في فصل الدين عن الدولة

رياض درار –

الحديث عن فصل الدين عن الدولة موضوع إشكالي والدين هدفه بناء الإنسان وهو موضوع عام بينما الدولة لها غايات محددة في إدارة شؤون الناس المتعددين والمختلفين، ويفترض بها أن تبقى حيادية تجاه الأديان، ومهمة الدين أن يجيبنا عن القضايا الكبرى التي تتعلق بوجودنا وأصلنا ومصيرنا والغاية التي خلقنا من أجلها، وأن يعطينا نظاماً قيماً ومبادئ يمكن أن توجه تفكيرنا وسلوكنا وتكون مرجعية قيمية لنا، أما الدولة فمهمتها تقديم الخدمة للناس كالتعليم والصحة والعمل دون التعرض إلى القلوب، فأمر القلوب موكول إلى الله، من هنا يمكن أن نطلب تحرر الدين من الدولة، ويمكن أن تبقى قيمه موجهة للسلوك والتفكير.
يقول الشيخ والمفكر الإسلامي إياد جمال الدين: «تحويل الدين إلى طائفة أو مجموعة طوائف، بدلاً من كونه حالة إيمانية فردية بين الإنسان وبين ربه، هو أساس دمار الدول والمجتمعات. ومن الأمور المدمرة التي تسرّع إخراج الدين من حالته الفردية وتحويله إلى مجموعات متعصبة ذكر الدين والمذهب في جنسية المواطن! الدين والمذهب، أو اللا دين أو الإلحاد، أحوال خاصة للإنسان، بل هي أدق خصوصيات الانسان، ويجب ألا تكون أداة للاستعراض. ويتساءل: «كيف يمكن التأسيس لـ»دولة الوطن والمواطنة « ونحن ما زلنا نعتبر المسيحيين أو الإيزيديين أو الصابئة أو السنة أو الشيعة «أقلية»!. ففي بلد المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات والفرص، لا أقليات. الكل متساوون تحت ظل القانون، وإن الدعوة للمساواة بين الطوائف الاسلامية هي في جوهرها دعوة لتكريس الطائفية وليس لاجتثاثها؛ فيجب المسارعة للعمل على تثبيت أسس المساواة قانونياً بين المواطنين وليس المساواة بين الطوائف.
هذا ينقلنا إلى موقف مبدع آخر من عباقرة الإسلام ورائد النهضة في زمانه الشيخ محمد عبده فهو من وضع برنامج الحزب الوطني المصري في كانون الأول 1881. ولننظر إلى ما تقوله المادة الخامسة من البرنامج: «الحزب الوطني حزب سياسي، لا ديني، فإنه مؤلف من رجال مختلفي العقيدة والمذهب، وجميع النصارى واليهود، وكل من يحرس أرض مصر ويتكلم لغتها منضم إليه؛ لأنه لا ينظر لاختلاف المعتقدات، ويعلم أن الجميع أخوان وأن حقوقهم في السياسة والشرائع متساوية، وهذا مسلم به عند أخص مشايخ الأزهر الذين يعضدون هذا الحزب ويعتقدون أن الشريعة المحمدية الحقة تنهى عن البغضاء، وتعتبر الناس في المعاملة سواء».
هذه وصفة بناء الأوطان، المساواة بين المواطنين وكل تذكير في جنسية المواطن على أساس دين أو قومية أو مذهب فهي سبب في انهيار المواطنة وهدم الدول؛ لأن الطوائف ستطالب بحقوقها وتمثيلها السياسي وحصتها في الوظائف الحكومية، أي المحاصصة. والمحاصصة هي الخطوة الأولى على طريق التقسيم والحروب الأهلية ودمار الدولة. «على حد قول الشيخ جمال إياد الدين».
فصل الدين عن الدولة يقوم على أن القرآن الكريم لم يضع للدولة أي أساس أو شكل وقد فصل بين معنى الحكم الذي هو قضاء الله وشرعه، ومعنى الأمر الذي هو شورى بين الناس وهو مناط السياسة. وحديث الرسول: «أنتم أعلم بشؤون دنياكم» والدولة من شؤون دنيانا. كما فصل النبي صلى الله عليه وسلم بين مفهوم السلطان والقرآن: «إن الكتاب والسلطان سيختلفان فدوروا مع الكتاب حيث دار». وقال: «إنكم سترون بعدي أثرة وأموراً تنكرونها قالوا فما نفعل يا رسول الله قال أدوا إليهم مالهم وسلوا الله مالكم»، وفي رواية البخاري عن ابن مسعود: «تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم» ونص الحديث: ((إنها ستكون بعدي أثَرة وأمور تنكرونها، قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟، قال: تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم)) متفق عليه. وهذا يدل على معنى الفصل بين الدين والدولة، وأساسه الذي ورد في حديث المسيح عليه السلام: «دع لقيصر ما لقيصر وما لله لله».