سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

أنقرة تَستهِلكُ قوتها الناعمةُ في سوريا

تحقيق/ رامان آزاد – 

نحو عقدٍ من الزمنِ اعتمدت أنقرة في سياسة تمددها وتحقيق أحلامِ إحياءِ السلطنةِ العثمانيّةِ على القوة الناعمةِ، وإبهار المحيط بنموذجها، وانسجاماً مع خطتها أيّدت الربيع العربيّ وتغيير الحكوماتِ العربيّة، ومع تعثرِ خطتها في سوريا تدخلت مباشرة عبر القوةِ العسكريّةِ (الصلبة)، لتفتحَ بذلك البابَ على عدةِ احتمالات، أحدها المواجهة المباشرة ضدّ موسكو بعدما اُستهلكت صلاحيةَ سوتشي وتجاوزتِ القوات الروسيّة والسوريّة خطوطها.
الربيع العربي واستنساخ التجربة التركيّة
عندما بدأ الحراكُ الشعبيّ في تونس في 17/12/2010 كانت تركيا قد أنجزت مراحلَ كثيرةً من تطويرِ قوتِها الناعمةِ، واتضحت ملامحُ نموذجِها الخاصِ ومشروعها السياسيّ بالمنطقةِ بعد فترةِ انكفاءٍ طيلة الحقبةِ الأتاتوركيّة التي استمرت عبر حكومةِ العسكرِ حتى تحققت المفاجأة بوصول حزب العدالة والتنمية للسلطة بفوزٍ كبير في انتخابات 3/11/2002، أي بعد نحو عامٍ من تأسيسه في 14/8/2001 من نواب منشقين عن حزب الفضيلة الذي ترأسه نجم الدين أربكان، وكان فوز العدالة والتنمية حدثاً غير مسبوقٍ غير مسبوق في الحياةِ السياسيّة التركيّة، وأخذ موقعاً متقدماً على مستوى المنطقة ليبهرَ شعوبَ المنطقةِ، إذ أنّه واصل التعديلات الجذريّة في السياسة الخارجيّة لتركيا لجهة الانفتاح على المنطقة العربيّة.
فكرةُ العثمانيّةِ الجديدةِ استندت إلى قراءةِ حالةِ الضعفِ والانقسامِ الإسلاميّ، وتقولُ أنقرة إنّ الدولةَ العثمانيّةَ جسّدت وحدةً إسلاميّةَ حتى اغتالت دولُ الغربِ عبر المؤامرةِ الوحدةَ الإسلاميّةَ باتفاقاتِ التقسيمِ، وبسببِ الضعفِ في نهايةِ عمرِ الدولةِ العثمانيّةِ، ولكن تركيا اليوم عادت قويةً لتلعبَ دورها الاقليميّ والدوليّ، ومساحة ٧٨٣ ألف كم٢ لا تستوعبُها، وعلى هذا الأساسِ بدأت تركيا تنشئ القواعدَ العسكريّةَ خارجَ حدودها في قطر والصومال وجيبوتي.
في تقرير نشرته في عددها الصادر في 28/9/2018، قالت صحيفة لوفيغارو الفرنسية، إنّ النظام الحاكم في تركيا يعتمد دبلوماسيّة القوة الناعمة الثقافيّة والإنسانيّة والدينيّة؛ لتوسيع نفوذه في منطقةِ الشرق الأوسط. لكنه لا يتردد في الوقتِ نفسه باستخدام القوة، إذا لزم الأمر، للحفاظِ على إنجازاته.
مع انطلاق الربيع العربيّ كانت حكومة العدالة والتنمية على مشارف إنهاء عقد من وصولها إلى السلطة، وقد عملت بكلّ ما أوتيت من إمكاناتِ لخلق النموذجِ التركيّ الإسلاميّ، واستكملت أركانَ مثلثِ القوة، فهي تحتلُ المرتبةَ الثانية في حلفِ الناتو عسكريّاً، وحققت معادلاتِ نموٍ اقتصاديّةٍ غير مسبوقة وزادت في حجم الاستثمارات الأجنبيّة وسددت كامل المديونيّة التركيّة، وبذلك أنجزت أنقرة نموذجها الخاص وحضّرته للتصديرِ والتعميمِ على مستوى المنطقةِ.
