الأطفال ضحايا الإرهاب والعدوان التركيّ

رامان آزاد_

---

الحربُ عمياء، والرصاصةُ لا تميّزُ بين ضحاياها وفقاً لأيّ اعتبار للعمر أو الجنس، وهي لا تُدان ولا تُحاكم، وخلال الأزمة السوريّة كان الأطفالُ ضحايا الصراعِ المسلح ومجاميع الإرهاب وكذلك العدوان التركيّ على مناطق شمال سوريا، لأنّهم الأقل إدراكاً لمخاطرِ الحربِ، وأيضاً بسببِ تعمدِ استهدافِ المناطقِ الآهلة بالقصفِ، ما أدى لوقوع مجازر كان معظم ضحاياها من الأطفال.

كان وصولُ حزبِ العدالة التنمية للسلطة في تركيا مؤشّراً لمشروعِ سياسيّ أكثر منه مجردَ انتقالٍ للسلطةِ من تيارٍ علمانيّ إلى آخر إسلاميّ، ففي تركيا لا فرقَ كبيراً بينهما، وبذلك واصلت أنقرة حربها القديمةَ ضد الكرد داخلَ تركيا وعبر الحدودِ لتستهدفَ الكردَ في دولِ الجوارِ، ووقعت خلال أكثرِ من عقدٍ من سلطةِ العدالةِ والتنميةِ مجازرُ عديدةٌ كان ضحاياها المدنيون وبخاصةِ الأطفال، واستخدمت أعتى آلاتِ الحربِ في عملياتها العسكريّة داخل الأراضي السوريّة، لتضيفَ إلى تاريخها الأسود في ديرسم وزيلان مواقع جديدة في كوباني وعفرين وسري كانيه وكري سبي/ تل أبيض وعين عيسى، وتل رفعت فيما يواصلُ العالم صمته إزاء ممارستها بسببِ حساباتِ المصالحِ. استهدفت آلة القتل التركية في شمال سوريا الأطفال في بيوتهم ومدارسهم وساحات اللعب، وتكرر مشهد الأطفالِ الشهداء تحت الأنقاض أو بتر الأطراف حتى الاحتراق بالسلاح الكيميائيّ، فيما اتخذ المجتمع الدوليّ موقف شاهد الزور.

40 طفلاً شهيداً في مجزرة ليلة الغدر في كوباني 

نفذ مرتزقة داعش المدعومين من حكومة العدالة والتنمية هجوماً مباغتاً فجر يوم 25/6/2021 على مدينة كوباني، وعرفت بـ “ليلة الغدر”، ونفذوا مجزرة مروّعة بحق الأهالي واستشهد نحو 400 مواطن بينهم 40 طفلاً، وجرى القتل بأساليب عدة منها التفجير المفخخ ورصاص القنص والقذائف والإعدام الميدانيّ وإطلاق النار عشوائيّاً. كما خلفت المجزرة مئات الأطفالِ الأيتامِ، لم تختلف المجزرة في أسلوب عما جرى في ديرسم وحلبجة.

50 طفلاً شهيداً في العدوان على عفرين

أودت الحرب التي شنها جيش الاحتلال التركي على عفرين في 20/1/2018 بحياة خمسين طفلاً على الأقل، وتكررت مشاهد انتشال الأطفال من تحت الأنقاض، وكذلك تقطيع الأوصال، فيما ردد جنبات مشفى آفرين صرخات الأطفال الموجوعين، فيما كان العالم يلوذ بالصمت، ولم يسلم الرضع من آلة الحرب والقصف. ووقعت مجازر عدة مثل جلبرة وترندة وما زال مشهد الطفلة الرضيعة ديانا الصالح وهيفاء كلاحو ماثلاً بعضها من النازحين العرب مثل آل كنو في كوبلة وآل الخاطر في موباتا.

القصفُ يستهدفُ أهالي عفرين المهجرين وأطفالهم

 قذائفُ الحقد العثمانيّ استهدفت أهالي عفرين بمناطق التهجير القسريّ وقضى الأطفال بالقصف وتحت الأنقاض، ففي 2/12/2019 تمَّ استهداف الأطفال في تل رفعت واستشهد عشرة أشخاص بينهم ثمانية أطفال كان يلعبون في ساحةٍ أمام المنازلِ. كانت المجزرة على مناسبة قليلة من ذكرى مجزرة روبوسكي التي وقعت في 28/12/2011، ولتكون روبوسكي ثانية.

