الثقافة السياسية في سوريا

لينا بركات –

إن الثقافة السياسية تؤثر في علاقة المواطن بالسلطة من حيث تحديد الأدوار والأنشطة المتوقعة من السلطة ومن حيث طبيعة الواجبات التي يتعين على المواطن القيام بها وفي هذا السياق نستطيع الربط المفصلي ما بين الثقافة السياسية والديمقراطية ذلك أن الديمقراطية ليست تعبيراً عن حقيقة بنائية ومؤسساتية فقط لكنها مجموعة قيم واتجاهات ومشاعر تشجع على الممارسة الديمقراطية الفاعلة من جانب الحاكم والمحكومين.

وفي سورية وخلال أكثر من خمسة عقود اختفت الثقافة السياسية وتراجع معها دور الطبقة السياسية المدنية إلى درجة باتت فيها مقاومة المجتمع للسلطة العسكرية الأمنية ضعيفة فكانت النتيجة المآلات التي صارت إليها ثورة الشعب في سورية من أجل الحرية والكرامة.

فقد ساهمت العقود الخمسة من الحكم الشمولي في تكريس النزاعات المحلية وعبادة السلطة والثروة والاستهتار بالقانون ومن هنا نجد أن مشكلة العمل السياسي في سورية نابعة من مشكلة الثقافة السياسية السورية التي تتصف بغياب الحس السياسي في التعامل مع الاتجاهات السياسية المغايرة .

إن غياب القدرة على حل المشكلات عبر التحاور والتشارك وغلبة الحدية في التعامل مع الخصوم السياسيين بدءاً من التنديد بهم وانتهاء بتخوينهم، وقد نتج عن تلك الثقافة السياسية السائدة أن المرأة أصبح دورها هامشياً إلى درجة كبيرة لم تستطع معها أن تكون ذات أثر واضح وعميق على مسار السياسة السورية خلال العقود الخمسة الفائتة نتيجة عدم وجود الدعم الحقيقي لدورها والاكتفاء بتمثيل النساء تمثيلاً ضعيفاً في كافة مجالات العمل السياسي ومواقع صنع القرار وحرمانها من شغل المناصب العليا في الدولة وحصر نشاطها السياسي ضمن إطار واحد ووحيد والذي كان يسمى الاتحاد النسائي السوري الذي عمل على الحد من النشاط النسوي السياسي في سوريا وحصره ضمن فكر الحزب الحاكم ومنع تشكيل تنظيمات نسائية خارج إطار الاتحاد النسائي مما جعل وجود شخصيات نسائية سياسية في سورية أمرا بالغ الصعوبة وإن وجدت فستكون ضمن إطار المنظومة الحاكمة وليس تعبيراً عن فكر المرأة وتمثيلها تمثيلاً حقيقياً في الموقع الذي تشغله تلك النساء فكان دورها على الأغلب شكلياً لا حقيقياً فاعلاً نتيجة أن العقل السياسي الحاكم عقل أمني لا مدني وعقل انقلابي لا مؤسسي عقل استبدادي عدوه الأول من يعترض أو يفكر بحرية لا يحسن أصحابه سوى قمع او استئصال كل أشكال الاختلاف أو المعارضة وهو عقل طائفي لا وطني.

وكانت الحصيلة نسف فكرة المواطنة وتلغيم المجتمع السوري والطاقات الحية فيه بتحويله إلى حشود تمارس طقوس الطاعة اتجاه زعمائها الذين يقودونها إلى خوض حروب تفضي إلى هلاكها

إن الممارسة السياسية لا يمكنها أن تترسخ إلا في ظل بنية ثقافية تقوم على المساواة وحرية العمل السياسي للقوى والتنظيمات السياسية المختلفة كذلك لن يكون بالإمكان إرساء قواعد تنمية سياسية حقيقية وتكريسها في إطار بنية سياسية ملائمة، إلا عندما ترتقي بنية الثقافة السياسية إلى مستوى قواعد وأسس العمل الديمقراطي بمبادئه وقيمه ومضامينه التي ترتكز على الإيمان بالمواطنة من خلال جعل الأفراد مواطنين فاعلين ومشاركين نشطين في إدارة أمورهم العامة