سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

أردوغان… من النفاق والقتل إلى تزوير التاريخ

د.علي أبو الخير_

 مشكلة الرئيس التركي أردوغان أنه يتخيل أنه قادر على خداعنا، ولكنه خداع مكشوف، يدين إسرائيل في العلن وتستمر تعاملاته الاقتصادية مع إسرائيل في السر والعلن، كما فضحه رفيقه الوزير الأسبق أحمد داوود أوغلو، هو ينافق الفلسطينيين ويقتل الكرد ويرفض الإفراج عن القائد عبد الله أوجلان، ويساعد الكيان الإسرائيلي رغم مجازره اليومية ضد الشعب الفلسطيني في غزة منذ يوم السابع من تشرين الأول 2023
هنا يبدو التساؤل جائزاً في سبب الازدواجية الأردوغانية، وهو تساؤل مشروع نحاول الإجابة عنه.
حيرة أردوغان
تظهر حيرة أردوغان عندما يطالب بتعديل بنود معاهدة سيفر عام 1920، التي قسّمت الإمبراطورية العثمانية، وهو وهم صاغته له أيديولوجيته الإسلامية/السياسية، وحيرة أردوغان تدور حول الارتباك النفسي والتاريخي بين القومية الطورانية والهوية الإسلامية السياسية، وبينهما الوضع الاقتصادي، ويحاول أردوغان الجمع بينهم مستغلاً الروح الدينية والقومية الطورانية، والطورانية حركة قومية ظهرت بين الأتراك أواخر القرن التاسع عشر، هدفت إلى توحيد أبناء العرق التركي، الذين ينتمون إلى لغة واحدة وثقافة واحدة، وقد أخذت الحركة اسمها من منطقة طوران، الممتدة ما بين هضبة إيران وبحر قزوين مهد القبائل والشعوب التركية، كما يقولون.
وقد نجحت الحركة في إسقاط الخلافة الدينية العثمانية، ولكنها لم تتناسَ التمدد الخارجي بالروح القومية، خاصةً بعد سقوط الاتحاد السوفييتي واستقلال خمس دول تنتمي للجنس التركي، وهي أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وتركمانستان وأوزبكستان، فتم إحياء التمدد العرقي، سواء على مستوى حزب الشعب العلماني، أو على مستوى التيارات الدينية، وهو ما نعيش فصوله اليوم، ولكن حزب الشعب لم يتحدث عن الدين، ولم يتخذ إجراء في التمدد الطوراني أثناء فترات حكمه.
 أسباب الحيرة العثمانية 
يوجد سببان كما نرى يؤججان مشاعر الرئيس التركي ويجعلانه يتخذ القرارات الخطأ أو الخطيئة في الزمن الخطأ. أولى هذه الأسباب هو السبب التاريخي النفسي، فأردوغان يفتخر بالجنس التركي بصورةٍ شمولية شوفينية، صحيح أن الجنس التركي يمتد من شرق آسيا لغربها، ولكن تاريخ الدولة التركية الحالية لا يتعدى الستمائة عام، نعم أثّر الجنس التركي في التاريخ الإسلامي منذ خلافة المعتصم بالله العباسي، كانت أمه المسماة ماردة تركيّة الأصل وجارية لهارون الرشيد وأنجبت منه المعتصم، فاعتمد المعتصم على أخواله الأتراك، كما اعتمد المأمون على أخواله الفرس من قبل، واستغل الأتراك الفرصة فأسسوا الدولة السلجوقية عام 1037، ولكنها لم تصل إلى آسيا الصغرى أو بيزنطة واليونان القديمة، التي تمثّل جغرافيا الدولة التركية اليوم، وبحسبة تاريخية، نجد أنه ومنذ وفاة المعتصم عام 842 وحتى عام 2022 يكون عمر الأتراك في التاريخ الإسلامي  1180 سنة، أما تاريخ وجغرافيا الدولة التركية الحالية، يمكن اعتباره منذ فتح القسطنطينية عام 1453 وحتى عام 2024 يكون عمر الدولة التركية الحالية 569 سنة، ويمكن زيادة المدة، لنجعلها منذ تأسيس الدولة العثمانية عام 1326 وحتى عام 2024 يكون عمر الدولة التركية الجغرافية 698 سنة، فقط لا غير، وهو عمر قصير في تاريخ الدول والشعوب، ليس مثل مصر والكرد والشام والهند والصين والعراق وغيرهم، وهي الدول التي صنعت الجغرافيا فيها التاريخ، واستقرت الشعوب داخلها منذ آلاف السنين، ليس مثل الدولة التركية.
ومن ثمّ عندما يفتخر أردوغان برموز تركية، ذكر أمثال إلب أرسلان – ملكشاه – محمد الفاتح، وهم ينتمون للجنس التركي وليس للدولة التركية الحالية، وواضح عدم وجود علماء فلك وطب وكيمياء أو فقهاء أتراك عبر التاريخ، فليس بينهم إلا النادر عالم رياضي أو تاريخي أو فلسفي مؤثر، مثل ابن رشد وابن الهيثم والفارابي والرازي والغزالي، الفخر فقط للقيادات العسكرية، فالتاريخ التركي تاريخ عسكري فقط، فقام الأتراك بغزو أوروبا ولكنهم لم يستقروا فيها، ولم يستقر الإسلام نفسه، إلا في الدول التي عرفت الإسلام من قبل في البوسنة والهرسك وألبانيا، ورجب أردوغان يريد إيحاء الماضي بالقوة العسكرية في الدول العربية التي كانت ضمن ولاياتها، ولم يتمدد في الدول ذات الأصول التركيّة، فهو يظهر في المناطق الضعيفة المشتعلة أصلاً بالحروب الداخلية ويستغلها، كما يفعل مع فلسطين بغرور تاريخي ونفسي شخصي.
والسبب الثاني المحرك لرجب أردوغان إسلام سياسي بامتياز، ولا يمكن لأردوغان أن يسيطر على المنطقة بالدعوة لخلافة تركية جديدة، لأن زمنها انتهى بلا رجعة، فشل من قبله عدنان مندريس الذي أُعدم عام 1961، ونجم الدين أربكان، الذي لم يستمر حكمه إلا عام واحد، وتم إبعاده عام 1997، ولكن أردوغان يرغب في وصول أصحاب الإسلام السياسي، خاصةً جماعة الإخوان المسلمين لحكم عدة دول عربية، يكون هو فيها المُرشد الذي يحدد السياسات الخارجية للدول التي تدور في فلكه، ويحاول أردوغان الوصول إلى قمة الإسلام السياسي عندما بات يذكّر الأتراك بماضيهم ليفتخروا باحتلالهم للبلاد العربية، لأن الغزو التركي للدول الإسلامية وإسقاط الخلافة العباسية الرمزية تم بعد احتلال مصر عام 1517.
المدهش أن أردوغان المتأسلم لم يتخلَ عن تراث أتاتورك العلماني، يمدح أتاتورك الذي ألغى الخلافة، ويمدح السلطان عبد الحميد الثاني في الوقت ذاته، وبسبب ذلك تعيش تركيا حالة من الانفصام، فهي دولة إسلامية تريد رئاسة العالم الإسلامي، وهي دولة علمانية تسعي للانضمام للاتحاد الأوربي، دولة فيها أكبر قاعدة أمريكية وأكبر تجمع إسلام سياسي معارض للدول العربية، خاصةً تجمّع الإخوان المسلمين المدعوم من تركيا، وهو تناقض مفهوم بعد التأمل في السلوك الأردوغاني.
هذا تاريخ لابد من تذكّره والكتابة عنه لنفهم الدور التركي السلبي سواء في العصر العثماني والعصر الأردوغاني وبينهما حكومات شوفينية قد تعلو أو تخفت ولكنها في النهاية تضر ولا تنفع ولم تنفع.