سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

أهمية الحرب الشعبية لدرء الإبادة الجماعية “الحماية الجوهرية”

منذ انتفاضة قامشلو والمجازر والانتهاكات بحق الشعب الكردي ومكوّنات المنطقة على يد النظام البعثي، كان من الضروري تعزيز الحماية لدرء الإبادة ومنع تكرار المجازر، ونيل الحقوق المشروعة للشعوب المُستَبَدّة على يد الأنظمة القوموية الفاشية في سوريا ودول الجوار، لذلك لعب الكرد وشعوب المنطقة دوراً تنظيمياً قوياً في مجال الحماية الشعبية، ليتمكنوا من كسب انتصارات عظيمة خلال ثورة 19 تموز والتي تحميها حتى الآن.

في هذا الجزء من ملف معنون تحت اسم ” أهمية الحرب الشعبية لدرء الإبادة ..” الحماية الجوهرية ضرورة كالماء والخبز” سوف نتطرق إلى مفهوم الحماية ومرحلة تطور الحماية في روج آفا والشمال السوري عامة ودورها في كسب المعركة على كافة الأصعدة، وحماية قيمه ومكتسباته بهذا التنظيم الشعبي المتكامل. وكذلك تجارب شعوب العالم في حماية قيمهم من العدو الخارجي، وما يصنعه وتشكله مُكوّنات شمال وشرق سوريا لصد أي تهديد خارجي بحق مكتسباته وقيمه.

 

تعريف الحماية وتحذيرات القائد من الإبادة:

لغوياً يعرف مصطلح الحماية بأنه الدفاع عن النفس أمام هجوم على الحياة، أو الدفاع عن أمور متعلقة بذات شخص أو المجتمع، أو الحيوان، أو الجماعات، وحتى جميع الكائنات الحيّة. وإذا كانت الحماية تأتي أمام هجوم محتمل، عندها يتوجب شرح مفهوم “الهجوم” أيضاً. فالهجوم يعني قتل أو إبادة أو التعرّض لـ (الترهيب، الاعتقال، التجريح وغيرها)، أو استيلاء، أي شيء أو كائن حي يدعوه بالفريسة.

خلال نضال حركة التحرر الكردستاني تم وضع تعريف جديد لمفهوم الحماية، وأُطلق عليه “الدفاع المشروع”، وأصبحت الحماية تعرف في أجزاء كردستان، الثائرة على الدول المحتلة والمستبدة، على أنه “تنظيم المجتمع لنفسه والنضال ضمن هذا الإطار، من أجل حماية نفسه على كافة الأصعدة”. ويمكن تحقيق ذلك، عبر التنظيم العسكري، وعبر حماية جميع القيم.

ويشير قائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان في كتابه “الدفاع عن الكرد بين فكي الإبادة الثقافية” أنه يتوجب الحذر من عمليات الإبادة التي تحمل في طياتها جميع أنواع الإبادات. حيث يقول “أنا لا أتحدث هنا عن الإبادة الجسدية فقط، بل أتحدث عن الإبادة الثقافية وجميع أنواع الإبادات الأخرى”.

 

الشعب الثوري في شمال وشرق سوريا.. كيف أسّس نفسه وحمى قيمه ؟

تحت ذهنية وشعار “اللغة الواحدة، القومية الواحدة، الدولة الواحدة، العلم الواحد” تعرضت جميع القيم المتنوعة لشعوب وإثنيات شمال وشرق سوريا إلى الإنكار، وبالأخص الشعب الكردي.

كان النظام السوري لا يعترف بحقوق الكرد في المواطنة في روج آفا ولا بثقافته وتقاليده، كما وينكر القوميات المتنوعة في المنطقة كالسريانية والآشورية والتركمانية والكردية والشركسية والأرمنية، بل يبقيها حسب سياساتها تحت سقف الدين لصهر تقاليدهم وثقافتهم في بوتقة البعثية العنصرية. واعتبر النظام كل محاولة للكرد وغيرهم من أجل الحصول على حقوقهم، هجوماً، ويقوم بسحقها تحت ذريعة حماية الدولة.

