No Result
View All Result
المشاهدات 0
د. علي أبو الخير_
الحقيقة أن ما دفعني للكتابة عن المنصورة، هو الحديث عن الانتصار على الغرب الأوروبي، فقد انتصرت على فرنسا قائدة الغرب الأوروبي في الحملة الصليبية السابعة، وأسرت الملك الفرنسي “لويس التاسع”، والذي يماثل منصبه اليوم منصب رئيس أمريكي.
ولعلّ الكتابة عن المنصورة تلهم القوى المقاومة وغير المقاومة على السواء، أنه يمكن الانتصار على قوى الاستعمار، باستلهام عبر الماضي، خاصة أن الزمن القديم كان أكثر بؤسا من الزمن الحالي، ومازالت فرنسا تسيء للنبي، صلى الله عليه وسلم، حتى اليوم.
في زمن الحملة الصليبية السابعة، أيقنت قوى الفرنجة أنه لا سبيل لاحتلال بيت المقدس من جديد، إلا بغزو مصر، ليس عن طريق الإسكندرية، ولكن عن طريق ميناء دمياط في الشرق، ثم تدخل القوات المدينة، ومنها عبر النيل إلى القاهرة، وبالفعل احتلت القوات الصليبية المدينة، ودخلت السفن النيل، وهنا قام المصريون بمحاربة القوات الغازية بكافة الطرق ومنها المبتكر، مثل إغراق السفن بفتح الترع والأنهار الصغيرة لتمتلئ السفن بالماء ويغرقها، وكثيرة هي الخطط المذكورة في كتب التاريخ الغربي قبل العربي.
اسم المنصورة القديم هو “جزيرة الورد”. ولكن عندما وصلت الحملة الفرنسية إلى ميناء دمياط، انتقلت الحكومة المصرية من القاهرة لجزيرة الورد، فتم تغيير اسمها للمنصورة تيمنا بالنصر، مات الملك الصالح أيّوب أثناء الحرب، فأخفت زوجته شجرة الدر وفاته، ومعها قادة الجيش، حتى لا تتأثر معنويات الجنود، فكان الطعام يدخل غرفة السلطان، ويخرج كما لو كان على قيد الحياة.
وعندما اقتربت القوات الفرنسية من المنصورة، قابلهم المصريون، عند ضفاف النيل والأنهار، وأحدقوا بهم من كل جانب، وذلك في شهر محرم سنة 648هـ/ نيسان 1250م، وقتلوا منهم أكثر من عشرة آلاف، وأُسر عشرات الألوف، وكان من بين الأسرى الملك لويس التاسع نفسه، ومعه أخواه شارل، وألفونس.
وتم أسرهم في دار القاضي فخر الدين بن لقمان، وقد حُولت دار ابن لقمان إلى متحف المنصورة القومي، وظل الملك لويس أسيرا لمدة شهر كامل يحرسه “الطواشي صبيح”، حتى تم الاتفاق مع زوجة لويس التاسع الملكة “مارغريت بروفانس” على دفع فدية قيمتها أربعمائة ألف دينار، يتم دفع نصف الفدية نقدا، وهو مائتي ألف دينار على أن يتم دفع النصف الآخر بعد عودته لفرنسا، ولكن لم يتم دفعها حتى اليوم، بل لم يذهب لفرنسا، ولكنه هاجم الجزائر ومات فيها، ومازالت فرنسا مدينة بالمبلغ حتى الآن.
وقد برز القائد المملوكي “ركن الدين بيبرس البندقداري” في معركة المنصورة، وصار سلطانا فيما بعد تحت اسم “الظاهر بيبرس”، وهو الذي نقل الخلافة العباسية من بغداد للقاهرة، لأن بغداد سقطت تحت سنابك المغول بعد معركة المنصورة بثمان سنوات لا غير عام 1258.
الكرد في المنصورة
يوجد في محافظة الدقهلية قرية (ميت الأكراد) وهي قريبة من المنصورة، سكنت فيها جالية كردية أواسط القرن التاسع عشر، واختلطوا بالمصريين وذاب الجميع في ثقافة عربية وهوية مصرية، كما توجد مدينة (الكردي) وهي تابعة للدقهلية والعاصمة المنصورة، حدث معها كما حدث لـ “ميت الأكراد”.
المنصورة… مدينة الفن والثقافة
المنصورة مدينة الانتصار الثقافي، فهي التي قدمت أكثر من نصف مثقفي مصر للعالم العربي والإسلامي بأسره، فكأن نهر النيل الخالد أثّر على موقع المدينة، التي يحيط بها الماء من كل جانب، فأنجبت المدينة عاصمة الدقهلية كثيرا جدا من الرموز الدينية والفكرية والفلسفية والفنية.
نذكر بعضهم على سبيل المثال، فمن المنصورة جاء علماء الأزهر مثل: الشيخ محمود أبو ريه – محمد أبو زهرة -الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق-الشيخ محمد متولي الشعراوي – الشيخ المبتهل الباكي نصر الدين طوبار – الشيخ المبتهل سيد النقشبندي.
وعلى المستوى الفني خرج من المنصورة: أم كلثوم سيدة الغناء العربي – الموسيقار العبقري رياض السنباطي -فاتن حمامة – حسن فايق- كمال الشناوي-عادل إمام – محمد صبحي– يحيي الفخراني– الضيف أحمد-الفنانة صفاء أبو السعود- يونس شلبي- حسين الشربيني- المخرج حسن الإمام مخرج الروائع.
ومن السياسيين : المهندس إبراهيم شكري مؤسس حزب العمل الاشتراكي، ومن قادة الفكر والسياسة والنضال القومي- المفكر والسياسي الدكتور رفعت السعيد، ومن مؤسسي حزب التجمع اليساري – أبو التعليم المصري في زمن محمد علي، وهو الدكتور على مبارك – رائد فن النحت محمود مختار صاحب تمثال نهضة مصر الواقع أمام جامعة القاهرة الأديب – الدكتور محمد حسين هيكل – أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد، وهو أحد رواد حركة النهضة والتنوير ومن تلاميذه الدكتور طه حسين – أحمد حسن الزيات صاحب مجلة الرسالة ورائد من رواد النهضة الثقافية في العالم العربي- رائد الصحافة الحديثة محمد التابعي – المفكر الفيلسوف عبد الرحمن بدوي – المفكر الفيلسوف زكي نجيب محمود – المفكر والكاتب أنيس منصور – نعمان عاشور مؤسس المسرح الواقعي – الكاتب المسرحي سعد الدين وهبه – والكتّاب الصحفيون محمود عوض – صلاح عيسى – محمد المخزنجي- الشاعر كامل الشناوي وشقيقه الشاعر الغنائي مأمون الشناوي – شاعر الجندول علي محمود طه – صاحب قصيدة الأطلال إبراهيم ناجي – الدكتور المفكر محمود زقزوق – الكاتب الصحفي الراحل رجاء النقاش وشقيقتيه فريدة وأمينة – الإعلامي محمد فتحي مؤسس الإذاعة ومن روادها والملقب بكروان الإذاعة – زكريا الحجاوي رائد الفن الشعبي، وتلك أمثلة فقط حول عظماء المنصورة التي تفتخر بهم، كما تفتخر بالانتصار على القوى الصليبية القديمة المتجددة، تماما مثلما تفتخر بذكرى النصر على الفرنجة القدامى، فلربما تلهم اليوم قوى الاعتدال، نقول ربما…
No Result
View All Result