الآثار وعلاقتها بالثقافة والمجتمع

أحمد اليوسف –

من لا ماضيَ لهُ لا حاضر لهُ، ومن نسيَ ماضيه فقدَ حاضرهُ، لكلِّ إنسانٍ ماضٍ يُفاخرُ بهِ ويعتزُّ بأمجادهِ، ولكلِّ دولة تاريخٌ تبني حاضرها على أسسهِ الراسخة في أذهان الأبناء والتي انتقلت من جيل إلى جيل، والتاريخ حافلٌ بانتصارات الأمم وحضاراتها، وكلّ أمّةٍ تمتلك الإرث الأكبر من تلك الحضارات، هي محطُّ الأنظار لجميع الأمم الأخرى، لأنّ هذا الإرث التاريخي والحضاري يحمل في طيّاتهِ أسراراً جمّة تميّز أمّة عن غيرها من الأمم، ولولا وجود الإنسان لمَا قامت الحضارات، فهو بانيها وصانعها وراويها، ولعلّ أعظم الشواهد القائمة على الحضارات الآثار المتبقية منها، والدالة عليها، وحين كانت هذه الآثار دلالةٌ حتمية على صنع الإنسان وتفوقهِ وابتكاره في عصرٍ من العصور، فإنها بلا شكٍّ مرتبطة بالمجتمع ارتباطاً وثيقاً، فهي تنقل بصورةٍ وأخرى تاريخهُ وأمجادهُ الغابرة، وتشهد عليها، ولمّا كانت الآثار هي الدلائل التي تُعتبر من حق البشرية جمعاء، وجبَ أن نرعاها بعين الأمانة والحرص الشديد، لأنها الأوابد التي تشهد على البشرية جمعاء، وتوثق حياتهم وطرقها، وحروبهم وأسرارها، وأديانهم ومعتقداتهم، فكتب التاريخ قد يدخلها التزوير والتغيير، أمّا الآثار الموجودة المنحوتة فتظل الشاهد الأصدق والأثمن على تلك الأمم السالفة.

إنّ ارتباط الآثار بالثقافةِ والمجتمع، كارتباط القلمِ بالورقة، فالآثار تخطّ ثقافات أممٍ سابقة اندثرت وزالت، ولكن تركت خلفها ثقافاتها منحوتةً ومرسومةً بالصخور، فنرى من خلالها كيف كانت طرق معايشهم ولباسهم وحروبهم وندواتهم في مجالسهم ونواديهم، وهذا كله من الثقافة، حيث أن الثقافة أسلوب حياة ومعاملة، وطريقة عيش.

ومن هنا يجب علينا توعية المجتمع على أهمية هذا الإرث العظيم والذي هو من حق البشرية جمعاء، وعلينا أن ننشر الوعي للحفاظ عليه بماء العيون، لأن هذا الإرث لا يُباع بأي ثمنٍ كان، فهو حضارة ومن الحماقة والطيش أن تجعل لحضارات كاملة بكل تفاصيلها ثمناً، فحين نجد قطعةً أثريةً ما في مكانٍ ما، هذا يعني أننا وجدنا إرثا خلّفه أسلافنا من بني الإنسان على هذه الأرض، وحين يجهل الإنسان العادي أن هذه القطعة قد تكون باباً لاكتشاف حضارة لم تُكتَشف بعد، قد يبيعها بثمنٍ بخسٍ مهما غلا، أمّا حين يعي قيمتها الثقافية والإنسانية والتاريخية، فبلا شكّ سيفضّل أن يكون لبلدهِ السابقة في اكتشاف تلك الحضارة، ومن هنا نناشد مديريات الآثار، بتكثيف الجهود لحماية المواقع الأثرية، ونشر الوعي للإبلاغ عن أيِّ مكانٍ نجدها فيه، وبذلك تتمكن من القيام بواجب الحفاظ عليها وترميمها وحمايتها لتظل شاهدة على عراقة أرضنا وشعوبنا، وأنْ تكثّف منشورات التوعية والتوجيهِ التي تحمل إشارات على أهمية الآثار وضرورة الحفاظ عليها.

الآثار لها دور كبير في رسم الطابع الثقافي للمجتمع، وإبراز الجانب الحضاري من الأمة، وحين تكون هذه الآثار بمكانٍ تمت فيه المحافظة عليها وحمايتها، فإنّ ذلك من شأنهِ أن يعكس للأمم الأخرى الصورة الثقافية التي تمتلكها شعوبنا العريقة، والهوية الحضارية لأرضنا، وتثبت أننا شعوب واعية بتاريخها وحضارتها وعراقتها، ويجسّد هذا الوعي أنها شعوب تحافظ على أوابدها الأثرية ولا تفرّط فيها بأي ثمنٍ كان لأنها تمثّل ثقافاتنا.