في 23/1/2021 أودى القصف التركي بحياة ثلاثة أشخاصٍ، وهم: الطفل ماجد ياسر سكران (8 سنوات)، الطفل عبد المحسن سكران (12 عاماً) من أهالي تل رفعت، والمواطنة (نازلية محمد مصطفى 55 عاماً وهي مهجّرة عفرينية من أهالي قرية سيمالكا).

مساء الثلاثاء 24/2/2020 نتيجة القصف على قرية آقبيه/عقيبه بناحية شيراوا التي لجأ إليها عدد من العوائل المهجّرة من عفرين، ينهارُ سقفُ أحد البيوتِ على ساكنيه وتبقى العائلة تحت الأنقاض، ويرتقي ثلاثة أفراد من عائلة واحدة شهداء. والشهداءُ هم حسن حاج عزت ٥٥ عاماً من قرية بريمجة وزوجته فاطمة علي ٤٦ عاماً من قرية بعدينا وابنتهما سروشت تلميذة في الصف السادس ١٢ عاماً.

استشهدت الطفلة زينب حسين إبراهيم (14عامًا) حياتها، وأصيب والدها حسين إبراهيم بجراح بليغة وشقيقها بكري حسين، نتيجة قصفِ جيشِ الاحتلالِ التركيّ والميليشيات التابعة له على قرية كالوته ليلة الجمعة 4/6/2021.

ولا تزال حكومة الاحتلالِ التركيّ تهددُ بعملية عسكريّة جديدة ومزيدٍ من القتل.

صرخة محمد وسارة

تضرر ثلاثة آلاف طفل وحرموا من حقوقهم في العدوان الذي شنه جيش الاحتلال التركيّ في 9/10/2019 على سري كانيه. ووثق الهلال الأحمر الكرديّ استشهاد 11 طفلاً في هجوم الدولة التركيّة على روج آفا بين 9 و14 تشرين الأول. ومن هؤلاء الأطفال الطفلين محمد من سري كانيه وسارة من قامشلو اللذين لا يمكن نسيانهم أبداً. صرخات محمد (13 عاماً) الذي احترق جسده جراء الفوسفور الأبيض، وكذلك بتر ساق سارة الطفلة التي فقدت شقيقها جراء قصف الدولة التركيّة؛ وصمة عار على جبين البشريّة.

أطفال عين عيسى هدف للقنابل 

فقد ما لا يقل عن أربعة أطفال حياتهم خلال الأشهر التسعة الأخيرة جراء قصف الدولة التركيّة المحتلة على عين عيسى في شمال وشرق سوريا.

 في 19/3/2021 استشهد الطفل محمود حميدي الخليل (12 عاماً)، من قرية الحضريات جنوب عين عيسى بالقصف التركيّ على قريته. فجر يوم 4 آب 2021، استشهد أب وأطفاله الثلاثة في قصف أرضي طال منزلهم في قرية الصفاوية شرق بلدة “عين عيسى وهم الأب زيد خلف عيسى (54)، وأطفاله: زياد عيسى (12)، ومنى عيسى، وهدى عيسى.

أطفال معاقون.. الوجه الآخر للحرب

 قبح الحرب لا يتوقف على فترة اندلاعها واستمرار الاشتباكات، لأنّ الحرب قد تتوقف، ولكن آلام الضحايا لا تتوقف، وقد تسبب المعارك بفقدان قطعة من الجسد أو تشوهات أو بتر بالأطراف، وعندما تكون الضحية طفلاً فإنّ الألم سيكون مضاعفاً، وقد يبقى الطفل الضحية عالة على عائلته، ولا يتحول إلى كور الإنتاج ويبقى بحاجة إلى رعاية خاصة. والإعاقات الجسديّة هي أحد أقبح صور الحرب.

عدوان عبر الحدود في باشور

على مدى سنوات لم تتغير السياسة العدائية للدولة التركيّة تجاه باشور كردستان. قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، كان هناك العديد من هجمات الاحتلال على باشور كردستان. ومع بداية فترة حكم حزب العدالة والتنمية، وقعت مذبحة كبيرة للأطفال أثناء غزو باشور كردستان.

