ناجيات حوّلن العنف ضدهن إلى قضية نضال..

بقصص هؤلاء النسوة اللواتي واجهن العنف الجسدي والنفسي في المجتمع  والآن هنّ رائدات في مجتمعهن، تظهر إرادة المرأة التي إن أرادت الحرية فسيكون لها ذلك.

كان حال المرأة في مناطق شمال وشرق سوريا قبل اندلاع ثورة 19 تموز كحال الملايين من نساء العالم، إذ واجهت القتل والاغتصاب والعنف الجسدي والنفسي من قبل أسرتها أو زوجها، واضطُهدت من قبل المجتمع، حتى أُضيف إلى مأساتها ظهور مرتزقة النصرة وأحرار الشام، ومن ثَمّ مرتزقة داعش الذين حوّلوا حياة النساء إلى جحيم.

لكن الظروف قد اختلفت مع اندلاع الثورة التي سمّيت بثورة المرأة، استنادًا إلى النقلة التاريخية التي حققتها نساء المنطقة على كافة الصعد، وأصبحت النساء اللواتي عانين العنف بكافة أشكاله هن المناهضات في الصف الأول للعنف الممارس على المرأة.

الآن رائدات في مجتمعهن..

فالنساء اللواتي واجهن العنف الجسدي والنفسي في المجتمع هن الآن رائدات في مجتمعهن، ويلعبن دوراً قيادياً في مؤسسات مدنية وسياسية وعسكرية.

صادف مؤخراً، يوم 25 من شهر تشرين الثاني، اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، وبهذه المناسبة استطلعت وكالة أنباء هاوار تجارب وقصص نساء عانين العنف، أو كنّ شاهدات عليه في المجتمع، وحوّلن تجاربهن إلى قوة يحاربن بها ضمن مؤسسات ومجالس إدارية في شمال وشرق سوريا.

فرحة محمد البكر، من أهالي ناحية تل براك التابعة لمقاطعة قامشلو بإقليم الجزيرة، تزوّجت في سن 17 عاماً من رجل يكبرها بستة أعوام، وبعد ثلاث سنوات قُتل زوجها على يد عناصر الحكومة السورية في بداية أحداث الثورة عام 2012، تاركاً لها ثلاثة أطفال.

بعد أن قتل زوجها، وهي ما تزال في العشرين من عمرها، أصبحت العيون في المجتمع تلاحقها في كل خطوة تخطوها، فيما ازداد ضغط أسرتها وأسرة زوجها عليها، وأرادوا منها أن تصبح سجينة لا حياة لها، فقط لأنها بقيت بلا زوج وهي أم لثلاثة أطفال.

تجربة حية تساعد فيها النساء

فبحسب العادات، يتقرّب المجتمع من المرأة التي فقدت زوجها وكأنها تركة يمكن توريثها للغير، وخاصةً إذا كان لديها أولاد، وفي هذه الحالة وكي لا تخسر أولادها، فإنه يُفرض عليها إما أن تتزوج بأخ زوجها، أو أن تترك أطفالها وتعود إلى أسرتها التي ستزوجها مرة أخرى من رجل آخر وفي الغالب يكون شخصاً مسنّاً.

واجهت فرحة كل تلك التقرّبات ونظرة مجتمعها لها، ومحاسبتها على كل حركة تقوم بها، حتى تأسست دار لحماية المرأة في ناحية تل براك عام 2016 وانضمت إليها، لتصبح أول امرأة تعمل بالدار في الناحية.

وحولت تجربتها في الزواج القاصر، ونضالها مع محيطها بجانب أطفالها إلى تجربة حية تساعد فيها نساء الناحية، وتوجههن نحو طريق الصواب، بالإضافة إلى حمايتهن من العنف، والأهم من ذلك مناهضة تزويج القاصرات كما جرى معها.

وبعد عام ونصف من العمل في دار المرأة، أصبحت فرحة محمد إدارية في لجنة الحماية لمجلس ناحية تل براك.

لا تزال قصص المآسي التي عانت منها النساء، خلال فترة سيطرة مرتزقة داعش على بعض المناطق في شمال وشرق سوريا، وخاصةً ناحية تل براك التي بقيت تحت حكم المرتزقة لمدة عامين، عالقة في أذهان بعض النساء لبشاعتها.

