بالتنظيم تصنع المرأة تاريخاً جديداً في شنكال

تقرير/ أفين يوسف –

روناهي/ قامشلو ـ تعرَّض الشعب الإيزيدي على مدى عقود طويلة من الزمن للإبادة الجماعية، وكانت مجزرة شنكال التي تعرَّض لها الشعب الإيزيدي على يد مرتزقة داعش من أفظع وأبشع جرائم الإبادة الجماعية في تاريخ الإنسانية جمعاء، والتي راح ضحيتها الآلاف من الأطفال والنساء والرجال، ناهيك عن تشريد الآلاف واختطاف النساء وحالات الاغتصاب والسبي والقتل.

جرت في الرابع من شهر آب عام 2014م أبشع مجزرة عرفها التاريخ من قبل مرتزقة داعش الإرهابيين ضد الشعب الإيزيدي في قضاء شنكال بباشور كردستان، والتي ارتقت إلى مصاف الإبادة الجماعية والعرقية، وقد وصلت ضحايا المجزرة إلى حوالي 5000 شخصٍ، ولم يكتف المرتزقة بهذه المجزرة، بل قاموا بسبي الفتيات والنساء الإيزيديات وأخذهن كجوارٍ وبيعهن في أسواق النخاسة بالموصل والرقة والمناطق الأخرى التي كانت تحت سيطرتهم. وجرت هذه المجزرة بعد انسحاب قوات البيشمركة المفاجئ من مدن شنكال وضواحيها، ما فتح الطريق أمام داعش للدخول للمنطقة بسهولة وارتكاب المجازر البشعة بحق الشعب الإيزيدي المسالم، الأمر الذي أدى إلى هجرتهم واللجوء إلى الكهوف في جبل شنكال ليحتموا فيه، وبقوا هناك عدة أسابيع، حيث توفي العديد منهم من الجوع والعطش والمرض، إلى أن قامت وحدات حماية الشعب والمرأة وحزب العمال الكردستاني بالتدخل لإنقاذ الشعب الإيزيدي من براثن المرتزقة وتمكنوا من فتح طريقٍ آمن لهم ليعبروا إلى روج آفا.

فرمانات موثقة

تثير كلمة فرمان (قرار) حفيظة الشعب الإيزيدي، وأيضاً الشعب الكردي برمته، وقد تكرس هذا المصطلح في ظل الحكم العثماني في القرنين السابع عشر والثامن عشر. حيث تشير الدراسات التاريخية، لا سيما تلك التي أعدها كتاب إيزيديون إلى عدد المجازر التي ارتكبت بحق الإيزيديين، كما أن بعضاً من هذه المجازر لم تُدوَّن، بل تناولتها أغنياتهم الملحمية والتراثية الفلكلورية، ومن هذه المجازر: «حملة حسن باشا (1715م)، وحملة أحمد باشا (1733م)، وحملة سليمان باشا (1752م)، وحملات نادر شاه (1732 ـ 1743م)، وحملة علي باشا (1802م)، وحملة سليمان باشا الصغير (1809م)، وحملة إينجه بيرقدار (1835م)، وحملة رشيد باشا (1836م)، وحملة حافظ باشا (1837م)، وحملة محمد شريف باشا (1844- 1845م)، وحملة محمد باشا كريدلي أوغلو (1845- 1846م)، وحملة طيار باشا (1846- 1847م)، وحملة أيوب بك (1891م)، وحملة الفريق عمر وهبي باشا (1892م)، وحملة بكر باشا (1894م)، وحملة محمد باشا السوراني المعروف بـ”ميري كوره” (1832- 1834م)، وحملة بدرخان بك (1844م). والحملة التي تمت في فترة الحرب العالمية الأولى ضد الأرمن والإيزيديين ما بين عامي1914- 1918م.