حزب العدالة والتنمية، الذي فقد قوته ويفقد الدعم الشعبي، حوّل استراتيجيته الحربية ضد الكرد إلى هجوم شامل. على الرغم من أنها لم تحقق النتائج المرجوة من الهجمات على المعارضة والشعب الكرديّ داخل حدودها، إلا أنها لا تتوانى عن استخدام نفس الأساليب خارج حدودها أيضاً.

قُتل العديد من الأطفال خلال 19 عاماً من احتلال حزب العدالة والتنمية لباشور كردستان.  فقد قصفت الطائرات الحربيّة التركيّة في 21/8/2011، طريق كورتك – رانيا في جبال قنديل، ما أسفر عن استشهاد سبعة أشخاص، بينهم أربعة أطفال، وجنين في بطن أمه. وممن فقد حياته في القصف الطفلة سولين البالغة من العمر ستة أشهر التي تحولت إلى جثة ممزقة. ولكن سولين لم تكن أول ولا آخر طفل يُقتل خلال هجمات حزب العدالة والتنمية على باشور كردستان.

في 15 آب 2000، فقد ما لا يقل عن 17 طفلاً حياتهم في هجوم استهدف نحو 100 خيمة للاجئين في منطقة كينداكول بين خنير ولولان. في ذلك الهجوم قتل العديد من الأطفال، منهم الطفلة فرزانة شاكر البالغة من العمر سنة واحدة؛ وبهار أسعد، كلاويج إسماعيل، خلات قادر، فاطمة سودين، بيمان قادر، ريان قادر، نجاة معين، خديجة معين، بختيار حجام، شهناز فاخر، دلناز فاخر، كوسرت فاخر، رائد قادر وثلاثة أطفال آخرين لم تعرف أسمائهم. كما أصيب أطفال بجروح خطيرة في الهجوم ثم فقدوا حياتهم فيما بعد.

احتجاجا على الغارة الجوية التركيّة التي وقعت في ديرالوك في آميدية، والتي راح ضحيتها أربعة مدنيين. نظم الأهالي فعالية احتجاجية بتاريخ 25 كانون الثاني 2019. وهاجمت قوات الجيش التركيّ المحتجين الذين طالبوا بإخلاء القاعدة العسكريّة التركيّ في سري التابعة لـ شلادزي في باشور كردستان. وخلال هذه الهجمات فقد شخصين حياتهم أحدهم طفل.

خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2020، عندما بدأت خطة الهجمات الشاملة على الكرد، ظهرت مشاهد مشابهة للسنوات السابقة. ونظراً لتزايد هجمات الاحتلال على باشور كردستان، تم استهداف الأطفال مرة أخرى. في 25 حزيران، قصف جيش الدولة التركيّ المحتل منطقة شارباجار في السليمانية، حيث كان الناس يسبحون مع أطفالهم في المياه. وأصيب طفلان بجروح خطيرة جراء القصف.

تم إنشاء مخيم مخمور، الذي تعرض للتهديد المتكرر بـ “الإغلاق” بسبب ضغط الدولة التركيّة وقمعها، بعد اضطرار نحو 12 ألف من الكرد من أهالي المناطق الحدودية في شرنخ وجولميرك للنزوح من مناطقهم بسبب إقدام الدولة التركيّة على إخلاء قراهم وأحراقها خلال أعوام 1993 – 1995.

المخيم الذي نصف سكانه من الأطفال، تم وضعه تحت رعاية وحماية الأمم المتحدة في عام 1998. وفي 17 تموز 2019 تم فرض حصار مشددٍ على مخمور. وعلى مدى عامين متواصلين، يكافح الآلاف من الأطفال من أجل الحياة في ظل الحصار الذي فرضه الحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ بطلب من الدولة التركيّة. وتوفي 3 أجنة أثناء الولادة بسبب منع الأمهات من الذهاب إلى المشفى. الغارات الجوية التركيّة التي تستهدف مخيم مخمور وفرض الحصار يؤثر بالدرجة الأولى على الأطفال.

