سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

أحمد الساير: المعاناة… نبض شعري دافق

تقرير/ حسام اسماعيل –

روناهي/ عين عيسى ـ في قريَّة (العطشانة) التابعة لناحيَّة عين عيسى كانت صرخته الأولى التي أعلنت قدوم إنسان لدنيا الألم والأمل والمعاناة والحب، درسَ الابتدائيَّة في مدارسِ قريتهِ الريفيَّة ليَتعلم التَّواضعَ، والبساطة بكلِ تفاصيلها، ليَنتقلَ بعدَ إنهاءِ تحصيلهِ الابتدائي الى الناحيَّة، وليَدُخل في مَدارسها، وليَنتقل في سبعينياتِ القرنِ العشرين مع أهلهِ الى الرقة، ليُواصلَ تعليمهِ فيها، وفيها حصلَ على شهادةِ الثانويَّة العامة، وبعدها (المَعهد الخاص)، إنَّه الشّاعر أحمد الساير.
بدايته الشعرية المتواضعة:
يَقولُ أحمد الساير:” تَركتُ الدراسة بالتحديّد في سنة 1983م، لأعملَ مُدرساً في المدارسِ الابتدائيَّة لعين عيسى، ومن ثم مُدرساً للغة الفرنسيَّة، حتى كانت بداية الأزمة السوريَّة”.
وتابع الساير حديثهُ بالقول:” الإنسانُ السوري تأثرَ كثيراً بهذهِ الظُروف الصعبةَ، ولم تكن عَاملاً يُقلل من صقلِ المَهاراتِ، أو التَقوقع أو التوقف، ومُراوحة المكان، فما دامت المَشاعر تَتَأجج فالشاعرُ يَفيضُ شعره أكثر من ذي قبل، لذلك كَتبت عن الغُربة، وكَتبت عن الوطنِ، وعن العشقِ، وعن الأهلِ، وكتبتُ كثيرً من القصائدِ الشعريَّة”.
وعن بداياته الشعريَّة يَقولُ الشاعر الساير: ” كان بداياتي الشعريَّة في العام 1982م، كُنت خلالها أُنظم القوافي على أساسِ شعرِ (التفعيَّلة)، وأجُرب نفسي في الشعرِ، بدايتي كانت قصيدةَ قصيرةَ لم تَتَجاوز خمسة أبياتٍ، وكانت كردةِ فعلٍ طبيعية تجاهَ أهلي على ما أذكر الذيّن بَدأوا بالإلحاحِ عليَّ في طلبِ العملِ لتأسيسِ مستقبلي حملتها جل معاناتي بما كنت أعلم من مفردات وإحساس.
ويذُكر الشاعر أحمد الساير بأنَّ هذه القصيدة، وقعت إثناءها في يدِ أخوتهِ، وكانوا فرحين جداً بشعره، ومستغربين لماذا كانت ردة فعله بالشعر؟!، ولم تكن بطريّقةٍ تقليديَّة (الكلام ـ أو ممارسة نوعٍ من العُنف تجاه الأسرة).
موهبتي كانت أقوى من مغريات الحياة:
ويضيف الشاعر الساير: “قاومت فكرة – تحديّد وتأمين مُستقبلي-  كان عليَّ تحمل ضُغوطاتٍ كبيرةٍ من قبلِ الأسرة، ونتيجة الإلحاحِ تركِ موهبتي الشعريَّة، والتوجه للتخطيطِ المُستقبل والعمل”.
كان إصرارهُ على مُتابعة كتاباتهِ الشعريَّة، وإعطاءها جزءً كبيرً من وقتهِ، وتَفكيره وقاوم تلك الأفكار حول تحديد مستقبله  وتهميش موهبته، وفي النهاية هو من أنتصر.
يَصفُ الساير نفسهُ بالقولِ:” كُنت كتوماً، وأتحفظُ كثيراً على كثيرٍ من الأمورِ داخلَ أسرتي، ولا أُصرّحَ بها علانيَّة، أعتقدُ بأنَّ الظُروفَ هي من أجبرني على هذا التَّكتم”.
مستطرداً: “في نهايَّة الثمانينات من القرن العشرين كان توجهي الشعري يَتغير، ويزداد للتّعبير أكثر عن مكنوناتي، وكانت النتيجة ثلاثة كُتبٍ في الأعوام 1986ـ 1989ـ 1992، بالتزامن وهي (الفرات)، (ابن الرقة)، وقصة تتضمن أشعار (سميتها الأميرة)”.