وخلال الثورة السورية وثورة 19 تموز كانت شعوب شمال وشرق سوريا أمام خطر إبادة واحتلال عثماني جديد، لكن التنظيم والإرادة في الحماية الذاتية لدى مكونات المنطقة المتكاتفين، أفشلت مخططات الاحتلال وقوّت من تنظيمها أكثر في مواجهة أي هجوم.

–  قبل معركتي الشعب التاريخيتين في سرى كانيه والشيخ مقصود ضد الجماعات الإرهابية والمرتزقة المدعومة تركياً بدأ الشعب في روج آفا وشمال سوريا بالسير وفق مبدأ الحماية والدفاع المشروع الآنفة الذكر، منذ مطلع 2004 عندما وصل النظام البعثي إلى ذروة فاشيته وعنصريته ضد الشعب الكردي، فكانت انتفاضة قامشلو، في الـ 12 آذار 2004، كشرارة لوعي الشعب على الحماية بعد المجازر الحاصلة والتي ستحصل إن بقوا مكتوفي الأيدي وأنهم سوف يُبادوا جسدياً وثقافياً واجتماعياً على يد الأنظمة المُستبدة الموجودة.

لذلك تشكلت وحدات صغيرة من شباب وشابات الكرد ضمن المجتمع ليكونوا نواة تنظيم شعبي ثوري يحمون قيمهم من الإبادة، ليأخذوا التنظيم والتدريب والتوعية كأرضية للانطلاقة نحو ثورة الحرية وحماية القيم.

مع بدء الثورة السورية، التي لعب فيها الشعب الكردي الدور الأكبر، بمساندتهم وانخراطهم في الثورة من أجل الحرية وإرساء الديمقراطية. بدأت أيضاً دخول أجندات خارجية وقوى غريبة طامعة ومُحتلة دعمت التسليح والإرهاب لتُحرفَ الثورة، لذلك أخذ الكرد و مكوّنات روج آفا وشمال سوريا بإعلان ثورتهم في الـ 19 من تموز 2012 وذلك انطلاقاً من كوباني، عندها أعلنت وحدات حماية الشعب عن نفسها كحامية لقيم الثورة والمجتمع. بعد أن وصلت تلك المجموعات الشعبية، المُتشكلة على مدار سنوات ضمن لجان الحماية، إلى مستوى يمكنها من الدفاع عن النفس أمام أي خطر خارجي.

 

الشعب نظّم نفسه وحمى قيمه المعنوية والمادية بأبسط السُبُل

مع نظام الإدارة الذاتية المُعلن عن مشروع ترسيخ حينذاك في مناطق روج آفا، كانت لجان الحماية تلعب دورها في كل كومين ومجلس ومؤسسة مكونة داخل هذه الإدارة، وتعتبر ركن أساسي لحماية هذا النظام الاجتماعي الوطني المتكون بيد شعوب المنطقة وبقيادة أبنائها.

بهذه اللجان المدنية تمكّنت مكونات المنطقة، ولا  تزال، من حماية بعضهم في كل قرية وحي ومدينة وطريق من التخريب والسرقة ودخول المرتزقة إلى مناطقهم، وكانت الأسلحة المُستخدمة هي الأسلحة الخفيفة كالكلاشنكوف والمسدسات أو أسلحة الصيد المعتادة بين يد الأهالي، وبهذا النظام بات الكل يحمي نفسه وقيمه في المنطقة بروح جماعية ووعي اجتماعي ووطني كبيرين حفاظاً على مكتسباته.

 

الإرادة الشعبية في معركتي سرى كانيه والشيخ مقصود ضد المرتزقة تكلّلت بالانتصار

بقوة التنظيم الشعبي على صعيد الحماية، والمتلازم مع أفكاره في الحرية والديمقراطية وإرادته في تحقيقها، تمكّن الشعب من التصدي لأكبر هجوم وغزو إرهابي على شعوب المنطقة، نهاية 2012 وبداية 2013، في كل من سرى كانية وحي شيخ مقصود بمدينة حلب، حين تكاتف الشعب ولعبت لجان الحماية دورها في الدفاع المشروع عن أنفسهم ومكتسباتهم.