مجزرة شنكال ومأساة أطفالها

في 3 آب 2014 استهدف مرتزقة داعش الكرد الإيزيديين. وارتكبت مجزرة شنكال، في يوم أسود من تاريخ البشرية، لتكون الإبادة (الفرمان) 74 وأكبر مجزرة مروّعة في القرن الحالي ضدّ الكرد الإيزيديين، وتمَّ قتلُ واختطافُ وتهجيرُ الآلاف من الأطفال.

المأساة تجسدت على أكثر من مستوى، فقد بدأت باقتحام القرى الآمنة والقتل العشوائيّ، ومن ثم بأعمالِ خطفِ النساء والأطفال، ولاحقاً تمَّ بيع الفتيات الإيزيديات غنائم حربٍ في أسواق النخاسة. أما الأطفال المختطفون على يد داعش فقد تمّ إخضاعهم لدوراتٍ ودروسٍ مكثّفة وغسيل أدمغتهم وفرض الأسلمة عليهم وتغيير هويتهم وفصلهم عن هويتهم وثقافتهم.

ولذلك فإنّ عمليات التحرير لم تقتصر على طرد مرتزقة داعش عسكريّاً وهزيمته جغرافيّاً، بل كان هدف تحرير النساء والفتيات الإيزيذيات والأطفال وإعادتهم إلى عوائلهم هدفاً اساسيّاً، وتطلب الكثير من الجهد في جمع المعلومات وتعقب المرتزقة. وصحيح أنّ وحدات حماية الشعب والمرأة YPJ وYPG   تمكنت من تحرير عددٍ كبيرٍ

من الأسرى وإعادتهم إلى عائلاتهم. إلا آلامهم تركت ندوباً عميقة في ذاكرتهم لن تندمل بسهولة. ولم يكن اندحار مرتزقة داعش زوال الخطر نهائياً، إذ تواصل حكومة أنقرة العدوان عبر الطيران المسيّر وخلق الظروف المناسبة لاقتحام تلك المناطق بذرائع واهية.

صورٌ أخرى لمأساةِ الطفولةِ

تستمر مأساة الأطفال المهجرين في المخيمات، إذ يعيشون ظروفاً في غايةِ الصعوبةِ ويحرمون من الشروط الطبيعيّة للحياة، ومتابعة دراستهم وتنمية مواهبهم بالشكلِ الصحيحِ، رغم كلّ الإجراءات التي تُتخذ في المخيمات، حيث تبرز التحديات على مستوى الصحة والمعيشة.

الانفلات الأمنيّ ظهرة ثابتة في المناطقِ المحتلة (عفرين، سري كانيه وكري سبي/ تل أبيض)، ويتكرر وقوع حوادث التفجير، ليكونَ الأطفال من بين ضحاياها، ومن جهة ثانية فقد شهدت أقبية السجون وجود أطفالٍ رضعٍ بصحبةِ أمهاتهم.

في منافي التهجير القسريّ يتعرض الأطفال أثناء لعبهم أو رعي الأغنام لخطر انفجار الألغام الأرضيّة، وقد تكررت أمثالُ هذه الحوادثِ ف

ي منطقةِ الشهباءِ وقرى التماسِ واستشهد عددٌ من الأطفال وأُصيبوا آخرون.

ومع استمرار الأزمة السوريّة وتدهور الظروف المعيشية فإنّ حلم الوصول إلى أوروبا يراود كثيرين ما يتطلب عبور الحدود التركيّة بطرق التهريب، فيطلق حرس الحدود (الجندرمة النار) على عابري الحدود أو أنّهم يعتقلونهم ويعرضونهم لأسوأ أنواع التعذيب الجسديّ، وبلغ عدد السوريين الذين قُتلوا على يد حرس الحدود التركيّ إلى 511 مواطنٍ سوريّ، بينهم 67 امرأة و95 طفلاً، فيما بلغ عدد الجرحى والمصابين بطلق ناري أو اعتداء 978 مواطن، حتى 10/10/2021.

وهناك من الأطفال من قضى غرقاً في البحر بصحبةِ ذويهم، وفيما لفت الطفل “آلان” انتباه العالم، فإنّ تجاهل أسباب الهجرة ولم يساهم في وضع حدٍّ للأزمة السوريّةِ المستمرّة للسنةِ الحاديةِ عشرة بدون سقفٍ زمنيّ.