حينما نكتب، ونرصف المعاني عن الشهداء، نبقَ عاجزين عن وصفهم، فبدءاً أورد قول الشاعر “محمد مهدي الجواهري” عن الشهيد:
يـــومَ الـشَهــيد: تحــــيةٌ وسـلامُ
بــك والنــضـالِ تــؤرَّخُ الأعوامُ
بك والضحايا الغُرِّ يزهو شامخاً
عـلــمُ الـحساب، وتفــخر الأرقامُ
بك والذي ضمَّ الثرى من طيبِهم
تــتـعـطـَّرُ الأرَضــونَ والأيـــــامُ
بك يُبعَث “الجيلُ” المحتَّمُ بعثُه
وبــك “القيـــامةُ” للطُغاة تُقامُ
وبك العُتاة سيُحشَرون، وجوهُهُم
ســودٌ، وحَشْـــوُ أُنوفــهم إرغـام
إيفا، ارفعِ رأسكِ، فأنتِ وردة الشهيد والوطن، فأنتِ أمل أمٍ ثكلى وامرأة أرملة، وأنتِ من يرى في لمعة عينيك إيناس الشهيد، فأنت ريحانة الشهيد، إيناس محمد علي (بافي إيفا)، فأنتِ ابنة رجل عرف باسمكِ (بافي إيفا).
وفي مشهد مليء بالصمود والألم في مدينة الصمود كوباني، “إيفا” ابنة الشهيد “إيناس محمد علي”، في ذكرى السنوية الأولى لاستشهاد والدها، حملت صورته التي يكبرها حجماً، فقصدت ضريحه، وعند وصولها إلى مزار الشهداء في مقاطعة كوباني، بدأت تركض نحو ضريح والدها الشهيد في يديها صورته، وكانت تنظر إليه في كل لحظة، وتنادي (بابا.. بابا)، مع ملامسة أناملها الصغيرة لوجه أبيها في الصورة.
وعند وصولها ضريح والدها، حملتها والدتها “زوجة الشهيد إيناس محمد علي”، ووضعتها بجوار ضريحه، بدأت تلمس وجه والدها في الصورة الموضوعة على ضريحه، وتنادي باسم (بابا)، فهذه المشاهد لم تكن مجرد مشاهد عابرة وحسب، بل إنها مشاهد ألم وشكوى.
ولم تقف إيفا أمام صورة والدها الشهيد صامتة، ففي اللحظة التي كانت تنادي أباها، كانت والدتها “رانيا”، تشير إلى الضريح، والصور وتقول لها، ها هو أبوك تحت حفنة التراب هذه، فتحدثي معهُ، فهو يسمعك الآن، وهي تنظر لصورة والدها، وتضرب يدها على الضريح، وكأنها تطلب منه أن يرفع رأسهُ، ويستيقظ من نومه العميق، ليحتضنها حتى تشبع من حنانه، فقد تركها، وهي لازالت في شهرها التاسع.
وفي الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد “إيناس”، كانت تظهر في وجه زوجته معاني الألم والعجب ومعاني القهر والأخذ بالثأر، وهي تحمل طفلتها، وتقف بجوار ضريح زوجها الشهيد، الذي جعل من جسده سداً منيعاً لحماية أمن وأمان المنطقة.
وفي مرأى والدة الشهيد “ايناس”، التي كانت تسند رأسها إلى حجر ضريح ولدها، وتردد أغاني الرثاء: “إيناس ولدي قم ارفع رأسك لطفلتك، قم ارفع رأسك لإيفا، قد اتتك اليوم مشتاقة، وكأنها ستلتقي بك بذكرى شهادتك الأولى”، وكانت تحمل صورتهُ، وتحتضنها وتقبلها، وكأنها تحتضن فلذة كبدها “إيناس”.
فهذه المشاهد المليئة بالألم، والوجع والصمود، تحمل معنى القوة، والإرادة كل فرد من شعوب شمال وشرق سوريا بصغيرها وكبيرها.
والجدير بالذكر، استشهد الشهيد إيناس محمد علي (بافي إيفا)، في الثالث عشر من شهر أيلول عام 2022، في منبج برفقة عضوين آخرين من قوى الأمن الداخلي، وهما “الشهيد حسن خالد عثمان (زنار عفرين)، وسنان محمد علي”، أثناء أدائهم واجبهم العسكري في حماية أمن وأمان المنطقة ضد الظلم والإرهاب.