ملهمي عمر الفرا والشعر الفراتي:
 وبحديثه عن الشعراء الذين تأقر بهم كثيراً يقول: ” أعجبتني كثيراً أشعار الشاعر السوري عمر الفرا، وألوان الشعر المتعددة، ومن أبرزها الفراتي، وبنيّتُ قصائدي مُحاكاة للفرا، وعلى نمطهِ، لم يكن الشّعر بالنسبةِ لي يَحتاجُ الى مُعجزةٍ أو المَهمة المُستحيلة، لذلك بدأتُ بقصائدَ من هذا النوع، وتُعبر عما يُكنهُ أهلُ مدينتي بالذات في خلجات أنفسهم”.
الأزمة السورية… جعلتني غريباً في وطني:
عندما بدأت الأزمة السوريَّة، وأحاطت بالشعب السوري من كلِ حدبٍ وصوب، جعلتُ نفسي غَريباً في وطني بسببِ سياسةِ التَّهجير، والمَسافاتِ الطويّلة التّي قطعناها، بسببِ هذهِ الأزمة، وكَتبتُ قصيدةً عن الغربةِ باللغة المحكية قلتُ فيها:
“تبعث لي أمي حجايات
من وطن الغربة تقلي
يا وليدي الوطن غالي
 خلي النسر الحر العربي
لفوق يعلي
بالك تترك عشيرتنا وديرتنا
بالك تروح بعيد
حنين الوطن جنة
وتراب الوطن حنّة…
يما تعالي لوطنا..
تعالي لأرض جدودي
أنا سوري مصري ليبي
عراقي من تونس
سقيت ورودي
فلسطيني من أرض الشام
 ابن الوطن الما ينظام”
للغربة والتشرد … نصيب من أشعار الساير:
في ظلَّ المرحلةِ التَّي عاشت بها سوريا، من سيطرة الفصائل المسلحة إلى سيطرة مرتزقة داعش على مناطق من شمال وشرق سوريا، وعملت على تمزيقِ الوحدةِ، والتّلاحم بينَ مُكوناتِ الشُعوب، واستخدمت الدين، واستفادت من التَّنوع الفكري، والديّني بينَ كافةِ المُكوناتِ، ولعبت على وترِّها، تأثرَ الشاعرُ الساير بهذه الظُروف.
ويقول الشاعر أحمد الساير:” باعتقادي معيَّار الحُروب ليسَ بقدرِ التضحيَّات التي تُقدم، مع العلم أنَّها أمرٌ طبيعيٌ وحتميٌ، بقدرِ ما تَكون هي حاجةٌ لتحرر الشُعوب بعد التضحيّات التّي قدمها أبناء مَناطق شمال وشرق سوريا بما يُقدر بـ12000 شهيَّد، إلى جانبِ التضحيَّات يجب أن نُعول أكثر على الحِوارات أو النقاشات التَّي تُوصل إلى حلٍ يُجنبُ تقديم المَزيد من أبناءنا، فقد قدمنا الكثير”.
وكتأكيد على لغة الحوار كتب عن السلام، وعن القائد عبد الله أوجلان “راعي السلام” ويقول:
“لو كلمات العالم تجمع
وكل كلمة بي إلها مسمع
 ما تساوي كلمة قائدنا
كلمة حق بفوهة مدفع
وكانون أصبح نيسان
بهمة الأبطال الشجعان
 وأحرارك روج آفا تردد
مع قائدنا أوجلان
قائدنا نبراس الحرية
والباب مشرع للضيف”
وفي ختام لقاءِنا تَمنى الشاعرُ أحمد الساير بأن تَكونَ الخاتمةُ لشعوبِ المَنطقة، كمثلِ أجملِ الخواتم السعيّدة، وآثرَ في نهايَّة اللقاء بأن تَكونَ للمرأةِ حظٌ، ونصيبٌ من لقاءنا، وأشارَ في حديثهِ الى مكانةِ المرأةِ التّي أصبحت في أعلى المُستوياتِ، وسيكونُ لها دورٌ أكبر في المُستقبل لتأخذ دورها في بناءِ مُجتمعاتنا، فيقول:
هيا ارتقِ دارُ العلياء يا مرأةً
فإنَّ المجدَ نابعٌ منكِ سؤددا
عهداً سنسلك طريقَ المجد
 نمضي بهِ
حتى يلتقي به عالمنا مجدداً
كُنت نصفَ المُجتمع لا كاملةً
 فأنت المُجتمع،  وإن تعددا
حماكِ الله من كل سوء
 نكيّد بكِ العدا، وإن توعدا”.