انطلق الربيع العربيّ في توقيتٍ لا يوافقُ التوقيتَ المحليّ لأيّ بلدٍ عربيّ، إلا أنّ الاحتقانَ المزمنَ والآمالَ المكبوتةَ كانتِ الدافعَ في الطوفانِ الجماهيريّ بالساحات لتصرخ ملءَ الحناجرِ وترفعُ صوتها متجاوزةً التابوهات الأمنيّة والموانعَ المفروضةَ، وتمتلكَ جرأةَ الرفضِ وتقول “لا” وتطالبُ وتقول “نريد”، اصطلحوا تسميته ربيعَ الثوراتِ بعد موجةِ تظاهرات طافت يوغسلافيا وأوكرانيا وإيران ورفعت في كلّ منها لوناً يميّزها، كانتِ الجماهيرُ العربيّةُ مجردَ شاهدٍ تكبتُ أمنياتها.
من أهم العوامل التي ساعدت على تبني النموذج التركيّ هو حاجة المجتمعات العربيّة إلى دورٍ تركيّ فاعلٍ يدعم حركة التغيير، إلا أنّ أنقرة عملت على استغلال الظروف في المنطقة العربيّة وتستثمرها لصالح طموحاتها في إحياء العثمانيّة الجديدة.
ففي انتخاباتِ 25/11/2011 البرلمانيّة في المغرب حاز حزب العدالة والتنمية المغربيّ على نسبة متقدمة من مقاعد البرلمان (107 مقعد من أصل 395) ليثبت قدميه في المشهد السياسيّ، وفي تونس تم استنساخ التجربة بصورة مغايرة ففاز حزب النهضة في 23/10/2011 الذي يتزعمه صديق أردوغان راشد الغنوشيّ رئيس حزب النهضة ونائب رئيس الاتحاد العالميّ لعلماء المسلمين، وفي مصر وصل الإخوان المسلمون إلى السلطة واستلم محمد مرسي الرئاسة في 24/7/2012.
دورٌ تركيّ مُبكِّر بالأزمةِ السوريّة
كان لأنقرة الدور الحاسم في عسكرة الحراك في سوريا، إذ أنها جذبتهم منذ بداية الأزمة واحتضنتهم، وهذا ما جعل الفصائل المسلحة تتحول إلى الارتزاق. ولذلك من غير المرجّح أنّ أنقرة ركبت موجة الربيعِ العربيّ من قبيلِ الاستدراكِ، فهذه الفرضية لا تُمكننا من تفسيرِ كاملَ الدورِ التركيّ، ولعلَّ هذا الافتراض يصدقُ في تونس فيما اتبعت سياسة مواكبة الأحداث في مصر، ولكنها استبقت وقائعَ الميدانِ في سوريا، وواصلتِ القياداتُ التركيّةُ التصريح حول مجملِ التفاصيل، ولم يكن صدفة أن أعلنت أنقرة عن إقامة مخيماتِ اللاجئين على أراضيها قبل أن يخطوَ سوريٌّ الحدود، حتى على المستوى العسكرة إذ أنها اختارتِ الوقوفَ ضد دمشق ودعمت التغيير بكلِّ الوسائل.
مع بداية الأزمة السوريّة انقلبت أنقرة على علاقاتها مع دمشق، وتوجّه أردوغان بالنصحِ إلى دمشق للاستفادةِ من النموذجِ التركيّ في الديمقراطيّة، وسرعان ما انقلبت أنقرة إلى موقف في غاية العدائيّة من دمشق وواصل مسؤولوها على كلّ المستويات التصريحات المناوئة وتأكيدهم على احتضان المعارضة، وفي 9/6/2011، وقبل اكتمال الشهر الثالث من الأزمة أعلن المقدمُ المنشقُّ حسين هرموش تشكيلَ لواءَ الضباطِ الأحرارِ ليكون ذلك أولِ إطارٍ تنظيميّ للعسكرةِ، واتخذ اللواءُ مقرُّه في تركيا، حيثُ التدريبُ والتمويلُ والتسليحُ. ففي 29/7/2011 أُعلن عن أولٍ كيانٍ عسكريّ باسم “الجيش الحر”، وفي 24/11/2011 أُعلن عن المجلسِ المؤقّتِ للجيشِ الحرّ، وفي 2/10/2011 تم الإعلان عن تأسيس ما سمّي المجلس الوطنيّ السوريّ في إسطنبول.
