسائل الإعلام الإقليمية والدولية، نتيجة سياسات القوى المُتاجِرة بهذه القضية، وما تروج له من شعارات حول نصرة أصحابها وحقوقهم المشروعة، التي دُفنت تحت أنقاض القصف والغارات الجوية دون أن يحرك هؤلاء أنفسهم، المتاجرون بها، ساكناً لوقف الحرب الطاحنة التي تفتك بهم.
وتبقى الشعوب التوّاقة للحرية والعيش الكريم ضحية لسياسات الدول القومية والمؤامرات التي تُحاك ضدهم، قابعة بين فكي كماشة مخططاتها ومحاولات طمس هويتها الأصلية وسياسات الإبادة السياسية والثقافية وارتكاب مجازر بحقهم في انتهاك صارخ للاتفاقات والأعراف والمواثيق الدولية. وطبعاً النساء ما زلن الضحايا بصفة رئيسة في النزاعات، وما زالت أصواتهن غير مسموعة واحتياجاتهن متجاهلة، كما أنهن غائبات عن مراكز صنع القرار السياسي والدبلوماسي في العديد من دول المنطقة.
طيلة مسيرتها التاريخية أُقصيت المرأة من الانخراط في المنابر والمراكز والمواقع المهمة والحساسة لاتخاذ القرارات أو تشريع القوانين وحتى عمليات ومفاوضات السلام ومسارات ومبادرات الحل التي قادتها العديد من الدول لإحلال السلام وفض النزعات عبر التاريخ، على الرغم من أنها كانت المتضرر الأكبر من النزعات التي نشبت، مستهينين بطاقاتها وأفكارها وقدراتها الذهنية العميقة وإرادتها القوية وإنجازاتها وعطائها المنقطع النظير في كافة المجالات، وتعد أكثر الذين تعرّضوا للإبادة والتطهير في نُظم الدول القومية، التي سربلتها بآلام، ومآسٍ، ومعاناة، وموت، ودمار، وخراب، وعنف، وتهجير، فارضة عليها روح الاستسلام عنوةً، نعم كانت الأكثر تعرضاً للعبودية التي ربما لم تعشها الإنسانية في حقبة العبودية التي كان فيها الحصول على نذر يسير من الطعام يقدمه الأسياد بمثابة انتصار على الموت الذي كان يحيط بها من جميع الجهات، كل يوم. كما أن الإجراءات القانونية غير العادلة، أحد نتاجات الدولة القومية التي ألحقت أضراراً جسيمة بالمرأة، ولم تُنصف قضاياها الاجتماعية، كانت بعيدة كل البعد عن تلبية مطالبها وبالتالي الحصول على حقوقها الرئيسة التي تكافح لانتزاعها من براثن منظومة العقلية الذكورية.
من المعروف أن المرأة تؤدي دوراً رئيساً في المجتمع مقارنةً مع الرجل، لما لها من جهود دؤوبة في سبيل توفير حياة آمنة للأفراد والعمل المتواصل من أجل تأمين السيرورة الاجتماعية، وتحقيق مسار جديد لفتح الطريق أمام تقدم المجتمع وتطوره عن طريق هويتها وصوتها المصان، وذلك من خلال قوتها التي تتحلّى بها والمكانة التي وصلت إليها بالإنجازات التاريخية التي حققتها على الصعد الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ودورها البارز في ترسيخ نظام المجتمع الطبيعي، والانفتاح والتطورات العظيمة في جميع الميادين التي برزت فيها كقوة فكرية بحكم دورها ومسؤوليتها، فعلاقة المرأة بالحياة قوية وشاملة كما هو معلوم، ولا يمكن الفصل بينهما بسهولة.
إن عدم انخراط المرأة في حروب السلطة التي شهدها التاريخ، إنما يمهّد الطريق لأن يكون لها دور فعال في تحقيق السلام ومبادرات الحل ومسارات إيجاد المخارج الديمقراطية للقضايا والصراعات العالقة والمتشابكة والمعقدة. إذ يتطلب منها بذل جهود ذهنية كبيرة وتحطيم حاجز الخوف والتصدي لمفاهيم الذهنية الذكورية والسلطة الرجولية المتمثلة بالسلطات الحاكمة. والعمل بجدية أكثر والتحلي بروح المسؤولية الاجتماعية والسياسية والدبلوماسية، والعمل من أجل حياة يسودها الطابع النسوي، إذ إنه من المحال بلوغ الهدف دون نضال أيديولوجي يضع حداً لسياسات السلطة الرجولية المهيمنة تحت عباءة الديمقراطية والحرية المزيفة.
