سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

17 قتيلاً مرتزقاً سوريّاً أُحرِقوا بعد مقتلهم في النيجر

إعداد/ بدرخان نوري_

بات تجنيد المرتزقة ممارسة شائعة لدى جهات مرتبطة بالسلطات التركية، وسبق أن استخدمت تلك الجهات المقربة من الأجهزة الأمنيّة التركيّة، عناصر سوريين من مجموعات تدعمها وتتحكم بها، كمرتزقة في نزاعاتٍ مسلحة لا تمت لهم بأي صلة، وتخدم بصورةٍ خاصة علاقتها مع أطراف معينة في هذه الصراعات، لتكون النيجر الوجهة الجديدة بعد ليبيا وأذربيجان، وبالمثل قامت روسيا بتجنيد مقاتلين سوريين كمرتزقة إلى ليبيا ولاحقاً أوكرانيا.
الارتزاق في النيجر
نهاية العام 2023، حصلت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” على شهادات حصريّة تفيد ببدء شركة أمنيّة تركيّة مقربّة من حكومة حزب العدالة والتنمية، بإرسال دفعاتٍ جديدة من المرتزقة السوريين إلى النيجر، ولم تكشف “سوريون” عن المعلومات الواردة فيها لحين التحقق من صحتها تماماً والحصول على شهادات إضافيّة ومقاطعة المعلومات؛ نظراً لقلّة الأدلة الكافية وتضارب بعض المعلومات الواردة.
وفيما تهدف عمليات التجنيد الحديثة إلى “حماية مشاريع ومصالح تركية فيها بينها مناجم” في النيجر، قال ثلاثة مرتزقة التقت بهم “فرانس 24″، أنّهم وقّعوا عقود تجنيد مدتها ستة أشهر مع شركة “سادات الدوليّة للاستشارات الدفاعيّة” الخاصة، وأكد أحدهم أنه وقع العقد بحضور ضباط من الشركة نفسها.
تناول “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” في تقريره “جيوش الظل” نقلاً عن موقع “أفريكا انتلجنس” الفرنسي، نشاطات شركة “سادات”، وأنها درّبت مسلحين سوريين، تعزز فيهم الولاء لتركيا وأردوغان على حساب سوريا“.
واعترف “مليح تانريفردي”، رئيس مجلس الشركة، عام 2021، بأنّ الشركة على تعاون مع جهاز الاستخبارات التركيّة MiT، وتنسق مع الدبلوماسيين مسؤولي الدفاع الأتراك، وفي العام 2021 أيضاً، قال مؤسس الشركة، “عدنان تانريفردي”، إنّ الغرض من تأسيس الشركة “تقديم خدمة للدول الإسلاميّة التي لا تستطيع القوات المسلحة التركيّة الوصول إليها“، فيما تؤكد الشركة أن “الربح ليس الغرض الوحيد”، وإنما “خدمة المثل الأعلى المتمثل بتغيير ميزان القوى لصالح الإسلام“.
وفقاً لمصادر عسكريّة سورية معارضة مطلعة قابلتها “سوريون”، أرسلت مجموعات مرتزقة في “الجيش الوطني” منخرطة بعمليات التجنيد بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية التركيّة، ألف مرتزق سوريّ على الأقل إلى النيجر على ثلاث دفعات، وخرجت عبر معبر حوار كلس الحدوديّ، قرب إعزاز إلى مدينة كلس التركيّة، على متن حافلاتٍ للجيش التركيّ.
وتدفع الظروف المادية الصعبة بمقاتلين سوريين لقبول عروض التجنيد رغم المخاطر التي قد تحيط بهم في بلد الوجهة ومنها الموت خلال الأعمال القتالية؛ وزود مصدر التقرير “سوريون”، بقائمة تضم أسماء 17 مرتزقاً، قُتلوا في النيجر في أيار 2024.
الدفعة الأولى وشروط التجنيد
قبل إرسال دفعات المرتزقة إلى النيجر، عُقِد اجتماعان رئيسيان خلال أيلول 2023، وفق ما أفاد “يوسف المحمد”، قيادي في مرتزقة “السلطان مراد”.