وتتابعت مواقف المسؤولين الأتراك بموازاة الأزمة السوريّة تحثه على إنجاز التغيير وفق النموذج التركيّ ففي 6/4/2011 أكد أحمد داوود أوغلو خلال زيارته إلى دمشق أنّ بلاده تدعمُ الإصلاحات التي بدأتها سوريا، وأنّ أنقرة مستعدة “لتقديم كلِّ مساعدة ممكنة من خبرات وإمكانيات لتسريع هذه الإصلاحات، فيما نقلت وكالة الأناضول في 15/6/2011 أنَّ أردوغان طالب دمشق في اتصال هاتفيّ بوضعِ جدول زمنيّ للإصلاحات التي يجب تطبيقها بأسرع وقت ممكن، وقد منح أردوغان مهلة شهر لتنفيذ إصلاحات مباشرة والاستفادة من النموذج التركيّ، وفي 22/11/2011 طالب الرئيس التركيّ عبد الله غول، دمشق  بإجراءِ “إصلاحات جوهريّة، محذِّراً من أنَّ بلاده “لن تقف على الحياد” حيال الأزمة في سوريا، بل “ستدعم مطالب الشعب السوريّ”.
استغلال القضايا الإسلاميّة
كان منهجُ حزب العدالة بمثابة خروجٍ جذريّ عن السياسة التركيّة المعهودة خلال العهود السابقة من هيمنة العسكر والتقاليد الكمالية التقليديّة والتي فرضت إدارة الظهر للعالم العربيّ والإسلاميّ وتركيز العلاقات مع أوروبا ولكن حزب العدالة تجنب في أدبياته وخطاباته، أن يقدّم نفسه حزباً إسلاميّاً، أو أنّ له مرجعيّة إسلاميّة، بل تعمّد أن يعرّف نفسه حزباً محافظاً، مؤمناً بالعلمانية والديمقراطيّة لا يتناقضُ مع قيمِ الإسلام وأخلاقياته، كحال الرؤية المتزمتة للتيارات الإخوانيّة والسلفيّة، التي تعتبر الإسلامَ نظامَ حكمٍ ونمطَ حياةٍ، يجسّد شعار “الإسلام دين ودولة”، وذلك كي يتسنى له الاستمرار في مفاوضاتِ الانضمام للاتحادِ الأوروبيّ.
التزامن في الأحداث السياسية ليس صدفةً، بل هو غالباً دليلُ ارتباطٍ وعلاقةٍ، وقد جاء طرحُ فكرةِ الشرقِ الأوسط الجديدِ في فترة زاخرةٍ بالمصطلحات كالتطرف والإرهاب والجهاديّة الإسلاميّة ومصطلح الثورة وشعار إسقاط النظام ممثلاً الربيعِ العربيّ، ومصطلح استراتيجيّ يتعلق بإعادةِ رسمِ الخرائط، ولا يجوز قراءة متغيرات السياسة الخارجيّة التركيّة تجاه دول المنطقة بمعزل عن هذا السياق. فعلى مدى العقدين الماضيين، ظهرت العديد من الروايات حول إنشاء نظام إقليميّ جديد في الشرق الأوسط في الأوساط السياسيّة والإعلاميّة، واُستخدم المصطلح كأداة لتعزيز تطلعاتِ الهيمنةِ الأمريكيّة لإعادة تشكيلِ المشهدِ السياسيّ وفقاً لمصالحها وسياستها، وتمَّ تضمينه في رؤية نيوليبراليّة لنشر القواعد والقيم الغربية بالمنطقة. ومصطلح الشرق الأوسط الجديد كان إشارةً إلى واقعٍ جيوسياسيّ جديدٍ تتم فيه إعادةُ توزيعِ القوى وتقاسم النفوذ وتحديد أدوار الجهات الإقليميّة الفاعلة، وأرادت أنقرة ركوب الموجة، ودورها الأساسيّ أن تكون النموذج.