ففي سرى كانيه تجمع أكثر من 46 فصيل ومجموعة مسلحة مُرتزقة مدعومة تركياً ومدججة بالسلاح والعتاد العسكري الكامل ووصل تعدادهم الى أكثر من 30 ألف، وكانت تقودهم جبهة النصرة وحركة أحرار الشام، ليهاجموا شعوب المنطقة التي لا تحمل بين يدها إلا أسلحة خفيفة وقليلة الذخيرة. إلا أن سلاحهم القوي كان الإرادة والتنظيم والتكتيك الجيد ضد العدو.

لم يتجاوز حينها عدد مقاتلي وحدات حماية الشعب في جبهة شعوب المنطقة الـ 300 مقاتل، مع لعب كل لجنة حماية في كومينات ومجالس القرى والبلدان دورهم في حماية الأطفال والنساء والشيوخ وتأمين الطرق والقرى والبلدات القريبة من الجبهة.

كانت المعركة عبارة عن حرب شعبية ضد مرتزقة مدعومون من تركيا وحلفائها في المنطقة، وكان الكلاشنكوف ذو الذخيرة المحدودة بيد كل مقاتل، يجابه دبابة ومصفحة للمرتزقة وأسلحتهم الثقيلة المتنوعة. في حرب غير متكافئة على كافة الأصعدة العسكرية، إلا أن الشعب تمكنت من دحر المرتزقة بمعركة تاريخية أفشلت مخططات الدول الطامعة في الأرض السورية.

وكذلك الأمر في الشيخ مقصود، الحي الذي يعتبر البقعة الخضراء داخل سواد الدمار والدم في مدينة حلب، أكبر مدن سوريا وأضخمها تجمعاً سكانياً، حيث تميز بالتعايش السلمي والتكاتف الشعبي بين مكوناتها من كرد وعرب وسريان وأرمن وتركمان، والذين شكّلوا منذ بداية الثورة لجان حماية خاصة بهم ولم يرضخوا لاستبداد واستملاك النظام السوري ولا لهجمات مرتزقة جبهة النصرة والمجموعات المسلحة الأخرى التي كانت تقتل الشعب باسم الجيش الحر آنذاك.

 

الحماية ضرورة كالماء والخبز في شمال وشرق سوريا

ما تم كسبه ونيله من حقوق مشروعة ومسلوبة من قبل النظام السوري والمرتزقة الذين طغوا في الميدان السوري خلال الثورة، يتم حمايته الآن شعبياً ولأن المخاطر والتهديدات لم تنقطع منذ البداية وإلى الآن فإن الحماية ضرورة كالماء والخبز لمكونات شمال وشرق سوريا، لأنها خليط من قوميات وديانات متنوعة ومتكاتفة، تجمعت على نظام لحماية قيمها المعنوية والمادية، وبدون الحماية فأن الإبادة الجسدية والثقافية والاجتماعية سوف تطالهم في أي لحظة كانت.

إن ثورة 19 تموز قد جمعت في طياتها تجارب الكثير من الثورات والانتفاضات الشعبية في العالم بل وتجاوزتها في الفكر والتنظيم والإرادة الشعبية حتى الآن، لما قدمته من تجربة ديمقراطية ونظام اجتماعي وحماية متكاملة بيد شعوبها، ابتداءً من التنظيم الشعبي على فكر الأمة الديمقراطية وأخوّة الشعوب لخلق أرضية تقوي التلاحم القومي والإثني أكثر وكذلك بسياسة ديمقراطية في مشروع الإدارة الذاتية دون هدم دولة أو تبديل سلطة بسلطة أخرى على الشعب، وتبني نظام حماية جوهرية مشروعة من مكونات المجتمع خاضت حروب من أجل الحفاظ على قيمها ومكتسباتها خلال سنوات الـ 8 الفائتة، وتقوي من حمايتها في وجه أي تهديد خارجي أو إرهابي محتمل على مناطقها.

وكالة هاوار