تعتبر الاحتفالات بالسنة الجديدة (الأكيتو) واحدة من أكثر الأعياد والمهرجانات الدينية الاجتماعية الشعبية قدماً وعالمية، وتعود لعصور مبكرة من حضارة بلاد الرافدين، التي كان يشارك فيها الآلهة والملك وجماهير المدينة، ومن أوسع التقاطعات عبر الثقافات والعصور.
وكان يحتفل بعيد أكيتو في العصر السومري طبقاً للدورة النباتية لموسم الحصاد والبذار، وكلاهما كانا مؤشر بداية السنة. وقد جرت العادة على إقامة الاحتفال بعيد الأكيتو كل عام حسب التوقيت البابلي القمري في الأول من نيسان وابتداء من العصر البابلي القديم.
ترجح العديد من المصادر إن مدة العيد “12 يوماً” رغم قول البعض أنها من “5-7” أيام، والرواية البابلية للعيد أنه يستمر على الاقل “11-12” يوماً – وهناك تأويلات كثيرة لرمزية العدد “12” منها رمزيته في النظام الستيني، ومها ارتباطه بالتقويم القمري وارتباطه مع إله القمر “نانا/ سين”، ومنها أن عدد أشهر السنة “12” وكل يوم في العيد يقابل شهراً في السنة وما لها من دلالات أسطورية حول الخصوبة والوفرة والنجوم والأبراج.
كان الاحتفال بالعيد غنياً على نحو غير اعتيادي بالطقوس والرموز الدينية والاسطورية والاجتماعية والسياسية، وتكمن قوة أي طقس في فعالية رموزه ومحتواه الاجتماعي وقابليته على التغيير. ومن ضمنها الموكب الرائع للملك والآلهة الذي يجول عبر المدينة يكتمل مع العطل العامة للناس، وتكتمل بالعبادة والأضاحي، وكانت بالتأكيد ذات تأثير اجتماعي هائل للمواطنين في بابل، والطبقة الحاكمة متمثلة بالملك وانتصاراته وثروته وجنده وأسراه.
الطقوس اليومية كانت تبدأ بوقت مبكر بينما لا يزال الظلام مخيماً على الأرض عندما ينهض الكاهن الأكبر (شيشكالو sesgallu) كل يوم وهو يحيي الشمس المشرقة عند الفجر، وإن الحدث اليومي لظهور الشمس ونجوم أخرى في الأفق هو أمر مهم جداً، والكاهن “شيشكالو” لا يستطيع أن يقود شروق الشمس ويفرض سيطرة أفضل على الحوادث طوال النهار إلا بواسطة النهوض قبل الشروق عندما تكون الظلمة لا تزال سائدة. إن أوقات النهوض لأيام عيد أكيتو تبدأ في اليوم الأول عند الساعة السادسة فجراً، وفي اليوم الثاني عند الرابعة فجراً، والثالث عند الساعة 20/3 فجراً بينما يبدأ الاحتفال الثاني في الساعة التاسعة عندما تكون الشمس في منتصف الطريق في نقطة ذروتها، وفي اليوم الرابع عند الساعة 40 /2 فجراً، وفي اليوم الخامس عند الساعة الثانية فجراً. بينما يبدأ آخر طقس من اليوم قبل المغيب بحوالي 40 دقيقة وينتهي عندما تكون الشمس في الأفق، بعدها يخيم الظلام على البلاد وتغلق بوابة المعبد.
وكانت السنة الجديدة الوقت الملائم لمدينة بابل لتصفية الحسابات، حيث تصبح قروض المعبد مستحقة في ذلك الوقت من السنة الجديدة، وتقدم الهدايا والجزية إلى الإله “مردوخ” من خلال المعابد التي كانت تسيطر على مفاصل الاقتصاد.
كما أشارت بعض النصوص إلى تعامل الملوك مع آلهتهم، سواء من خلال تخليدهم ببناء معبد أو إعادة ترميمه أو إيقاف مزارع وأرض يخصص ريعها لإدامة نشاط المعبد وجمع (الخمس) وتقديم القرابين والنذور، والخمس هو ما يجب على حكام المقاطعات دفعه للمعابد الرئيسية وخصوصاً في العصر الاشوري الحديث وتحديداً في مدينة آشور، ويتضمن هذا الخمس الحاصلات الزراعية كالحبوب والطحين والتبن والثروة الحيوانية كالقرابين المقدمة إلى معبد آشور.
كان “مردوخ” الإله الرئيس لمدينة بابل يتعرض للموت لمدة يوم أو يومين من أيام عيد رأس السنة البابلية، وكان يختفي خلال تلك المدة في موضع يشار إليه باسم (جبل خرشانو) وهو من أسماء العالم السفلي. وفي أثناء غيابه يأخذ الناس بندبه والبحث عنه بلهفة وجزع، ويقوم ابنه الإله نابو وهو الإله الرئيس لمدينة بورسيبا وزوجته الآلهة بيليه – بلبيلي (صربانيتم) بالبحث عنه بحسب ما يرد في النص البابلي، وبعد انتهاء تلك المدة يتمكن مردوخ من الخلاص من سجنه ويعود إلى مدينة بابل، وتعم الفرحة بعودته وتقام الاحتفالات لذلك.
وكالات