المرأة كانت الهدف في الفرمان 74

يعرف الشعب الإيزيدي بأنه مسالم، نبيل، كريم، شهم، محب للخير، ينبذ الظلم، والحقد والكراهية، ومتعلق بأسرار ديانته، ويقدس الربيع والوطن، ومحب للغته التي واجه من أجلها حملات التعريب والتتريك، بيد أنه أكثر من تجرع من مرارة التمييز.
لم تكن هنالك أية مؤشرات بأن داعش سيقوم بغزو قضاء سنكال وبهذه الضراوة والشراسة، لا سيما أنه لم يتعامل مع المدنيين، ولا المسيحيين في الرقة والموصل بهذه الطريقة التي تعتبر الأكثر وحشية. تعد شنكال من ضمن المناطق الكردية التي تسمى بـ « المناطق المتنازع عليها» والتي تبسط قوات البيشمركة سلطتها عليها، أرسل داعش في فجر الثاني من آب بضع شاحنات نفطية، مفخخة، فجرها في مدينة شنكال، لمباغتة الأهالي المدنيين العزل وبكلِّ وحشية، وهو عمل إرهابي إجرامي وكارثي، بغرض ترويع السكان، ليستغلوا هذه الحالة الفظيعة ويدخلوا المدينة والمنطقة، بعد أن نكلوا بكل من اعترض طريقهم، مرتكبين أبشع أنواع الجرائم بحق الإنسانية جمعاء، ودخل مسلحو داعش منطقة شنكال وقراها، وبدأوا بتنفيذ أبشع الجرائم الدموية بإعدام سبعة وستين شاباً إيزيدياً، كقرابين افتتاحية أولى، لترويع الأهالي كما يفعلون ذلك عادة ضمن حربهم الإرهابية لبث الذعر بين الأهالي، كما تم اعتقال مئات الرجال الإيزيديين، وتم نحر الأطفال الصغار، والتمثيل بالجثث، وجز الرؤوس، واغتصاب الحرائر أمام أعين أهاليهن، ما أدى إلى إقدام حوالي خمسين فتاة وامرأة منهن على الانتحار، على ألا يقعن فريسة بين أيدي هؤلاء الوحوش، كما تم اختطاف ما يزيد على 3000 امرأة إيزيدية واعتبارهن سبايا، وتم نقلهن إلى الموصل والرقة للمتاجرة بهن في أسواق النخاسة، وتم تزويج أخريات لعناصر داعش بالإكراه، وإجبارهن على اعتناق الدين الإسلامي. كل تلك الممارسات إن دلت على شيء فهي تدل على وحشية وحقد هؤلاء المرتزقة وافتقارهم للصفة الإنسانية.

تشكيل وحدات حماية شنكال ـ المرأة

إثر احتلال الموصل من قبل مرتزقة داعش، كان من المتوقع حدوث مجزرة في شنكال، لذلك؛ قام حزب العمال الكردستاني بإرسال 12 مقاتلاً من مقاتلي الكريلا إلى منطقة شنكال لمساعدة المدنيين وإنقاذهم، إلا أن سلطات الحزب الديمقراطي الكردستاني اعتقلت ثلاثة منهم قبل حدوث المجزرة، بينما تمكن البقية من إيصال عشرات الآلاف من الإيزيديين من مركز مدينة شنكال والقرى التابعة لها إلى جبال شنكال وتأمين الحماية لهم. ومن ثم دخلت كتيبتين من قوات الدفاع الشعبي ووحدات حرية المرأة – ستار. وبتاريخ 8 آب تمكن هؤلاء المقاتلون وبمساعدة وحدات حماية الشعب والمرأة من فتح ممر إنساني بين روج آفا وشنكال وإيصال أبناء الشعب الإيزيدي بأمان إلى أراضي روج آفا، ونتيجة للمجزرة نزح الآلاف من الإيزيديين إلى روج آفا، باشور وباكور كردستان وأوروبا.
بعد الجرائم التي طالت الشعب الإيزيدي في شنكال على يد داعش بتاريخ 3 آب 2014م، بات أبناء الشعب الإيزيدي على ثقة تامة بأنهم سيبقون معرضين للجرائم ما لم يمتلكوا قوة ذاتية. لذا؛ قاموا بتنظيم أنفسهم في صفوف وحدات قتالية وهي وحدات مقاومة شنكال ووحدات المرأة الشنكالية للوقوف بوجه أيِّ تهديدٍ آخر، فضلاً عن تأسيس الإدارة الذاتية، ونظموا دورات تدريبية في المجال العسكري، وساهموا في ضم المئات من الشبان إلى وحدات مقاومة شنكال. قرر الإيزيديون بعد المجزرة مباشرة تأسيس قوات حماية خاصة بهم للدفاع عن أنفسهم. وسميت تلك القوات بـ (وحدات مقاومة شنكال (YBŞ)). وفي شباط عام 2015م، وتم الإعلان عن تأسيس وحدات المرأة في شنكال، وانضمت المرأة إلى هذه القوات إيماناً منها برد الهجمات على شعبها بشكل عام وعليها بشكل خاص، وهذه القوات تضم الآن شباب وفتيات الشعب الإيزيدي، وتم الاعتراف بشكل رسمي بهذه القوات من قبل الحكومة العراقية.

حملة الانتقام للنساء الإيزيديات

أطلقت وحدات مقاومة شنكال ووحدات المرأة في شنكال في شهر آذار من عام 2016م حملة عسكرية ضد مرتزقة داعش في جبل كولكا وقرية ماديباني وتمكنت من تحرير المنطقة من المرتزقة. وبتاريخ 13 من شهر تشرين الثاني أطلقت القوات «حملة الانتقام للنساء الإيزيديات وقرى شنكال»، ولأول مرة بعد المجزرة تم تحرير كامل جبال شنكال من مرتزقة داعش. كما تم تحرير مركز مدينة شنكال بتاريخ 13 تشرين الثاني 2015م من مرتزقة داعش على يد مقاتلي وحدات مقاومة شنكال، وحدات المرأة في شنكال، قوات الدفاع الشعبي ووحدات حرية المرأة – ستار.
وتمكنت وحدات حماية الشعب والمرأة وقوات سوريا الديمقراطية من تحرير عدد من النساء الإيزيديات من براثن مرتزقة داعش خلال حملات التحرير المستمرة في الشمال السوري.