استثمرت أنقرة موقعها الجيوسياسيّ للعب دورٍ في ريادة العالم الإسلاميّ يكون منطلقاً للعب دورٍ عالميّ، وعلى هاذ الأساسِ استثمرت كلَّ أدوات القوة الناعمة وأطلقتِ التصريحاتِ السياسيّة الحادة حول القضايا الإسلاميّة والتضامن مع مسلمي الروهينغا في بورما والإيغور في إقليم شينغيانغ، وكان الدور الاستعراضيّ الذي أداه أردوغان في مؤتمر دافوس في 29/1/2009 بالمغادرة بعد الاعتراض على حديث الرئيس الإسرائيليّ شمعون بيريز ليُستقبل بطلاً قوميّاً وإسلاميّاً في مطار إسطنبول، كما نظّمت أنقرة 4 رحلاتٍ لأسطول الحرية لكسر الحصار عن غزة في أعوام (2010-2011-2015-2016)، ورفعت سقف التهديد بعد تعرضِ الأسطول الأول لاعتداءٍ إسرائيليّ في 31/5/2010  ومقتلِ 10 نشطاء أتراك، ولكن دون خفض مستوى العلاقاتِ التجاريّةِ، بل إنّ الادعاء العام التركيّ طالب سلطات بلاده في 3/12/2016 بإسقاط دعوى ضد اسرائيل بشأن مقتل مواطنيها، بذلك لأنّ أنقرة وقعت على اتفاق في حزيران 2016 تدفع بموجبه إسرائيل تعويضا ماليّاً قدره 20 مليون دولار.
طموح توسع أنقرة يمتد إلى القارة السمراء لتنافس فرنسا، علماً أنّ معظم الدول الإفريقيّة أعضاء منظمة الدول الفرانكوفونيّة (الناطقة بالفرنسيّة)، وفي 23/11/2009 قال أحمد داوود أوغلو متحدّياً الرئيس الفرنسيّ ساركوزي: “لقد أعطيتُ أوامري إلى الخارجيّة التركية بأن يجدَ ساركوزي كلما رفع رأسه في أفريقيا سفارةً تركيّةً وعليها العلم التركيَ”.
 تحضيراً للاستفتاء على الدستورِ
 استغل أردوغان محاولةَ الانقلاب الفاشلة في 15/7/2016 لينتقمَ من المؤسسةِ العسكريّة ويسرّح كبارَ الضباطِ والقادة العسكريّين، وتحفظ الذاكرة التركيّة مشهد تهجم أنصاره على العسكريين على جسرِ البوسفور والدعس عليهم وضربهم وكذلك اعتقال المئات من الضباط والطيارين وإهانتهم وتقديمهم إلى المحاكمات بتهمة الخيانة، وقد شكّل هذا الحدث نقطةَ تحوّل بتاريخ تركيا الحديث. 2016 وشنّت حملة اعتقالات تعسفيّة طالت آلاف الضباط وعشرات الآلاف من موظفين أكاديميين
أنقرة التي كانت تطالب الآخرين بالديمقراطيّةِ ردّت بعنفٍ على المتظاهرين بشأن قضايا فساد فيما يعرف أحداث حديقة غيزي (ميدان تقسيم) في 28/5/2013، كانت هذه الحادثة أحد محاولات تطويع الجماهير. كما زادت القيودُ على حرية التعبير وانتهاكاتُ حقوقِ الكرد، ما أدّى لتراجع ترتيب تركيا إلى 154 من أصل 180 دولة في مؤشر فريدم هاوس عام 2017.
