سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

أحمد الفيتوري: “الدعم التركي لحكومة الوفاق ساهم في استمرار الأزمة بليبيا”

كل الأراضي التي يتحرك فيها مهووس السلطة أردوغان تدور في فلك الدولة العثمانية البائدة التي وبالرغم من مرور أكثر من مئة عام على انهيارها، إلا أن هناك من يحلم بالجلوس على عرشها مجدداً ويتحين الفرص لذلك، في الوقت الذي يخرج فيه قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر في خطاب قبل دخول العاصمة طرابلس الواقعة تحت سيطرة الميليشيات المتحالفة مع حكومة الوفاق الوطني المعترف بها أممياً، والتي تنال دعماً تركياً كبيراً وبالتبعية قطرياً منذ بداية الأزمة، تجددت الإشارة إلى أن دولة الاحتلال التركي والدعم غير المحدود الذي تقدمه للمليشيات في خرق واضح لقرارات مجلس الأمن وفي مسعى يمدد مسيرة الأزمة الليبية ولا يبشر بأي أفق للحل نتيجة ذلك.
الأحلام الأردوغانية باستعادة الخلافة العثمانية
حول هذا الموضوع؛ تحدث لوكالة فرات للأنباء الكاتب والمحلل السياسي أحمد الفيتوري بقوله: “تمارس تركيا رقصتها الأخيرة والتي ستقاتل من أجلها بشراسة في ليبيا يبدو أنها بدأت تبحث عن سبل جديدة، والواضح في الفترة الأخيرة ومنذ انطلاق رياح ما سمي بالربيع العربي، وحالة الفراغ السياسي التي شهدتها المنطقة، والتي تتشابه إلى حد كبير مع الحالة التي عاشتها المنطقة في نهاية حقبة دولة المماليك في مصر وهو ما دفع بأردوغان، الطامح باستعادة دولة الخلافة العثمانية، إلى مواصلة سعيه الذي كان قد بدأه قبل الربيع المزعوم بصور مختلفة قوامها التعاون ومدخلها الاقتصاد”.
وتابع الفيتوري حديثه بالقول: “رغم الصور والمحاولات المتعددة لأردوغان في الدول العربية، والتي يبدو فيها أنه يسير على نهج مواطنه سليم الأول، في باشور وروج آفا، وحتى توجهه نحو السودان، واختياره سواكن التي لم تأتِ اعتباطاً حتى تأتي الأوضاع الحالية وتقضي على هذا التحرك أو تعطله ليبحث عن مدخل جديد، وصولاً إلى طرابلس (ليبيا) والتي كانت من أصعب المعارك التي خسرتها الدولة العثمانية مع أفول نجمها، وبين هذا وذاك تأتي قلب المنطقة (مصر) التي كان ضعفها من أهم أسباب سيطرة العثمانيين على المنطقة، في أسوأ وأطول احتلال مرت به المنطقة وكُرّس لأغلب أزماتها التي تعيشها حتى هذه اللحظة، ولذلك لا يتوانى أردوغان بين الحين والآخر عن التشاحن مع مصر، متحيناً فرصة ضعف للدولة المصرية تمكنه من الانقضاض على دول المنطقة فيها لتحقيق أطماعه”.
وأضاف: “المشهد الليبي الأهم في طرابلس، (طرابلس الغرب) والتي خضعت للاحتلال العثماني وتعيش اليوم إرهاصة الخضوع للعثمانيين الجدد نفسها الذين يقدمون كافة صور التسليح والدعم للمليشيات والجماعات الإرهابية منذ سنوات بغرض السيطرة في واستعادة النفوذ الماضي. إن المشهد الراهن يُذكّر بوضع العثمانيين في الماضي في هذا البلد إنما يجري الآن يسير على هذا النهج حتى أن أردوغان هو الرئيس الوحيد الذي يعلن في 2019، ويبشر الليبيين، بتزويد طرف منهم بالسلاح، ويتم ذلك في عرض أشرطة تتناقلها محطات التلفزيون. إن المشهد الليبي الحالي يشير إلى عودة المحتلين السابقين (تركيا وريثة أنقاض الدولة العثمانية) لليبيا للبحث عن النفوذ ولجعل ليبيا ساحة جديدة للصراع فيما بينهم، فأردوغان كما ماتيو سالفيني، الوزير الإيطالي، الذي يراه موسوليني اللحظة، والذي يقول إن ليبيا ملاذٌ آمن، وموثوق به لإيواء المهاجرين غير الشرعيين”.
قدّم الاحتلال التركي الدعم للإخوان لتحقيق مصالحه
وأوضح الفيتوري حديثه بالقول: “ومن هذا الباب باتت طرابلس مأوى، وسوق لعبيد عصر ما بعد الحداثة الأوروبية، فأقيمت، مراكز احتجاز للمهجرين في ليبيا، وأنجز كل ذلك بتحالف مضمر، بين المصالح والنفوذ، الأردوغاني واليمين المتطرف الإيطالي”. ويحمل الفيتوري في مخيلته ذكريات روتها له جدة أمه، التي عايشت سيطرة الدولة العثمانية على بلاده، ورغم أنه كان في مرحلة مبكرة من طفولته في 1968، إلا أنه لا زال يتذكر كافة الصور التي نقلتها له عن هذه الفترة، ويشير إلى أنه تتبع بعدها أثر الوجود العثماني في ليبيا، والذي تُشير المراجع إلى أن الإمبراطورية العثمانية احتلت طرابلس الغرب في 15 آب 1551. وبقت تحت سيطرتها حتى عام 1711، عندما استقل أحمد باشا القره مانلي بالولاية، لتُعرف تلك الفترة بالعهد العثماني الأول، ثم استمرت الأسرة القره مانلية حتى عام 1835، وهو العام الذي احتلت فيه البحرية العثمانية الايالة، وعرفت هذه الفترة بالعهد العثماني الثاني، لتبقى تحت سيطرة الباب العالي حتى 1912.
وأردف: “سلمت دولة الاحتلال التركي البلاد لإيطاليا، بموجب معاهدة أوشي، التي عقدت بين البلدين في سويسرا، بعد نجاح غزو إيطاليا الذي بدأ في تشرين الأول 1911، وكانت ولاية طرابلس الغرب، آخر نقطة تسلمها تركيا، من ممتلكاتها في الشمال الأفريقي. ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى في 1914 عاد التُرك إلى ليبيا التي زُج بها في حرب كبرى، بعد أن تم تسليمها من قبلهم للمملكة الإيطالية، حتى أن عبد الرحمن عزام أول أمين عام للجامعة العربية، كان ممن شاركوا في هذه الحرب بليبيا، في مذكراته التي صدرت 2013، عن الهيئة العامة للكتاب في مصر”.
وختم الكاتب والمحلل السياسي أحمد الفيتوري حديثه بالقول: “العلاقات الليبية التركية كانت جيدة في عهد القذافي، والتي رغم قوتها إلا أن أردوغان اتخذ نهجاً براغماتياً للحفاظ على مكتسباته، بدءاً بانتهاج مبدأ عدم ردّ الفعل، في التعاطي مع حدث الثورة الليبية عام 2011، وصولاً لحالة استغلال الوضع الراهن رغم علاقاته القوية بنظام معمر القذافي والتي كان البعد الاقتصادي فيها واضحاً للدرجة التي أدت بالقذافي لدعوته كضيف شرف لقمة سرت في ٢٠١٠، وأردوغان ما يهمه بالأمر كله هو تحقيق مصالحه عبر دعمه للإخوان في تلك المنطقة”.