لكل موهبة وقت للبروز، بعد دفنها سنوات طويلة لدى صاحبها، كما “دندنات” العود الأولى، و”خربشات” الرسم البدائية، ومخطوطات الشعر الضائعة، ذلك كله يعدُّ الأساس، الذي تُبنى عليه إهرامات الفن العظيمة، لتتحول بعدها الموهبة الحبيسة إلى إبداع متوهج.
من بين المواهب الأكثر انتشاراً في منطقتنا هي موهبة الرسم، والتي من خلالها يتواصل الرسام مع محيطه، وذلك بواسطة ريشته وألوانه، والنظرة المتميزة التي يرى بها الرسام محيطه الخارجي، والتي تساعده على رؤية عالم خاص به قد يصعب ملاحظته على من سواه.
هذا ما ترجمته على لوحاتها ابنة مدينة الدرباسية، الرسامة “سيدرا خليل“، ذات 19 عاماً، والتي كانت تردد منذ طفولتها جملة: “أريد أن أصبح رسامة”، وقد كبرت سيدرا، وكبر معها حلمها، وتطورت معها موهبتها، فوصلت اليوم إلى الإبداع في الرسم بعد سنوات من التعب والمثابرة والاجتهاد.
حلم الطفولة وطموح الشباب
ولنتعرف أكثر على مراحل بدايات انطلاقتها، التقت صحيفتنا “روناهي” الرسامة “سيدرا خليل”: منذ طفولتي، وعندما كان يدور الحديث حول الهوايات، كنت أقول، إن هوايتي هي الرسم، وبأنني أطمح بأن أكون رسامة، وبدأت الاهتمام بها أكثر في الحادية عشرة من عمري”.
وتابعت: “وحتى في المدرسة كنت أحب حصة مادة الرسم من بين مواد المنهاج الدراسي، وكنت أنتظرها بشغف”.
وأضافت: “إن حبي للرسم ينطلق من مساحة الحرية التي يؤمنها الرسم للرسام، ففي مجال الرسم لا يُقيد المرء بمعايير محددة، وإنما قواعد أساسية تُراعى، ولكن التفاصيل دائماً ما تكون من اختيار الرسام، وبذلك يكون الرسم كملعب واسع لا يوجد فيه غير لاعب واحد، وهو الرسام، بالتالي له مطلق الحرية في التصرف بملعبه، كذلك هي لوحة الرسم، تُتيح للرسام أن يعبر عن كل الأفكار التي تدور في مخيلته دون ضوابط، أو سقوف”.
المثابرة حتى النجاح
وأردفت سيدرا: “رسمي المتواصل على مدار ساعات وبشكل يومي كان السبب الرئيسي لتنمية موهبتي، حيث لم أسمح لها بالاضمحلال من خلال الإهمال والتقاعس في ممارستها”.
وأضافت: “فلم أجد صعوبة في أي رسمة أراها، بل إنني كنت أحاول رسم كل الرسمات التي تصادفني، مهما كانت صعبة، وبذلك نجحت في السير خطوات متقدمة نحو صقل الموهبة”.
وزادت: “وإلى جانب كل ذلك، كان تشجيع عائلتي أثر إيجابي كبير في نفسي، حيث كانوا يشجعونني على ممارسة هوايتي، فهم يسعون جاهدين لتأمين كل ما يلزمني من أدوات للرسم، وبذلك تُخفف وطأة الصعوبات، التي قد يوجهها أي رسام مبتدئ، وحتى اليوم، لا أزال أرى في عائلتي الداعم الأول والرئيسي في مواصلتي للرسم”.
جهود شخصية
وأشارت سيدرا، إلى أن تنمية موهبتها كانت بمجهودها الشخصي، حيث لم تتلقى أي دورات تعليمية في الرسم، كما إنها من خلال شبكات الانترنت تعرفت الكثير من أساسيات الرسم، الأمر الذي ساعدها على تطوير موهبتها أكثر فأكثر، والسبب في ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى عدم وجود أماكن خاصة بتعليم الرسم، الأمر الذي يؤدي إلى الاعتماد على الذات بشكل مطلق للوصول إلى النجاح.
وزادت: “ألاحظ نتائج مجهودي الشخصي من خلال تنمية قدراتي في الرسم، حيث أنني كنت أركز في السابق على رسم المناظر الطبيعية، إضافةً إلى صور الحيوانات، وهذا يعدُّ سهلاً نوعاً ما، ولكن مع تنمية موهبتي أصبحت أرسم صور الشخصيات أيضاً، إضافةً لنجاحي في الرسم من مخيلتي دون العودة إلى رسمة جاهزة”.
وأشارت: “كما أن نجاحي في الرسم الثلاثي الأبعاد، والذي يحمل شيئا من الصعوبة، ولكنني نجحت حتى في ذلك، وكل ذلك يعدُّ مرحلة متقدمة في الرسم، خاصةً، وإنني انتقلت إلى الرسم بمختلف أنواع الألوان، وكذلك نجحت في دمج عدة أصناف من الألوان في لوحة واحدة”.
الرسامة “سيدرا خليل”، أنهت حديثها: “نحتاج الكثير من الدعم في مناطقنا، سواء كان من الناحية المادية، أو المعنوية، وكذلك نحتاج لتأمين مواد الرسم، التي هي نادرة في منطقتنا”، مضيفةً: “كما أن فقداننا المعارض والصالات الخاصة بالرسم، كل ذلك يشكل صعوبة أمامنا أثناء الرسم، وهذا ما نريد أن يتوفر لنا”.