“أريد أن أكتب”.. طفلة كفيفة تأمل أن تبصر النور

تقرير/ غزال العمر –

روناهي/ جل آغا- رسالة ترسلها طفلة كفيفة للمعنيين عبر صحيفتنا لعلها تلقى أذناً صاغية؛ تسمعها وأصدقاءها من ذوي الاحتياجات الخاصة

أن يكون الطفل مكفوفاً فهذا لا يعني أن يحرم من حقوقه في التعلم؛ فها هي شهد يوسف الخلف البنت البكر لأبيها، ابنة الأحد عشر عاماً ولدت كفيفة البصر، هذا ما لاحظه والداها في أشهرها الأولى، لتبدأ رحلة العلاج التي لم تنجح؛ فالعصب البصري تالف وحالتها كما شُخِّصَت طبياً نادرة جداً حيرت الأطباء الذين أرجع قسم منهم ذلك للوراثة والقسم الآخر رجح بأنها حالة نادرة غير مألوفة واعتبرت الوحيدة في سوريا آنذاك، وذلك عام ٢٠٠٩م.

قلق حيال مستقبلها

عادت العائلة من رحلة العلاج وملامح الحزن قد بدت واضحة على الوجوه؛ بهذه الكلمات عبر والد شهد يوسف الخلف (٣٦عاماً) من أهالي ناحية جل آغا عن حزنه: “تقبلت ووالدة شهد حالة ابنتنا لكن الاستسلام لا يؤدي لنتيجة”.

والد شهد يوسف الخلف، الرجل المحب لبناته يحكي عن حمله الثقيل بالقول: “فرحتي بولادة ابنتي لم تكتمل ليس تذمراً ولا رفضاً للقدر؛ لكن خوفاً عليها، فالإمكانات قليلة للرعاية بهذه الفئة”.

أب حمل هم دراسة وحياة ابنته منذ عرف وضعها، وأضاف الخلف: “تعايشنا كعائلة مع وضعها الذي بدا للوهلة الأولى أمراً صعباً وثقيلاً علينا”، وبدأت شهد تكبر وتحبو وتخطو إلى أن مشت والأبوان يراقبان لعلّ تحسناً يطرأ على حالتها.

شهد تستعد للمدرسة

جهز الأبوان طفلة صغيرة لتقبل أي كلمة من الممكن أن توجه لها كما أهّلاها لفكرة أن أي شخص منا معرض لأن يتعثر في طريقه وذلك تحسباً لأي طارئ، بحسب والدة شهد خديجة العلوش ذات الـ34 عاماً، والتي وصفت شعورها كأم: “لم أنم ليلتها فابنتي ستخرج من البيت لأول مرة” .

وتابعت: “كنت متوترة طيلة ذلك اليوم أنتظر عودتها مع أبناء عمومتها لتعود حاملةً لكتبها وفرحتها لا تعادلها أيّة فرحة، شعرت بالسعادة لمحبتها للمدرسة وشجعتني آنذاك أكثر مما شجعتها عندما قالت: “أمي سأتعلم، أنا اليوم طالبة في الصف الأول”.

تذهب شهد مع ابن عمها كلّ يوم للمدرسة، فتصف لصحيفتنا وضعها في المنزل وخارجه وبالمدرسة: “في البيت أتحرك براحتي وفي أيّ جهة أريد، أما في الخارج أتعثر لذا ما أن أصل الصف حتّى تستلمني صديقاتي ومعلمتي التي أنتظر أن تفرغ من كتابة الواجب المطلوب للطلاب حتّى تأتي لتخبرني ماذا أحفظ”، تحفظ شهد دروسها بشكل سماعي لكنها تجد نقصاً لعدم تمكنها من الكتابة ومسك القلم.

وعن علاقتها بزملائها بينت: “ليس كلّ زملائي يحبوني ويساعدوني، فمنهم لا يتقبلني، ويناديني بعضهم بأم عيون مسكرة”، لتستأنف كلامها بقوة وثقة: “لكن والدي يقول بأني أملك عيوناً جميلة”.

أما عما يخيفها من المدرسة فتقول: “أخاف عندما ينشغل عني رفاقي وأضطر للخروج لوحدي في ممر المدرسة فكم من مرة كُسرت نظاراتي ووقعت أرضاً”.

ولشهد أحلامها

لشهد أحلام وأمانٍ اختصرتها بجملة تريد إيصالها للجهات المعنية: “أريد أن أكتب وأذهب وأرجع لوحدي للبيت، للدكان، للمدرسة، للشارع، دون الاستعانة بأحد”. وكررت جملتها مؤكدةً وكلها ثقة وأمل بأن هناك من يحمل همهم كفئة ترغب بالتعلم والكتابة حتى لو بطريقة “برايل” باللمس، وأضافت: “أريد ان أكتب، متسائلةً أليس هذا من حقنا؟”.

مصدر قوة لأمهما

وشهد ليست الابنة الكفيفة الوحيدة في العائلة، فأختها الصغرى نور يوسف الخلف ذات الأربع شموع من العمر تعاني من نفس حالة أختها مما يزيد من عبء هذه الأسرة، كما أوضحت والدة شهد التي تواجه مع طفلتيها الحياة بكلّ ثقة وأمل بتطور الطب، وتؤكد: “هما مصدر قوتي”.

تربط نور وشهد مع أختيهما المبصرتين علاقة حميمة بوالديهما، فتذكر الأم: “تساعدني شهد بكلّ شيء، ومن المستحيل أن تجلس على مائدة الطعام دوننا”.

شهد طفلة صبورة، أحلامها البسيطة وضعتها بين يدي المعنيين في الإدارة الذاتية الديمقراطية لعلّها تستطيع بمناشدتها تحقيق أحلام لأشخاص جلّ أمانيهم اختصرتها شهد بجملة صغيرة ختمت بها كلامها: “نريد مركزاً خاصا بنا يعلمنا؛ فنحن نريد أن نكتب”. وجود الأطفال بحياتنا نعمة، لذا تجب رعايتهم من قبل الأهل والجهات المعنية والعمل على تأمين أبسط حقوقهم، ألا وهو التعلم.