جملة من التطورات تلاحقت لتظهرَ حجمَ العلاقةِ المتوترةِ بين “الإسلام السياسيّ التركيّ” ومؤسساتِ الدولةِ العلمانيّةِ العميقة، فقد نجح الإسلاميون في تفكيكِ معاقل العلمانيّة تباعاً اعتباراً من أعلى سلطة بالهيمنة على السلطة التشريعيّة الممثلة بالبرلمان ومن ثم الرئاسة والحكومة وإنهاء نفوذ الجيش، وتضييق الخناق على المؤسسات الإعلاميّة وتقييد عمل القضاء، وبهذا الصورة تم التحضير لخوضِ الاستفتاء على الدستور في 16/5/2017 وتغيير نظام الحكم من برلمانيّ إلى رئاسيّ وترسيخ أوتوقراطيّة بصلاحيات موسعة، وحكومة الفرد، وإلغاء منصب رئاسة الحكومة.
استهلاكُ عناصرِ القوةِ الناعمةِ
لم تنجح محاولة حزب العدالة والتنمية اجتياز اختبار السياسة الخارجيّة التركيّة التقليدية في اقتصادٍ وطنيّ متنامٍ وتطوير قدرات القوة الناعمة في السياسة الخارجيّة، واستغلال موقعها الجغرافيّ الاستراتيجي وجذورها التاريخيّة بالمنطقة وروابطها الدينيّة والثقافيّة، فالمخيلة العثمانيّة شطحت عن عناوين الدور الحضاريّ ودعم الديمقراطيّة المعلنة إلى دعم الإرهابِ وقامت بالعدوان على شمال سوريا واحتلال مناطق فيها وتبنّي سياسة التطهير العرقيّ ضد الكرد ومحاولة الهيمنة على مصادر الطاقة في شمال العراق، وعبرت البحر إلى ليبيا ودعمت الإرهاب وزجّت بالسوريين في المعركة.
كان مشهد المشاجرة في البرلمان التركيّ في 4/3/2020 علامة واضحة لفقدان الانسجام والتوافق بين السياسيين الأتراك ومن المتوقع أن يزيدَ زخمُ الرفضِ مع زيادةِ عددِ الجنودِ الأتراك القتلى بسببِ المغامرة التي يخوضها أردوغان في سوريا على حسابِ الشعبِ التركيّ الذي يعاني الغلاءَ وانخفاض العملة الوطنيّة وتراجع معدلات النمو والاستثمارات.
استهلكت أنقرة صلاحية قوتها الناعمة، إلا أنّها تستغلُ المرتزقة الذين تقطعت بهم سُبلُ العودةِ ليكونوا قرابين محرقتها، فتسوقهم حيث أرادت، ولذلك اضطرت للتلويح بملف اللاجئين مجدداً لتبتز به أوروبا وتستعطيها المساعدات، وقد تناقلت وسائل الإعلام مشاهد لآلاف اللاجئين على الحدود مع اليونان، لتسقط دعاية احتضان اللاجئين ورعايتهم.
وبهذا تفقد أنقرة أهم عناصر الجذبِ في القوةِ الناعمةِ التي اعتمدتها في توسيع نفوذها بالمنطقة، فكان التحوّل إلى استخدام القوة الصلبة وتصريحات التهديد والوعيد، بانتظارِ تسويةٍ تجددُ بها صلاحيّة سوتشيّ.
kitty core gangbang LetMeJerk tracer 3d porn jessica collins hot LetMeJerk katie cummings joi simply mindy walkthrough LetMeJerk german streets porn pornvideoshub LetMeJerk backroom casting couch lilly deutsche granny sau LetMeJerk latex lucy anal yudi pineda nackt LetMeJerk xshare con nicki minaj hentai LetMeJerk android 21 r34 hentaihaen LetMeJerk emily ratajkowski sex scene milapro1 LetMeJerk emy coligado nude isabella stuffer31 LetMeJerk widowmaker cosplay porn uncharted elena porn LetMeJerk sadkitcat nudes gay torrent ru LetMeJerk titless teen arlena afrodita LetMeJerk kether donohue nude sissy incest LetMeJerk jiggly girls league of legends leeanna vamp nude LetMeJerk fire emblem lucina nackt jessica nigri ass LetMeJerk sasha grey biqle