منجي سالم خالد، من قرية وردي التابعة لناحية تل براك، عانت هي وأسرتها الكثير على يد مرتزقة داعش أثناء سيطرتهم على الناحية خلال عامي 2014-2015، تقول منجي سالم: “تعرض أغلب الرجال والنساء إلى الاحتجاز والخطف والقتل والاعتداءات والاعتقالات التي رافقتها ممارسات لا إنسانية من تعذيب جسدي ونفسي وجنسي، وخلّف ذلك آثاراً نفسية قاسية، خاصةً بعد أن شاهدتُ رأس ابن عمي معلقاً في دوار سميحان لمدة يومين بعد تلقيه حكم القصاص”.

بعد أيام طوّق مرتزقة داعش منزل أسرة منجي، لخطفها هي وأخواتها وبنات من أقاربها، إلا أنهن تمكّنّ من الهرب والنجاة قبل أن يخطفهن المرتزقة إلى مدينة الحسكة.

تلك الفترة التي عاشتها منجي مع أسرتها أثناء سيطرة داعش أثّرت في نفسها وحياتها، ولكن بعد تحرير ناحية تل براك عام 2016 من قبل قوات سوريا الديمقراطية، وتشكيل الأهالي مجالسهم وإدارتهم الخاصة، بدأت حياة جديدة منظّمة وآمنة.

ما عاشته منجي أرادت أن تحوّله إلى وسيلة تساهم به في حماية أهلها وشعبها، لتنخرط في مؤسسات الإدارة الذاتية الديمقراطية، وتصبح النائبة للرئاسة المشتركة لمجلس الناحية.

وتقول منجي سالم: “لم تكن كل تلك المجريات عائقاً أمام تطوري وإبراز دوري في المجتمع، فقد حوّلت ما شاهدته وعانيته إلى قضية نضال”.”

من ربة منزل لسياسية..

هناك نساء انتقلن إلى حياة جديدة، حيث أصبحت المرأة سياسية رائدة تهتم بالمجتمع وإدارته، بعد أن كانت عبارة عن ربة منزل، تهتم بالمنزل والأطفال والأسرة.

الرئيسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي في ناحية تل براك عليا العويس، تقول: “لم يكن لنا دور في المجتمع سوى تربية الأطفال والبقاء في المنزل، وقد كنت من تلك النساء اللواتي تعرضن للعنف من قبل المجتمع والأسرة، ولكن بعد تأسيس الإدارة الذاتية، تمكنت من الخروج من تلك القوقعة التي وضعنا فيها المجتمع والأسرة، لقد خرجنا من الظلام إلى النور بعد أن كانت المرأة مهمّشة ومنسية”.

وتقوم عليا الآن بتنظيم النساء في الناحية والبلدات التابعة لها من الناحية السياسة والاجتماعية والتنظيمية، وتشرف على توعيتهن وإرشادهن وتدريبهن فكرياً وسياسياً وثقافياً، وتعمل على حل مشاكل النساء.

تقول عليا أنها سعيدة بإبراز صوت المرأة في المجتمع، وهي تنادي بمناهضة العنف الممارس عليها، خاصةً بعد القضاء على السواد الذي كان يحكمهن به مرتزقة داعش، وإنهن سائرات في النضال من أجل إبراز شخصية المرأة المثقفة والسياسية.

“كان وضع النساء في ناحية تل براك مأساوياً للغاية، حيث كانت المرأة تعاني من أفظع وأبشع الجرائم من قبل مرتزقة داعش الذين اعتبروا المرأة سلعة تجارية للبيع والشراء”، بهذه العبارات وصفت عنود نواف حاجي ممارسات مرتزقة داعش بحقهن. تعرضت عنود نواف الحاجي للعنف بمجرد خروجها من المنزل وهي غير مرتدية الزي الأسود “الجلباب”، عندما كان المرتزقة يتلصصون على المنازل بالمنظار.

وعند مشاهدتها وهي غير مرتدية الملابس السوداء، هاجم المرتزقة منزلها، وطوقوا المنزل مطالبين بأن تسلّم نفسها، وكأنها ارتكبت جرماً كبيراً، ولحسن الحظ، فقد تراجعوا بعد ساعة لحدوث مناوشات فيما بينهم.

ومنذ ذلك اليوم قررتْ عدم الخروج من المنزل خوفاً على حياتها، حتى تحررت الناحية على يد قوات سوريا الديمقراطية، لتبشّر عنود بإبصار النور بعد القضاء على مرتزقة داعش، فقررت الخروج والانخراط في العمل، واتخذت دورها في لجنة الصحة، وأصبحت إدارية للجنة ضمن ناحية تل براك.