الأول عقد في 5/9/2023، ثلاثة في مدينة كلّس حضره ممثلون عن السلطات التركيّة مع متزعمي مجموعات تدعمها تركيا، بينهم “فهيم عيسى”، و”محمد الجاسم” (أبو عمشة) و”سيف أبو بكر” ثم عُقد اجتماع ثانٍ في مقر أركان مرتزقة “السلطان مراد” في مدينة عفرين، شمل قادة الصف الأول بالفيلق الثاني، ومرافقات خاصة، واُتفق على الإعلان داخليّاً عن تشكيل دفعة من 500 مقاتل للسفر إلى النيجر. وجرى الإعلان بشكل داخلي ضمن غرفة العمليات المشتركة، وليس المعرفات الرسمية أو وسائل الإعلام. واشترط “أن يكون المقاتل قد تدرب عسكريّاً في تركيا وألا يتجاوز عمره 35 سنة، وأن يكون محترفاً باختصاصات: (طواقم المدرعات، القناصين، الاقتحاميين المشاة، رماة المدفعية المتوسطة)، لحماية قواعد واستثمارات تركيا داخل النيجر بالاشتراك مع قوات روسيّة”.
“يحصل عنصر الدرجة الأولى “قائد الكتيبة” على راتب 2500 دولار، والدرجة الثانية على 1500 دولار، فيما يحصل عنصر الدرجة الثالثة “مسؤول داخليّ ضمن المقرات” على ألف دولار”.
“تشجع كثير من العناصر للذهاب إلى النيجر بسبب الفقر وتعلقهم بالوعود التي قدمها القادة لهم بتأمين كافة رواتبهم، إضافةً للحماس المتزايد للوصول أولاً ليكون لهم جزء كبير من “الغنائم” كما حصل في ليبيا، من الذهب والأموال”.
ارتكب مرتزقة سوريون في ليبيا العديد من الانتهاكات تنوعت بين فرض إتاوات على المحال التجاريّة وسلب بعضها الآخر، والهجوم على منازل مدنيين، وسرقة محتوياتها، بما في ذلك من ذهب وأموال، على أنّها غنائم. بدأ العمل على تجهيز الدفعة الأولى بعد عشرة أيامٍ تقريباً من اجتماع متزعمي المرتزقة، وبلغ عددهم نحو 420 عنصراً، أغلبيتهم من محافظات: حلب ودمشق ودير الزور، من مجموعات: “السلطان محمد الفاتح”، لواء “سمرقند”، “لواء الوقاص”، “السلطان مراد” سليمان شاه/ العمشات والحمزات”، والفيلق الثاني. وجرى نقل العناصر من مقرات في مدينة إعزاز إلى مدينة كلس التركية، أوائل تشرين الثاني 2023، وبعدها نُقلوا إلى مطار غازي عنتاب، ثم إلى مطار إسطنبول، نهاية كانون الأول 2023“.
صادر مسؤول الارتباط الأمنيّ بين جهاز أمنيّ تركيّ والمجموعات هواتف جميع العناصر، مع تقديم وعود بتسليمها للأمانات في كلّ فصيل، وتمكن بعضهم من الحصول على هواتف عند وصولهم إلى النيجر، وخبروا أنهم وصلوا إلى النيجر بداية كانون الثاني 2024.
 قال مرتزق في “السلطان مراد” وكان ممن أُرسلوا إلى النيجر: “كانت آلية التسجيل عن طريق مجموعات واتساب خاصة بألوية “السلطان مراد”، ثم ترفع الأسماء إلى مكتب الذاتيّة، وجرى تسجيل 800 عنصر ضمن الفرقة، مع تكتم كامل ودون ذكر تفاصيل عن مدة العقد والمهام التي ستوكل للعناصر في النيجر، أو اسم القيادي الذي سيتولى قيادة الدفعة هناك، والرواتب، فهي 1500 دولار أمريكي، يحصل العنصر على ألف دولار، و500 للقيادي. وتم تعيين المدعو “عرابة إدريس” مسؤولاً عن ملف التجنيد، والذي تواصل مع باقي قياديي المجموعات واستلم منهم ذاتيّة العناصر الذين سيُرسلون إلى النيجر.
“عرابة إدريس”، متزعم مرتزقة “اللواء 123” بالفرقة، وسبق أن انخرط في عمليات إرسال عناصر إلى ليبيا وأذربيجان، وكذلك تجهيز عناصر لإرسالهم إلى أوكرانيا (دون أن تتم عملية الإرسال الفعليّة بسبب التفاهمات التركية الروسيّة آنذاك ولعبت تركيا دور الوسيط بالحرب الروسية الأوكرانية).
غادر المرتزقة عبر معبر حوار كلس على متن حافلات تركيّة، وخلال الرحلة سحب الضباط الأتراك المرافقون لهم جميع أجهزة الجوال.