في وقتٍ يتطلب فتح المجال للمرأة للعمل في مفاوضات السلام والمساهمة فيها، وأن تكون جزءاً من العملية الانتقالية بعد النزاع، نرى أنه يتم إهمال المرأة وإقصاؤها في معظم الأوقات، ويتم تجاهل صوتها وآرائها، حيث إن النساء آخر من يُدعى لطاولة التفاوض بمشاركةٍ، إن حصلت، فهي محدودة جداً. ومع ذلك فإن القرارات التي تُتخذ خلال هذه الفترات تؤثر بصورةٍ واضحة على حياة النساء والفتيات، ولذلك فقد حان الوقت للاعتراف بدور النساء ونفوذهن في عملية السلام وصياغة مستقبل الشعوب ما بعد النزاعات.
لا بد من اعتماد استراتيجيات واضحة لتطوير مسارات الحلول الديمقراطية القائمة على حرية المرأة وعدم ترك القيادة في أيدي الرجال وحدهم، للتأثير بفاعلية على اتخاذ القرار، فالنساء بطبعهن وسيطات في النزاعات وصاحبات حلول لها، إذ إن انخراطهن في تلك المسارات يضمن مصالح النساء الأخريات، وتعزيز دورهن في هذه المراكز، ليصبحن أطرافاً فاعلة في عملية السلام.
نعم منطقة الشرق الأوسط تشهد اليوم، حروب القوى العظمى للهيمنة على العالم، لذا على الشعوب الأصلية في هذه البقعة المشتعلة تهيئة أرضية قوية للوقوف صفاً واحداً في وجه هذه الحروب وردها عن أرضهم التاريخية، والتكاتف معاً على تصعيد النضال بكافة أشكاله ضد تدخّلات القوى الخارجية التي تحاول تنفيذ أجنداتها في المنطقة والتصدي لمحاولات زرع الفتنة وتأجيج الصراعات المذهبية والطائفية، ولا يخفى على أحد أن شعب هذه المنطقة هو من يدفع فاتورة حروب بالوكالة وخاصةً المرأة.
قبل أيام تحدّثت عضوة اللجنة المركزية لحزب العمال الكردستاني، هيلين أوميت، في برنامج لفضائية ميديا خبر الناطقة باللغة التركية عن الحلول الجذرية لقضايا الشعوب ومنها القضيتان الكردية والفلسطينية. هيلين أوميت تطرقت في حديثها لطريق الحل الذي يمكن أن يكون بمثابة دواء لأصعب داء، والمتمثل بنموذج الأمة الديمقراطية وقالت إن: “القائد أوجلان لا يطرح طريق الحل بالدولة القومية، بل بنموذج الحل القائم على الأمة الديمقراطية، بكونها فلسفة متقدمة وطريقة فريدة مختلفة، بها تستقل الشعوب وتتحرر، وتتحد الآراء وتتنور”.
ومن هنا نستطيع القول إن المرأة قادرة على لعب دور كبير وفعّال في تحقيق هذا النظام وفلسفة الأمة الديمقراطية، خاصةً أن المنطقة ذات أرضية خصبة لإقامة هذا النظام وتطبيق كافة أبعاده والتاريخ شاهد على ذلك، وعليها تصعيد دورها من أجل التضامن والتعاضد ما بين الشعوب في وجه النعرات الطائفية والحروب المذهبية والعنصرية. وبمنتهى الصراحة إذا ما تم تحقيق هذا النظام ستكون حرية المرأة وتحقيق ثورتها الحقيقية قادمة لا محالة. ويجب أن تكون على دراية كاملة بأنه يتطلب بذل جهود كبيرة من أجل القضاء على مفاهيم وسياسات الدولة القومية التي تخلق العداء بين الشعوب وتزرع بينهم بذور التفرقة والعنصرية.
والذي لفت انتباهي بعد أيام من بدء الحرب بين حماس وإسرائيل، إطلاق مبادرة نسوية من قبل النساء الفلسطينيات والإسرائيليات تحت شعار “نساء يردن السلام” كانت بالتزامن مع زيادة التصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، عبّرن فيها عن التزامهن بتحقيق السلام.
أما في شمال وشرق سوريا فقد طالبت ثمانية تنظيمات نسائية الأممَ المتحدة والمؤسسات التابعة لها، بالتدخّل لوقف هجمات الاحتلال التركي على مناطق شمال وشرق سوريا. وأرسلن رسالة إلكترونية موجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أكدن فيها أن على الأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها تحمّل مسؤولياتها بشأن هجمات الاحتلال التركي على المنطقة، والتي تستهدف بالدرجة الأولى منشآت البنية التحتية.
لذا على النساء أن يتخذن من العبارة الشهيرة للمفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة ميشيل باشيليه “أينما وجد نزاع فالمرأة يجب أن تكون جزءاً من الحل”، شعاراً للانطلاق نحو المشاركة في حل الحروب والنزاعات وإحلال السلام وخاصةً أن جوهر المرأة وكيانها مساعد لتحقيق كل ذلك، فقط يتطلب تنظيم صفوفها وتشكيل التحالفات التي من شأنها تطوير الآليات المناسبة لتحقيق هكذا مبادرات حقيقية وفق أسس ومبادئ الديمقراطية والاعتراف بالآخر والعيش المشترك.