الدفعات الثانية والثالثة
اُستكمل تجهيز الدفعتين الثانية والثالثة من المرتزقة في معسكر مغلق لمرتزقة “السلطان مراد” في مدينة عفرين، وأُرسلوا إلى النيجر دفعة واحدة، في طائرات شحن بضائع، منتصف نيسان الماضي إلى ولاية كلس التركية بإشراف المدعوين فهيم عيسى وسامي أبو عبدو، ونُقلوا إلى مطار عينتاب ومنه إلى مطار إسطنبول. وضمت الدفعتان 610 عنصر من اختصاصات متنوعة (كتيبة ردع – كتيبة مشاة – سرية قناصين)، وتم استلام أماناتهم الشخصية، (مبالغ مالية وهويات عسكرية وجوالات..) وفي 16/4/2024 وصلت معلومات تفيد بوصولهم إلى القاعدة التركيّة في النيجر عن طريق مسؤول التنسيق الأمني التركيّ (كمال. ت)، الذي قدم إلى مقر الأركان التابعة للفرقة على الحدود السورية التركية القريبة من معبر كلس. وحضر الاجتماع كلٌّ من: فهيم عيسى، محمد الجاسم (أبو عمشة)، سيف أبو بكر، عرابة إدريس، سامي أبو عبدو، وهو قائد أركان في “السلطان مراد”، مأمون كبصو (أبو الفرات تل رفعت)، قائد اللواء 102 ــ الجبهة الشامية – آسيد التركماني، قائد عسكري ضمن الفيلق الثاني ومقرب من فهيم العيسى. وهؤلاء السبعة، هم أبرز من تعتمد عليهم تركيا في مسألة الارتزاق وتجنيد العناصر وإرسالهم إلى خارج سوريا.
وتم الاتفاق على تجهيز دفعة رابعة من المرتزقة بتعداد ألف عنصر. لإلحاقهم بالدفعات السابقة في قواعد القتال في النيجر؛ وعلى تدريب وتجهيز الدفعة هذه المرة في المعسكر التدريبي بريف مدينة كري سبي/ تل أبيض، داخل القاعدة التركية ببلدة المكسورة، بإشراف عرابة إدريس، وأسيد التركماني، وضباط أتراك.
في 26/4/2024، تم تجهيز نحو 700 عنصر بأوامر قياداتهم ونُقلوا بحافلات سياحية بعد تجمعهم في المعسكر التدريبي في مدينة عفرين، إلى ولاية كلس التركية وصولاً إلى القاعدة التركيّة في بلدة المكسورة. وحتى تاريخ توثيق هذه الإفادة في 15/5/2024، كان تدريب الدفعة مستمراً ليتم إرسالها بعد شهر.
مقتل مرتزقة
تحدثت “سوريون” إلى مازن الخطيب والد مرتزق أُرسل إلى النيجر، وكان قد تلقى في 13/5/2024، خبر مقتل ابنه هناك مع آخرين، وقال إن ابنه كان عنصراً في “الحمزات” وخاض معارك داخل سوريا وخارجها، وشارك قبل عامين بالقتال في ليبيا، وعاد سالماً بعد سنة تقريباً من سفره.
وأضاف في أيلول أو تشرين الأول 2023، أخبرني (محمد) بنيته للذهاب إلى النيجر، بعدما طلب منه قائد كتيبته المدعو (سليمان الشيخ أبو نصار)، الموافقة على التسجيل كونه مقاتلاً متميزاً ولديه خبرات قتالية سابقة مقابل حصوله على راتب شهري 1500 دولار، وعقد لمدة سنة كاملة”. ورغم اعتراض والده على تجنيد ابنه في النيجر أصرَّ (محمد) على الالتحاق بمعسكر تابع لمرتزقة “السلطان مراد”، في مزارع بمنطقة راجو بريف عفرين، يتلقى فيه العناصر تدريبات خاصة للقتال في النيجر. وأخبر “محمد” والده أنه لن يستطيع العودة بعد الآن إلى المنزل حتى نهاية المهمة المكلف بها”.
“جاء المدعو “سليمان الشيخ” بسيارته الخاصة ومعه مرافقته، إضافة لسبعة باصات نقل ركاب خاصة بمرتزقة “الحمزات”، وصعد “محمد” الباص وكانت هذه آخر مرة يراه والده”. وعلى مدار شهرين من سفره، حاولت العائلة معرفة أخباره في النيجر، لكنها لم تحصل على معلومات دقيقة، فالاتصالات صعبة للغاية ومحصورة بالقيادة ومرافقتهم، حتى بلغهم خبر مقتل محمد مع آخرين في كمين مُحكم.
لدى مراجعة الأب مكتب أركان “الحمزات”، التقى بشخص يعرف باسم “البتّار” أكد له مقتل ابنه في النيجر، في كمين مع آخرين ولم يتم يتمكنوا من سحب الجثث بسبب الحرب الطاحنة، فصدم الأب وراح يبكي ويتحسر على ولده. ولم يحصل الأب من المدعو “البتار” إلا بوعد بتسليمه أماناته ووثائق خاصة وترتيبات ماليّة على أن يراجعهم شهرياً. وشدد “البتار” عليه ألا يظهر على الإعلام ولا يدلي بمعلومات عنه وعن ولده، ليتجنب المساءلة. وتفيد قاعدة بيانات “سوريون”، أن “البتار” شارك في معارك ليبيا وأذربيجان، وكان مسؤولاً عن التنسيق بين الضباط الأتراك ومرتزقة “الحمزات”.
حرق القتلى السوريين
كان اسم “محمد” ضمن قائمة من 17 سورياً قُتلوا في النيجر في أيار 2024، ففي 9/5/2024، تواصل المدعو “سليمان الشيخ” قائد كتيبة المشاة في الدفعة الأولى بالنيجر، عن طريق وساطة ضابط تركيّ في القاعدة التركية وأخبره بمقتله 17 سورياً بكمين عن طريق الألغام الأرضيّة، أثناء ذهابهم للتحصين وحفر الخنادق على خطوط التماس، وأنّه لم يستطع استرجاع جثثهم لأنّ المنطقة مرصودة بحزام ناري مكثف، وأنّ المقاتلين النيجر جمعوا الجثث وأحرقوها ليلاً بعد سكب مواد مشتعلة على أجسادها”.
والقتلى هم: عبد الرحمن. ح – إدلب، عبد الرحمن. ج – إدلب، عبد الحميد. ب – إدلب، كريم. ب – إدلب، خالد. ش – درعا، تيسير. ص – حمص، يوسف. أ – حمص، محمد. ف – دمشق، رائد. د – دمشق، فريد. ق – دمشق، عامر. د – الرقة، ميسرة. ع – الرقة، حاتم. غ – دير الزور، منصور. غ – دير الزور، منصور. ح – حلب، قاسم. م – حلب. ممدوح. ن – حلب.
في 7/7/2024، وصلت جثة، “أحمد د.” (29 عاماً)، أحد مرتزقة “سليمان شاه/ العمشات” في النيجر إلى الشمال السوريّ وفقاً لحسام رزق، أحد أقاربه والذي أضاف أنّه تم استلام الجثة من معبر إعزاز وعن سبب الوفاة، قال: “منذ ثلاثة أيام أخبرنا عنصر في “سليمان شاه/ العمشات”، أنه سمع من مرافقة المدعو “أبو عمشة” أنّ أحمد قد تُوفي بجلطة قلبيّة، بسبب جرعة زائدة من مواد مخدرة، وكثف “أبو عمشة” تواصلاته مع الأتراك ومع فهيم عيسى لإحضار جثته، كونه من المقربين منه وأحد أقربائه. وسبق أن أُرسل “أحمد” بتكليف من “أبو عمشة” إلى ليبيا. في منتصف آذار 2020 وتقاضى راتباً كبيراً، ليقوم بإتمام عمليات تسليم الذخائر وفحص السلاح وضمان عدم سرقته وبيعه، وبقي في ليبيا لسنة ونصف، وعاد إلى عفرين.
لماذا النيجر؟
شهدت النيجر في 26/7/2023 انقلاباً عسكرياً نفّذه الحرس الرئاسيّ أدى للإطاحة بحكم الرئيس “محمد بازوم”، وتشكيل مجلس عسكريّ جديد لقيادة البلاد برئاسة قائد الحرس الرئاسي الجنرال “عبد الرحمن تياني”، وهو ما اعتُبر ضربة للنفوذ الغربي التقليديّ ممثلاً بالولايات المتحدة الأمريكيّة وفرنسا، لصالح حلف آخر تمثله روسيا والصين وإيران وتركيا.
وأعلنت أنقرة معارضتها لتهديدات مجموعة “أيكواس” (المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا)، بالتدخّل العسكريّ في النيجر لإعادة الرئيس المخلوع إلى السلطة، وعيّنت أول ملحق عسكريّ لها في النيجر في آذار الماضي، ضمن خطوات دبلوماسية أخرى، تلاها إرسال مرتزقة سوريين لحماية مصالحها هناك.
وبرر جيش النيجر الانقلاب للتصدي للهجمات العنيفة التي تشنها مجموعات إرهابيّة، بينها مجموعات بايعت “داعش” وأخرى بايعت تنظيم “القاعدة”، لكن وتيرة الهجمات لم تتراجع.